واشنطن ترفع الحظر عن حماس؟
ناصر قنديل
– يعرف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه تحدث بلسان المشاركين في مؤتمر إعادة إعمار غزة في القاهرة، وفي طليعتهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عندما جمع بين نجاح التهدئة وممارسة السلطة الفلسطينية لصلاحياتها في غزة، كشرطين متلازمين لقيام عملية مستمرة وناجحة لإعادة إعمار غزة، كما يعرف ويريد ويريد معه ومثله المشاركون أن تصل رسالته الموجهة إلى حركة حماس ومضمونها، دعوة واضحة عنوانها، الالتزام بالهدنة المجتزأة من جهة، أي تثبيت وقف النار من دون فك الحصار بمعناه الشامل ببعدي رفع الحظر الكلي عن تنقل البشر والبضائع وشموله المرافق البرية والبحرية والجوية، وكلها تبدو قضايا مطلوب نسيانها للحفاظ على وقف النار وحده، ومن جهة أخرى فوق التخلي عن الإصرار على التنفيذ الكامل لمضمون الهدنة التي رعتها مصر، التخلي عن كلّ التحفظات على تسليم الأمن في غزة للسلطة التي يقودها محمود عباس وأجهزته الأمنية، مع الإعلان عن إقلاع مسار حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، بالتالي التخلي عن الطابع الحمساوي لقطاع غزة.
– كما يعرف جون كيري وزير الخارجية الأميركي أنّ رسالته السياسية، التي جاءت مشفوعة بمئتي مليون دولار كمساهمة في إعمار قطاع غزة، الذي قدرت المشاركة الأميركية بتدميره بخمسة أضعاف هذه المساهمة، هي السقف السياسي للمؤتمر تتويجاً للشروط التي وضعها الرئيس السيسي، فكيري يقول بصراحة، إذا انضبطتم وراء حكومة يقودها محمود عباس، فيجب أن تعلموا أن هذه الحكومة ستكون مطالبة بالجلوس مجدّداً إلى طاولة المفاوضات مع حكومة بنيامين نتنياهو.
– كذلك يعرف كيري والسيسي أنه مهما كانت الشروط التي يتحدثان عنها، فهما لا يرفعان عصا المقاطعة على حماس ما لم تقبل الشروط وحسب، بل يقدمان لها جزرة الإعمار الذي سيكون جمهورها وستكون مؤسساتها المستفيد الأول من عائداتها، فلا تزال حماس القوة الرئيسية شعبياً في غزة، والعصب الذي ستبنى عليه مؤسسات الحكومة الموحدة في القطاع، ومع هذه الجزرة الاقتصادية جزرة سياسية تقوم على تدرّج في التعاطي مع حماس كقوة مقبولة في المعادلة الإقليمية الدولية الجديدة، في مرحلة ما بعد خروج الإخوان من الحكم في مصر، مدخلها التعامل معها كقوة شريكة في الحكومة الفلسطينية، وما يقتضيه ذلك ويرتبه من علاقات وتواصل واستطراداً انخراط في خطط عمل مشتركة.
– يعرف السيسي وكيري أنّ ما لم يقولاه هو أن أسباباً جوهرية تقف وراء دعوة مصر ورعايتها لهذا المؤتمر، ومشاركة كيري ومساهمة حكومته بمبلغ يتعدّى حدود المساهمة الرمزية بنظر الإدارة الأميركية، على رغم عدم جواز مقارنته بما تقدمه لـ«إسرائيل» أو ما تكبدته من أكلاف لحرب غزة، بدل صواريخ الباتريوت التي أطلقت خلال الحرب، وأن هذه الأسباب هي ذات الأسباب التي أدت إلى استباق انعقاد المؤتمر، بانعقاد الحكومة عشية موعد المؤتمر في غزة وإعلان خطتها لبسط سلطتها في القطاع، وأن قبول حماس سبقته تفاهمات تركية – سعودية أبعد مدى من الوضع في غزة، كان من ضمنها إبعاد الإخوان المسلمين من قطر، ومن ضمنها انضباط حماس بسياسات جديدة لم يكشف كل ما تطاوله التغييرات فيها.
– بالمقابل يعرف قادة حماس أن نتائج حرب غزة التي عجز فيها جيش الاحتلال عن إسقاط المقاومة، رفعت سقف الموقف الوطني الجامع فلسطينياً وسهلت مسار المصالحة، كما رفعت سقف القدرة الأميركية في الضغط على نتنياهو، لتتلاءم سياسات حكومته التفاوضية أكثر مع متطلبات كانت ترفضها قبل الحرب، وأن النتاج السياسي للحرب، بفضل اصطفاف حماس بمرجعيتها الإخوانية وراء حكومتي أنقرة والدوحة، سيكون تعزيزاً وإنعاشاً لمسار التفاوض وليس تجذيراً لخيار المقاومة، كما تعرف حماس أن ما قدمته في السياسة على مستوى الاستعداد لدعم مسار تفاوضي عنوانه الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والاستعداد لقبول هدنة طويلة تصل لعشرين سنة لم يحدثا في الفراغ، وأن إعلان خالد مشعل عن اعتبار حكومتي تركيا وقطر الصديقتين لـ«إسرائيل» عنواناً سياسياً لحماس وحرب غزة، رسالة يعرف الأميركي و«الإسرائيلي» أنها ليست نكاية بحلفاء الأمس في سورية وإيران وحزب الله، بل هي استغلال تسويقي للخلاف مع هؤلاء الحلفاء القدامى للتموضع مع الحلفاء الأصليين وبرنامج سياسي على مقاسهم.
– يعرف وزير المالية «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان أن ما قاله عن عدم سعي حكومته لعرقلة مؤتمر إعمار غزة، وما ينتج منه هو طلب أميركي لتسهيل خطة متكاملة لمرحلة مقبلة لها عناوين سياسية جديدة، وفي طليعتها استئناف المسار التفاوضي بموافقة من حركة حماس وتعرف حكومة نتنياهو طبيعة المساعي ومراحلها.
– أما نحن فنعرف أن ما يجري هو إعادة ترتيب أوراق الحلف الذي تقوده واشنطن وتوزيع الأدوار بين أطرافه، وتوظيف كل أطراف الحلف من تركيا وقطر إلى مصر والسعودية لضمان أمن «إسرائيل» أولاً ثم التفرغ لما عداه، وأن قوات القسام باتت معنية بقول كلمتها تجاه ما يجري حول ما يخص مستقبل المقاومة.