لماذا توسيع «المنطقة العازلة» من الجولان إلى جنوب لبنان؟

د. عصام نعمان

دوافع وأسباب كثيرة جرى تقديمها لتفسير عملية مزارع شبعا التي نفّذتها المقاومة اللبنانية حزب الله وأدت إلى تدمير مدرّعة «إسرائيلية» وجرح اثنين من طاقمها:

قيل إن تنفيذ العملية باسم «مجموعة الشهيد حسن حيدر» استشهد قبل نحو شهرين بتفجير العدو عبوة ناسفة مزروعة في جهاز تنصّت في بلدة عدلون الجنوبية أكّد المنحى الثأري للعملية على قاعدة «دم بدم».

قيل إنها نُفذت بغية لجم اعتداءات العدو التي تلاحقت في الفترة الأخيرة وكان آخرها قصف موقع للجيش اللبناني في جبل السدانة ما أدى إلى جرح أحد جنوده.

قيل إنها ردٌ محسوب على عملية بريتال الأخيرة التي حاولت خلالها جبهة «النصرة» و «داعش» اجتياح مواقع عدّة لحزب الله على سلسلة الجبال الشرقية بين لبنان وسورية بقصد الوصول إلى بلدات وقرى لبنانية لاتخاذها ملاذات آمنة للوقاية من ثلوج الجبال وصقيعها من جهة ومواقع لاستدراج حزب الله واستنزافه بعيداً عن العدو «الإسرائيلي» من جهة أخرى.

قيل إنها عملية هادفة إلى تأكيد الوجهة الأصلية لسلاح حزب الله التي كانت وما زالت «إسرائيل»، وأنه لن يضيّع البوصلة في صراعه مع العدو.

قيل إنها ردٌ على وهم الاعتقاد بأن المقاومة باتت عاجزة أو محشورة أو متدنية الجاهزية بفعل مواجهتها للمجموعات المسلحة في عمق سورية كما على حدودها مع لبنان.

قيل إنها نُفذت لتذكير العدو الطامع كما الصديق الغافل أو المتغافل بأن مزارع شبعا أرضٌ لبنانية محتلة ينبغي تحريرها بكل الوسائل المشروعة.

الحقيقة أن العملية، التي فاجأت العدو «الإسرائيلي» كما الصديق اللبناني الغافل أو المتغافل، تحتمل كل التفسيرات السابقة الذكر كما تنطوي على الكثير من الدلالات في هذه الآونة. غير أن ذلك يجب ألاّ يحجب التداعيات التي يمكن أن تنجم عنها عاجلاً أو آجلاً.

ثمة حقيقة ساطعة لا يمكن إغفالها هي أن بلدان مشرق العرب تعاني منذ نحو ثلاث سنوات حرباً إقليمية يشارك فيها لاعبون إقليميون كما دول كبرى. صحيح أن الدول الكبرى المشاركة فيها والجهد الكبير الذي تبذله في مختلف ميادينها يجعل الحرب، بمعنى من المعاني، حرباً عالمية، إلاّ أن مسارح العمليات العسكرية ومفاعيلها المباشرة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية غلّبت عليها الصفة الإقليمية بالدرجة الأولى… حتى إشعار آخر.

اللاعبون الإقليميون يشاركون في الحرب بأشكال ووسائل مختلفة. بعضهم يشارك بالتمويل والتسليح. بعضهم الآخر يشارك بالدعم السياسي والإعلامي. غير أن تطورات الحرب، ولا سيما بعد سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية-داعش» على الموصل وأجزاء واسعة من غرب العراق وشمال شرقي سورية، حملت أطرافاً في الفريق الأول على تطوير مشاركتها من حال التمويل والتسليح إلى حال الانخراط الفعلي في عمليات القصف الجوي لمواقع «داعش» في إطار غارات سلاح الجو الأميركي عليها.

ثمة حقيقة إضافية هي أن اللاعبين الإقليميين المشاركين في الحرب ليسوا دولاً كلهم، ذلك أن بعضهم كيانات قوية لها بعض مواصفات الدول وفعاليتها. حزب الله ليس دولة إنما كيان قوي له فعالية إقليمية بدليل أنه خاض حرباً ناجحة ضد «إسرائيل» عام 2006 وينخرط حالياً بفعالية ملحوظة ضد مجموعات المعارضة المسلحة في سورية. كذلك حال تنظيم «داعش». فهو أيضاً كيان قوي له فعالية إقليمية بدليل أنه يخوض الحرب ضد حكومتي العراق وسورية ويقاتل الجيش اللبناني داخل بلاده في منطقتي عرسال وبريتال ويحاول مع مجموعات إرهابية حليفة نقل الحرب إلى مواقع أخرى داخل لبنان كوادي البقاع الشمالي ومنطقتي طرابلس وعكار.

إلى ذلـك، تتعـاون «إسرائيل» مع «داعش» وتنظيمـات متحالفـة معـه كـ «النصرة» مثلاً في المنطقة المحررة من الجولان السوري كما على طول الحدود اللبنانية – السورية. في الشهرين الماضيين تمكّنت هذه التنظيمات من إقامة منطقة «جدار طيب» بين سورية والجولان المحتل يُراد لها أن تشكّل نواةً لمنطقة عازلة واسعة تمتد إلى سفوح جبل الشيخ حرمون بين الجولان المحتل ومنطقة شبعا في جنوب شرقي لبنان. خطورة المسألة تكمن في تداعيات اندحار جبهة «النصرة» و«داعش» في معركتي بريتال وعسّال الورد الأخيرتين أمام مقاتلي حزب الله وردهما المحتمل عليه. بعض المراقبين يعتقد أنهما سيردان في منطقة عرسال المجاورة. بعضهم الآخر يرجّح أن يكون الرد في منطقة شبعا حيث لا وجود ظاهراً لحزب الله.

تلاحظ أوساط قيادية في حزب الله أن ثمة تزامناً يخفي تواطئاً بين العملية النصراوية – الداعشية في جوار بريتال وعملية جبل السدانة «الإسرائيلية» في قلب مزارع شبعا. هل يؤشّر هذا التزامن والتواطؤ إلى أمر غير عادي؟

نعم، أرى أن من جملة الرسائل التي أراد حزب الله أن يبعث بها إلى «إسرائيل» من خلال عملية مزارع شبعا الأخيرة واحدة هي الآتية: إذا كنتم تفكرون بدعم «داعش» وأخواتها لتوسيع المنطقة العازلة في الجولان المحتل وصولاً إلى منطقة شبعا اللبنانية بقصد الالتفاف على وجود المقاومة فـي منطقـة لبنان الجنوبـي المواجهـة للكيان الصهيوني. فاعلموا أننا مستعدون لمواجهتكم بفعالية، وأن ما لدينا من قوة وقدرات كفيلة بدحركم وحلفائكم ونقل الحرب إلى عمقكم.

بكلام آخر: حزب الله يتوقع أن يتأتّى عن الحرب الإقليمية المحتدمة فتحُ جبهة داعشية ضده في جنوب شرقي لبنان بدعم سافر من «إسرائيل»، وأنه في هذه الحال لن يتوانى عن مواجهة العدو الأصلي كما العدو الفرعي بقوة وفعالية قد يتأتّى عنها نقل الحرب إلى عمق «إسرائيل».

وثمة احتمال آخر أيضاً: أن يؤدي تفعيل جبهةٍ لبنانية ضد «إسرائيل» في شمالها إلى تفجير جبهة فلسطينية ضدها في جنوبها قطاع غزة ما يؤدي إلى وقوعها بين فكي كماشة صاروخية مدمرة وقاتلة وصانعة لمصير قاتم للكيان الصهيوني بعد مرور 66 سنة على زرعه في أرضنا…

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى