في ما يحرّمه الصهيوني على الفلسطينيين ويرتكبه هو

كتب جدعون ليفي في صحيفة «هاآرتس» العبرية أمس:

اكتظ الكنيس بالمصلّين، فقد كان اليوم «يوم الغفران»، وكانوا يطلبون العفو والمغفرة، ويحاسبون أنفسهم. وأشكّ في أنّ أحداً ما منهم لاحظ اللافتة الزرقاء التي نُصبت هناك قرب مدخل دار العبادة، من قبل وزارة الثقافة والرياضة، و«مجلس الحفاظ على المواقع التراثية في إسرائيل» وقرية «رشبون الزراعية»: «وصل مستوطنو رشبون إلى الارض في شباط 1936 وبعد ذلك بشهرين نشبت أحداث تلك السنة واشترى السكان أسلحة للدفاع عن أنفسهم لكن البريطانيين حكام البلاد حذّروا من حيازة السلاح، ولهذا، أُخفي في قبو بُني تحت أسس المبنى العام الاول. وكان في ذلك المبنى موقع استهلاك وعيادة وروضة أطفال، وكان دخول مخزن السلاح السرّي من مراحيض روضة الأطفال».

أمخزن سلاح في روضة أطفال؟ أوَ قبوٍ تحت عيادة؟ أوَ دخول عن طريق مراحيض الروضة؟ يا ويل الأعين التي تقرأ هذا: إن منظمّة «الهاغانا» استعملت سكاناً مدنيين درعاً بشرية استعمالاً مستخفّاً وأخفت سلاحاً في عيادات ورياض أطفال وعرّضت للخطر بذلك غير المقاتلين. والاستنتاج قاطع، وهو أنّ أولاد روضة «رشبون» كانوا مستحقين للموت، وكان من حق البريطانيين إن لم نقل من واجبهم أن يفجّروا هذه الروضة والعيادة الملاصقة لها أيضاً لأنه أُخفي سلاح في قبويهما كما في مستشفى «الشفاء» تماماً، وكما في مدارس وكالة الغوث تماماً التي أصبحت ملجأً للاجئين من أهوال الحرب. وزعمت «إسرائيل» أنّ سلاحاً أُخفي في أقبيتها، ولهذا كان يجوز لها أن تقصفها.

ونقول في المناسبة إن البريطانيين أجروا تفتيشات في «رشبون» ولم يجدوا شيئاً، وهم على كل حال لم يخطر في بالهم أن يفجّروا روضة أطفال لأنها استعملت كمخزن للسلاح.

وليست «رشبون» وحدها، فلم تكن «بلدة يهودية» لم يكن فيها مخزن سلاح في قلب تجمّعات سكانية مدنية. ففي «عين غنيم» أُخفِيَ سلاح داخل كنيس فهل يجوز قصفه؟ وفي «نهلال» تحت منشأة لاستجرار بول الابقار فهل يجوز قصفها؟ وكان مخزن سلاح الدمع في ساحة بيت في حي «بوروخوف في جفعتايم» فهل يُقصف بالمدافع؟ وكان مخزن سلاح مقهى «بيلتس» في «تل أبيب» في مخزن مشروبات فهل يُخرّب؟ . ولم تتخلّف «الايتسل» أيضاً عن مثل ذلك، إذ أنشأت مخزن سلاح تحت «التابوت المقدّس» في «كنيس هحورفاه» في البلدة القديمة في القدس. فهل كان سلاح في كنيس؟ هذه هي سخرية المنظّمات. واستُعملت المدارس مواقع تدريب بل استُعملت ورشات لصنع السلاح، وفي الليإلى أدّى فيها أعضاء «الهاغانا» الشباب يمين الولاء في مراسم عسكرية. وتوجد الآن في شوارع المدن لافتات تذكّر بفخر كيف كانت توجد مخرطة سلاح أو مخزن ذخيرة أو موقع تدريب لأنه هكذا تعمل حركات التحرير ومنظّمات العصابات والإرهاب، أي في وسط السكان المدنيين.

«إسرائيليون» كثيرون يعرفون كلّ ذلك ويعرف مؤرّخون ومتخرّجو المنظّمات الاشارة إلى كل مخزن سلاح، لكن قليلين يتجرّأون على الإشارة إلى التناظر التاريخي. فلم يقم أحد في «إسرائيل» إزاء «الدعاية الإسرائيلية» التي اتهمت حماس باستعمال السكان المدنيين، وإزاء شتّى التسويغات والتعليلات المريبة لقصف المساجد والمدارس والعيادات والملاجئ ـ لأنه أُخفِيَ فيها سلاح فقط ـ لم يقم ليقول: «وماذا فعلت منظّماتنا حينما حاربت حكّام البلاد؟». ففي «إسرائيل» لا تَحِلّ المقارنة بين اليهود والفلسطينيين بأيّ شأن تقريباً. فحماس منظّمة إرهاب، أما «الايتسل» فلا. لكن الحقيقة أنّ الفلسطينيين يواجهون احتلالاً أقسى وأطول، ولهذا فإنّ مقاومتهم أعنف.

تغيّر حكام البلاد منذ كانت أحداث 1936، لكن يُحرّم على بعض سكّانها حيازة السلاح الآن أيضاً. فيجوز لـ«إسرائيل» أن تتسلّح ما شاءت لها نفسها لأنها ليست دولة معتدية، بل تريد فقط أن تدافع عن نفسها، لكن لا يجوز في غزّة حيازة زناد وفي الضفة أيضاً بقدر كبير . ولهذا يجب على الفلسطينيين أن يخفوا سلاحهم المحظور وهم يفعلون ذلك في المساجد والمدارس والعيادات كما فعلت ذلك تماماً «الهاغانا» و«الايتسل». ويكون الدخول عن طريق مراحيض رياض الأطفال كما كانت الحال في «رشبون».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى