أفغانستان: هل يتكرّر السيناريو العراقي بعد الانسحاب الأميركي؟
حميدي العبدالله
يتوقع أن تكمل الولايات المتحدة سحب قواتها العسكرية وقوات «الناتو» من أفغانستان مع انتهاء هذا العام. وسواء تمكّنت من إبقاء قوة محدودة بعد هذا الانسحاب أم رفضت الحكومة الأفغانية على غرار ما فعلت الحكومة العراقية في عام 2011 فإنّ السؤال المطروح هو هل يتكرّر السيناريو العراقي في أفغانستان بعد جلاء قوات «الناتو»؟ أيّ هل تتمكن الحكومة الأفغانية على غرار ما فعلت حكومة المالكي الصمود بقدراتها الذاتية في وجه مسلحي طالبان، أم أنّ الوضع في أفغانستان يختلف عن الوضع في العراق، وبالتالي ستكون النتيجة مختلفة؟
لا شك أنّ الوضع في أفغانستان يختلف عن الوضع في العراق، فحركة طالبان التي استهدفها الغزو الأميركي بعد هجمات 11 أيلول 2001 تختلف عن نظام صدام حسين وتحظى بشعبية أوسع بكثير مما كان يحظى به الرئيس العراقي الذي استهدفه الغزو الأميركي للعراق، كما أنّ المعارضة العراقية لنظام صدام حسين كانت ترتكز إلى دعم شعبي لا يتوفر للمعارضة الأفغانية التي كانت تحارب طالبان، فالمعارضة الأفغانية التي تعاونت مع قوات «الناتو» كانت تسيطر على مناطق شمال أفغانستان فقط، في حين أنّ كابول وأجزاء واسعة من أفغانستان كانت تحت سيطرة طالبان.
هذه الاختلافات والفروق سيكون لها تأثير كبير على الوضع في أفغانستان بعد جلاء قوات «الناتو». فقوات طالبان أكبر وأكثر فعالية من المقاومة العراقية التي استنزفت الاحتلال الأميركي وأرغمته على الرحيل وكانت أضعف من أن تستطيع أن تستولي على الحكم وتقصي القوى والجماعات التي انخرطت في العملية السياسية، ولا سيما الأحزاب والقوى التي اضطهدها نظام الرئيس العراقي صدام حسين وأقصاها عن المشاركة في الحياة السياسية، في حين أنّ حركة طالبان قوية إلى درجة أنه في ظلّ وجود قوات «الناتو» استطاعت الاحتفاظ بالسيطرة على مناطق واسعة من أفغانستان ولم تتمكن كلّ الحملات الجوية والبرية من القضاء عليها.
وبديهي أنه بعد رحيل قوات «الناتو» سوف يختل التوازن لمصلحة طالبان، والأرجح أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الغزو الأميركي لأفغانستان، أيّ أنّ طالبان سوف تستعيد السيطرة على كابول والمناطق التي تنتشر فيها القومية البلوشية، في حين تعود مناطق الشمال إلى سيطرة القوى والجماعات السياسية التي كانت تسيطر على هذه المناطق قبل الغزو الأميركي لأفغانستان. أما احتمال صمود حكومة كابول واحتفاظها بالسيطرة على العاصمة، كما كان حال حكومة نوري المالكي في العراق، فهو احتمال ضعيف للغاية بسبب اختلاف الظروف بين الوضع في العراق والوضع في أفغانستان، وبالتالي فإنّ هزيمة «الناتو» والولايات المتحدة ستكون في أفغانستان أكثر وضوحاً منها في العراق، إذ تستطيع واشنطن الادّعاء بأنها سلّمت مقاليد الأمور في العراق إلى حكومة تعدّدية تضمّ كلّ القوى والأحزاب التي شاركت في العملية السياسية، ولكنها لا تستطيع ادّعاء ذلك في أفغانستان بعد رحيلها وبعد اجتياح طالبان لكابول، وهو الاحتمال المرجح.