عرض تمثال «أسد اللات التدمريّ» في المتحف الوطنيّ ـ دمشق

لورا محمود

سورية مهد أقدم حضارات العالم، تملك ما يزيد على عشرة آلاف موقع أثريّ سُجّل منها أربعة آلاف موقع على لائحتها الوطنية، وثمّة ستّة مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي، منها حلب القديمة وقلعتا الحصن وصلاح الدين وتدمر والقرى الأثرية شمال سورية. لكن هذا التراث المهم أصابته كارثة ثقافية حقيقة خلال الأزمة بفعل التدمير والتخريب على يد المجموعات الإرهابية، وقد طاولت الأضرار أكثر من 750 موقعاً ومبنى أثرياً.

لذا، تسعى المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية إلى تأهيل القطع الأثرية السورية التي طاولها الإرهاب، وذلك بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونيسكو» وعدد من المنظمات الدولية والباحثين الآثاريين. ومن أهم هذه القطع الأثرية المهمة التي أُنهِي ترميمها، تمثال «أسد اللات التدمريّ» الذي عُرض على الجمهور في القاعة الشامية في المتحف الوطني ـ دمشق مؤخراً.

حمود

وقد ألقى الدكتور محمود حمود مدير الآثار والمتاحف كلمة خلال احتفالية عرض التمثال قائلاً: إن ترميم التمثال يأتي ضمن مسعى المديرية إلى تأهيل القطع الأثرية السورية التي طاولها الإرهاب التكفيري، وفق برنامج استراتيجي تنفذه المديرية بالتعاون مع «يونيسكو» وعدد من المنظمات الدولية والباحثين الآثاريين نتيجة إيمان هذه الجهات بضرورة الحفاظ على التراث الأثري السوري.

وأشار حمود إلى أنّ الإرهابيين حاولوا طمس معالم الآثار السورية وتحطيمها وتخريبها في كل مكان من سورية، وخصوصاً في تدمر، حيث نهبوا ما نهبوه، وما لم يستطيعوا نهبه حطّموه، أما تمثال «أسد اللات»، فقام الارهابيون بتدميره بجرافات ثقيلة أثناء دخولهم تدمر.

وفي تصريح إلى «البناء»، تحدث حمود عن التمثال الذي يقوم في معبد اللات في تدمر وهو عبارة عن أسد يحتضن غزالاً عليه عبارة: «اللات تبارك كل من لا يسفك الدماء في حرم المعبد»، وهذا دليل على السلام وحياة المحبة والتسامح التي كان يعيشها التدمريون والسوريون عموماً وهذه كانت عقيدتهم.

ولفت حمود إلى أن هذا التمثال يعبّر عن هذه الثقافة السورية العريقة التي تعرضت للتخريب والدمار والتحطيم على يدّ المجموعات المسلّحة التي جاءت إلى تدمر وقامت بتدمير كل الآثار والأوابد القائمة في تدمر ومنها المقتنيات المتحفية.

وبعد تحرير تدمر من الإرهاب على يد الجيش السوري الباسل وأصدقاء سورية، قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بالتعاون مع الأصدقاء البولونيين بجمع شظايا هذا التمثال ونقلها إلى المتحف الوطني في دمشق وترميمها، وهو الآن جاهزٌ للعرض أمام الجمهور وسيكون علامة على سورية الجديدة المنتصرة على الإرهاب وكل من يقف معه.

ماركوفسكي

وعن عمليات الترميم تحدّث الخبير البولندي بارتوش ماركوفسكي المشرف على مشروع ترميم تمثال «أسد اللات»، وعن العلاقة القديمة التي تربط البعثة البولندية بمدينة تدمر، مبيّناً أن هذا التمثال لديه خصوصية لذا تم استخدام عدد من المواد التي لا تؤثر فيه، وتحافظ على قيمته الأثرية.

وعن حجم الضرر في التمثال قال ماركوفسكي: كان الضرر للأسف كبيراً حيث تم تدميره بالبلدوزرات، وتفاصيل كثيرة خاصة بالتمثال تحطّمت بالكامل. ولكن من حسن الحظ وُجدت شظايا التمثال وبقايا حطامه، وتمت إعادته إلى وضعه الطبيعي.

دادوخ

وتحدث إلى «البناء» المهندس فراس دادوخ نائب مدير شؤون المتاحف ورئيس دائرة التطوير المتحفي قائلاً: ميزة هذا المشروع أنه خطوة عملية ملموسة باليد كي نقول إن المديرية العامة للآثار والمتاحف قادرة على استعادة القطع الأثرية وترميمها وإعادة عرضها بشكل لائق أكثر مما كانت عليه. وهذا التمثال مثال حيّ نراه اليوم بأعيننا.

وأضاف دادوخ: عندما كنا نقول إننا قادرون على ذلك، كان هناك من يخرج علينا من المشكّكين ليقول لن تستطيعوا ترميم معبد «بل»، أو قوس النصر أو معبد «بعل شمين»، وإعادة هذه المعالم إلى ما كانت عليه. لكنّ ترميم هذه الأوابد الأثرية ليس أصعب ولا أدقّ.

ولفت دادوخ إلى أننا بهذا العمل قدّمنا صورة جميلة للناس والمجتمع. ونحن كما استعدنا هذه القطعة الأثرية الهامة ودمجناها وأعدنا عرضها بطريقة لائقة أكثر مما كانت عليه في الماضي، نستطيع إعادة كل موقع وكل آبدة أثرية تضررت في هذه الأحداث.

وعن دور وزارة الثقافة قال دادوخ: قدّمت وزراة الثقافة المساعدة المادية عن طريق الموافقة على الجزء المالي المخصّص للمديرية العامة للمتاحف. فيما قدّمت «يونيسكو» الجزء المتعلّق بعملية الترميم وإعادة نصب التمثال وإعادة الكتل الحجرية. أما المديرية العامة للمتاحف والآثار فقدّمت العرض المتحفي، وكان العمل مشتركاً ومتماثلاً بالقيمة الماديّة من كلا الطرفين. كما كانت مجموعة العمل بالكامل تعمل لإنتاج هذا النموذج البصري وتقديمه للجمهور.

عوض

بدوره، قال نظير عوض مدير شؤون المتاحف: إن عملية الترميم تمّت بالتعاون بين المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية، وبدعم وزارة الثقافة حيث جرى الترميم بأعلى المعايير العالمية وباستخدام أفضل تكنولوجيا.

ورأى عوض أن ترميم التمثال ووضعه في الزاوية الجنوبية الشرقية للمتحف الوطني هو عمل جبّار وتحدٍّ كبير، ورسالة إلى العالم أننا كشعب ماضون في الحفاظ على التراث السوري وحفظه وصونه. موضحاً أن هذه القطعة الأثرية بالذات لها دلالات رمزية فهي تدعو إلى السلام.

وكشف عوض عن عزم المديرية التواصل مع مؤسّسات دولية كثيرة لوضع مشاريع مستقبلية لترميم كل ما تعرّض له التراث السوري من ضرر، سواء على صعيد القطع المتحفية أو على صعيد المواقع الأثرية والتراثية.

يذكر أن تاريخ تمثال «أسد اللات» يعود إلى القرن الثاني الميلادي وتعرّض بعد غزو الرومان لأوّل عملية تخريب عندما عمل هؤلاء على إعادة استخدام التمثال كحجارة وضعت في جدران معسكر ديقوليانوس.

وهو تمثال تدمريّ فريد من نوعه عبارة عن أسد يحتضن بين ذراعيه غزالاً مع عبارة نقشت عليها تقول: «لتبارك اللات من لم يُرِق دماءً أمام هذا الهيكل». ويبلغ وزنه 15 طناً وارتفاعه 3.5 متراً، ويعتبر من أكبر التماثيل المكتشفة في سورية من حيث الحجم والناحية الفنية. وهو من الحجر الكلسيّ.

وقد اكتُشف «أسد اللات» من قبل البعثة البولندية عام 1977 وتم ترميمه بشكل أوّلي من قبل جوزف غازي وفريقه، ووُضع في متحف تدمر. وعام 2005 تم تجديد التمثال وترميمه من قبل بارتوش ماركوفسكي الذي يعمل في المركز البولندي لأبحاث الآثار في حوض البحر المتوسط.

وقد تعرّض التمثال للتحطيم على أيدي إرهابيي تنظيم «داعش» مطلع تمّوز 2015. وجرى ترميمه سابقاً من قبل المرمم البولوني بارتوز بارتوبار وبتمويل من مكتب منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونيسكو» في بيروت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى