موقع «رانية» الأثري شمال العراق ينتظر فرق البحث
احتلّ موقع رانية الأثري في شمال العراق، موقعاً هاماً من اهتمام علماء الآثار فلم تفارقه الفرق العاملة فيه، رغم المخاطر التي عانتها المنطقة في السنوات السابقة. لكن اليوم بعد قرار بغداد حظر الرحلات الجوية إلى إقليم كردستان العراق غادره الأثريون وتُرك وحيداً بلا رنين معاولهم ورفوشهم.
وفي جولة لإسماعيل نورالدين 62 عاماً في الموقع الذي كان على ما يبدو معبداً قبل ألفي عام، ليشرح «هنا عثرنا على تمثال للإسكندر الكبير»، مشيراً إلى الأرض بيده.
وقبل أسبوع، كان ضجيج الآلات وأصوات العلماء المتحمّسين للعثور على كنوز تاريخية، يملأ المكان. أما اليوم فيسود صمت الحجارة والصخور وسكون التاريخ في المكان.
فبعد استفتاء إقليم كردستان في 25 ايلول الماضي، حظرت الحكومة المركزية في بغداد الرحلات الدولية من هذا الإقليم وإليه، ففضّل علماء الآثار الأجانب مغادرة الإقليم على وجه السرعة خوفاً من أن تتم محاصرتهم فيه.
ويقول رزكار قادر بوسكيني وهو طالب آثار 21 عاماً وعضو في فرق التنقيب في موقع مجاور «إنها المرة الأولى التي يغادر فيها باحثون أجانب، حتى مع اقتراب داعش لم يغادروا بل ظلّوا هنا».
وجاءت هذه المستجدات السياسية في الوقت الذي كانت تستعد فيه الفرق لسبر أسرار تاريخية في هذه المنطقة الجبلية المحاذية لإيران.
وبانتظار أن تحدث تغيّرات إيجابية جديدة تعيد أفواج علماء الآثار إلى كردستان، يتولى إسماعيل نورالدين حراسة هذا الموقع في مدينته رانية.
وهذا الرجل العصامي الذي تعلّم بنفسه، هو صاحب الفضل في اكتشاف موقع «قلعة دربند». وهي مدينة قديمة ممتدة على ستين هكتاراً، يرجّح أن تكون أنشئت قبل ألفين و300 سنة على يد الإسكندر المقدوني.
يتابع نورالدين «في الربيع تم العثور على تمثالين لرجل وامرأة، أحدهما يشبه أفروديت إلهة الجمال عند اليونان والثاني الإسكندر الكبير».
وفي القرن الثالث قبل الميلاد شهدت المنطقة الحدودية بين ما يشكل اليوم كردستان العراق وتركيا واحدة من أشهر معارك التاريخ القديم، تواجه فيها جيش الإسكندر مع جيش داريوس الثالث الذي مُني بهزيمة قاسية.
وبدأت بعثة المتحف البريطاني عملها في خريف العام 2016، ومن المقرّر أن تنتهي في العام 2020، ويؤمل أن تخرج بإجابات حول تاريخ هذه المنطقة الواقعة على تقاطع طرق الحضارات القديمة.
وكشف تقرير صحافي بريطاني أن علماء آثار بريطانيين تمكنوا بمساعدة الطائرات المسيرة من دون طيار من اكتشاف مدينة مفقودة يعود تاريخها إلى 2000 عام أسسها الإسكندر الأكبر في العراق.
وذكر التقرير أن «المدينة تقع في منطقة قلعة دربند في شمال العراق. وكانت تشتهر بتجارة النبيذ لم تسجل تاريخياً إلا عند اكتشف آثارها علماء الآثار التابعون للمتحف البريطاني بمساعدة الطائرات من دون طيار».
وأضاف أن «العلماء عثروا على المدينة المفقودة بينما كانوا يقومون بعمليات مسح لصور القمر الاصطناعي الذي يطلق عليه تسمية الجاسوس ، والتي التقطتها الحكومة الأميركية منذ الستينيات لأغراض عسكرية ولم يعلن عنها إلا عام 1996».
وتابع أن «عمليات التنقيب الأثرية لم تكن واردة أيام حكم صدام حسين واستمرت الأوضاع على ما هي عليه بعد الغزو عام 2003، لكن تحسن الأوضاع الأمنية دفع المتحف البريطاني لاستكشاف الموقع كوسيلة لتدريب العراقيين الذين سيطلب منهم ترميم المواقع التي تضررت من قبل عصابات «داعش» الإرهابية».
ومن جهة ثانية، يرى عالم الآثار المسؤول عن برنامج التدريب جون ماغنيس أن «المتدربين ساعدوا على إظهار المدينة والتي من المرجّح أن يعود تاريخها إلى القرنين الأول أو الثاني قبل الميلاد».
وأضاف أن «المدينة بنيت على الطريق الذي كان يسلكه الإسكندر المقدوني عام 331 قبل الميلاد، حينما كان يتعقب جيش الإمبراطور الفارسي داريوس الثالث، والذي هزم أمام الإسكندر في معركة «غوغاميلا ».
وواصل أن «تماثيل الآلهة اليونانية الرومانية التي عثر عليها في المدينة المفقودة وبلاط القرميد المسمّى «تراكوتا» تظهر أن هناك تأثيراً يونانياً قوياً، مما يشير إلى أن سكانها الأوائل كانوا تابعين للإسكندر وأسلافهم».
وتمكّنت البعثة الأثرية المشتركة بين فرنسا والعراق من تحديد 354 موقعاً أثرياً في المنطقة. ويفسّر برزان إسماعيل مدير جهاز الآثار هذا الاكتظاظ بأربعة عوامل، مضيفاً «هناك كهوف كثيرة كانت تتيح للإنسان في القِدم أن يستخدمها كمخابئ، وهناك عامل آخر هو خصوبة الأراضي والغنى بالماء، إضافة إلى كون المنطقة واقعة بين الشرق والغرب».
لكن الموقع الآن يخلو من أي حركة، سوى من إسماعيل ورزكار يجلسان مع صياد يشرب الشاي في ظل شاحنته التي تقيه أشعة الشمس. لكن لا يلبث الهم ان يصيبه معلقاً «في حال استمرّ تعليق الرحلات الجوية، أخشى أن يؤثر ذلك على عملنا».
التايمز، ميدل إيست اونلاين