التراث الشعبي الفلسطينيّ… العامل الحاسم في صراع الوجود!
د. نجلاء الخضراء
كما أنّ لكل شجرة جذورها التي تتيح لها استمرارية الصعود نحو العُلى، وأن تحتلّ حيّزها تحت الشمس. كذلك هو تراث أمّة ما. ومن هنا كان سعي الكيان الصهيوني إلى انتحال تراث خاص به، وسرقته وتزييفه كي يقنع دول العالم أنه كيانٌ قابلٌ للاستمرار كي تبقي على دعمها المالي له. فاقتصاد الكيان الصهيوني ما زال إلى اليوم يعتمد بشكل هائل على مساعدات عدد من دول الغرب.
ما هو التراث؟ وعمّا يعبّر؟ ولماذا يتمتّع بكل هذه الأهمية؟
تُطلَق كلمة تراث على مجموع نتاج الحضارات السابقة التي تمّ توارثها من السلف إلى الخَلَف. وهي نتاج تجارب الإنسان ورغباته وأحاسيسه، سواء كانت في ميادين العلم، أو الفكر أو اللغة أو الأدب وليس ذلك فحسب بل يمتد ليشمل جميع النواحي المادية والوجدانية للمجتمع من فلسفة ودين وفن وعمران وتراث فولكلوري واقتصادي أيضاً.
يكتسب التراث صفة التراكم وليس الحذف. فالجديد يبنى على ما هو قديم ولا يهدمه. وهذا هو أساس المعرفة أيضاً لا التراث فقط. إذ إنّ من أهم صفات المعرفة… التراكم.
إذاً، التراث هو الهوية الحضارية التي تصرّح عن تاريخ الشعوب وآدابهم وفنونهم التي مثّلتها هذه الحضارة. وهي تنطق بمُثُلهم وقيمهم، وتصوّر عقائدهم الروحية والمادية، وتحاكي وجدانهم وعواطفهم التي تحرك في ذاتهم ملكة التعلق بالآباء والأجداد بأشكالها وصورها المختلفة، وتوثق عرى الارتباط بين جيل الحاضر والأجيال العتيقة فإذا بها كحبل السرة الذي يغذي الجنين في رحم الحاضر بثقافة الماضي.
يقسم التراث الشعبي الفلسطيني إلى قسمين أولهما التراث المادي أو الملموس، وهو كل ما شيّده الأجداد من عمائر كالمساجد والكنائس ودور العلم والأضرحة والتكايا والقصور والمنازل والأسواق والخانات والمراكز الصحية والحمّامات. كما تعتبر الحِرف اليدوية والصناعات التقليدية والقِطع الأثرية التي تتمّ صناعتها بالاعتماد على المواد الخام الموجودة في المنطقة كالخزف والفخّار والنحاس والزجاج والقشّ والصياغة، إضافة إلى صناعة الصابون وزيت الزيتون، وإضافة إلى المطبخ الفلسطيني بكل أدواته المختلفة كالطابون وحجر الرحى والأدوات النحاسية، وأدوات النسج والغزل والحياكة والثوب الفلسطيني القمباز … إلخ.
وتُعدّ فلسطين من أغنى دول العالم من ناحية الآثار، حيث يمكنها منافسة مصر على المرتبة الأولى الآثارية في العالم العربي، وهي أكثر دولة في العالم مرّت بها حضارات. إذ إن عدد تلك الحضارات 22 حضارة منذ الحضارة الكنعانية. من أهم تلك الآثار نذكر كنيسة المهد، كنيسة مريم المجدلية، حمّام الباشا، مقام النبي صالح، بئر يعقوب. إضافة إلى القطع الأثرية المسروقة والمهرّبة خارج فلسطين.
تعتبر فلسطين بموقعها الجغرافي نقطة وصل بين قارتَي أفريقيا وآسيا. ولأنها كانت مهد حضارات تاريخية عدّة، مصرية وبابلية وآشورية ويونانية وفينيقية ورومانية وعبرية ومسيحية وإسلامية، اكتسبت نموذجاً حضارياً وثقافياً نتيجة اختلاط الشعوب ببعضها. وقد خلّف ذلك وراءه كنوزاً ثمينة من الآثار والمواقع الأثرية، إضافة إلى كون هذه المواقع مدناً سياحية بحدّ ذاتها. ومن أهم المواقع المسجّلة على لوائح التراث العالمي بِاسم فلسطين: القدس والمسجد الأقصى، الخليل والمسجد الإبراهيمي، وبيت لحم مكان ولادة السيد المسيح، كنيسة المهد ومسار الحجاج، وبتير فلسطين أرض العنب والزيتون.
ومن المواقع القديمة غير المسجّلة على لوائح التراث العالمي نذكر، تل العجول والذي يعود تاريخ استيطانه إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد بما فيه من أسوار وأبواب وأبراج. وموقع كفر كنا، الذي دلّت الدراسات على أنه أقدم أثر كنعاني والذي يعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد.
وهنا، يجب التنويه والتأكيد على أنه لم يتم العثور على أيّ أثر يهودي في تلك المواقع، رغم وجود عدة طبقات تعود إلى ما قبل التاريخ وبعده، منذ العهود الكنعانية وحتى الإسلامية.
أما القسم الثاني من التراث الشعبي الفلسطيني، فيتمثل بالتراث اللامادي أو غير الملموس، وهو الممارسات والتصوّرات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية.
ويمكن تصنيف التراث اللامادي إلى: التقاليد الشفوية: وهي مجموع النتاج الفكري لأبناء الشعب، فهو يعبّر عن إبداعاتهم على مرّ العصور في مختلف المعارف سواء كان ذلك في العلوم الدينية أو الفقهية أو الفلسفية، أو في اللغة والأدب والشعر والتاريخ والزراعة، أو في التشريعات القضائية والحكايات والأمثال الشعبية… إلخ.
فنجد أنّ الأدب الشعبي الفلسطيني يخلق حالة من التوازن بين القيم المادية والقيم الأخلاقية الإنسانية.
وختاماً، لا يسعنا إلا التعجّب من محاولات الكيان الصهيوني سرقة التراث الشعبي الفلسطيني الثريّ، الذي بيّنا القليل من جوانبه في هذه العجالة، ويظهر الكيان الصهيوني كمن يحاول أن يحجب الشمس بغربال. وما دمنا نتمتّع بالوعي والإرادة تجاه الحفاظ على تراثنا، فلن ينجح الكيان الغاصب بالاستناد عليه لشرعنة كذبته في خصوص حقه المزعوم بأرض فلسطين. وكلّنا نعلم أنّ الكيان الصهيوني إلى زوال. فلا شيء من دون جذور، ينهض بثبات ويبقى في وجه رياح الزمن.
باحثة فلسطينيّة