«المستوطنة السعيدة» … مسرحية لرفيق عوض ترفض التطبيع
كتب توفيق العيسى من رام الله: يشغل مصطلح التطبيع بمعانيه وتعريفاته الكثيرة حيزاً من المناقشة في الساحة الفلسطينية السياسية والثقافية والشعبية، ويبقى المعنى فضفاضاً يفهمه البعض على هواه، ويفصله آخر مثلما يرغب لأسباب شخصية.
قبل عام تقريباً قدمنا تقريراً يتحدث عن هجمة شنها الناقد وليد أبو بكر على بعض الكتاب الفلسطينيين متهماً اياهم بالتطبيع، ونعاود اليوم فتح هذا الملف مع الروائي د. أحمد رفيق عوض الذي اتهمه أبو بكر بالتطبيع ضمن ندوة لدى رابطة الكتاب الأردنيين تحت عنوان «التطبيع في السرد الفلسطيني» حول مسرحيته الأخيرة «المستوطنة السعيدة»، وتعرضت الندوة لعدد من الكتاب الفلسطينيين بينهم: الروائي رفيق عوض والشاعر غسان زقطان وعلاء حليحل وعبدالرحيم زايد وعلاء مهنا وربعي المدهون.
يقول أبوبكر في محاضرته إن رفيق عوض صرح في مسرحية «المستوطنة السعيدة» عبر مقطع حواري بالقبول والتعاون والعيش المشترك بين ساكن القرية الفلسطيني ومن يسكن الأرض التي سرقها منه، أي قبول الاحتلال ومستوطناته، وتقول الجملة الحوارية في النص المسرحي: «أن نبني خزان ماء يزود القرية والمستوطنة ومشروع دواجن ومناحل مشتركة وبرك سباحة وزراعة غابة على كامل الجبل الذي تقع عليه قريتي والمستوطنة». ويذهب أبو بكر أبعد من ذلك وفق مقال الصحفي الاردني توفيق عابد الذي غطى المحاضرة ليقول: «ومع أن للكاتب نفسه سوابق كتابية كثيرة، وفق أبو بكر، إلا أنه حظي باحتفاء كبير ومفاجئ وتوالت كتابات صحافية تصف العمل بأنه مسرحية مناضلة، وفاجأني الشاعر يوسف عبد العزيز الذي أطلق على النص صفة نضالية ولم يلفت نظره أنه يطرح سؤالاً استنكارياً يقول: أم أن المطلوب هو أن تحتكر الجهات الأمنية الفلسطينية هذا الحق؟ وهو يعني التعاون مع الأمن الإسرائيلي».
في نظرة سريعة إلى ما يكتبه رفيق عوض نجد أن المستوطنة ما هي إلاّ مآل للوضع السياسي والاجتماعي الفلسطيني، وليست من باب وصفها والتغزل بهندسة بنائها. كما ان لا عمل للروائي يخلو من ذكر المستوطنة بأشكال مختلفة بالمآل ذاته.
ففي مسرحية «المستوطنة السعيدة» التي صدرت في عام 2014 يوحى العنوان سخرية مرة من الواقع الذي يعيشه وسيعيشه الفلسطيني نتيجة السياسة «الاسرائيلية» الاحلالية وسكوت العالم عن جرائم «اسرائيل». وما المستوطنة التي لن تكون سعيدة إلا بتدمير واحتلال القرى الفلسطينية سوى قصة نضال الشعب الفلسطيني وتضحياتها.
عودة الى عام 1999 ورواية «آخر القرن» التي صدرت في طبعتها الثانية في عام 2014، فالروائي يذهب فيها الى تحليل الخطاب السياسي الفلسطيني وتفكيكه وتحليل العقل الشعبي الذي كان على عتبات الحلم بالدولة والذي لم يكن يرى في المستوطنات سوى بيوت ستكون لهم عندما تتحقق الدولة ويرحل الاحتلال، فأتت الرواية تحذر من خطورة هذا التفكير وتجعل المستوطنة مآلا لتحطيم هذه الاحلام.
أما في رواية «بلاد البحر» الصادرة في عام 2006 والتي ذهب فيها عبر «منامه» الى عصر الحروب الصليبية وتحرير عكا على يد الاشرف بن قلاوون، فنجد الفلسطيني يفضل العمل أجيراً في مستوطنات الاحتلال على مغادرة أرضه وتحوّله لاجئاً، كشكل من أشكال التمسك بالارض وليس قبول الاحتلال والتعايش معه. وتظهر هذه الصيغة عبر عدة شخوص في الرواية أولها الأشرف بن قلاوون الذي رفض إلاّ أن يثأر من سنوات الاحتلال وأخرج جميع سكان عكا، رغم وساطات التجار للإبقاء على التجار الايطاليين.
في لقائنا مع الروائي أحمد رفيق عوض لم يبد عليه التأثر كثيراً، بل بدا أكثر موضوعية معتبراً أن ما ورد من اتهام يدعو إلى الشفقة وهو مضحك في الوقت نفسه، معتبراً أن من قال هذا الكلام إما لا يفهم ما يقرأ أو أنه حاقد ويرغب في التشويه المتعمد، ما يخرج كلامه من النقد الى التجريح، ويرى أن هذا الاتهام ناقص وقائم على الضغينة، كما يدخل صاحبه في حيز التجريح والتحريض ويدخله أيضا في باب العيب الاخلاقي والوجداني والسياسي. وهو بلا أي دليل حقيقي، فما قرأه عوض، يقول، من مقالة الصحافي الذي كتب عن الأمسية يجد أن المتحدث استخدم جملة واقتطعها من سياق النص المسرحي الذي يبلغ 120 صفحة وأخذ هذه الجملة حجة عليه من دون وضعها في سياقها الموضوعي، بانياً عليها أحقاده وما يحب أن يراه في أحمد رفيق عوض. ويضيف عوض: «المستوطنة السعيدة عمل يرفض العلاقة الطبيعية بين المستوطنة والقرية وهي تنبئ بحالة توحش قادمة وترصد المستجدات على القرية الفلسطينية والمستوطنة «الاسرائيلية». ولا أرى شخصياً أي علاقة محتملة مستقبلاً مع المستوطنة والحل في رأيي هو استئصال المستوطنة. وهذا ما أقوله في ما أكتب وعلى الفضائيات وفي الإعلام عامة.
هذه ليست المرة الأولى يهاجمني فيها أبو بكر، فقبل سنة هاجم رواية «آخر القرن» ووصفها بالتطبيعية، وأعتقد أن أي طفل يتقن القراءة بالعربية يستطيع أن يميز إذا كان ما اكتبه دعوة إلى التطبيع ام لا، وسبق أن هاجمني ايضاً عندما كتبت الصحافة عن ترشيح الشاعر مراد السوداني لي وزيراً للثقافة، وحدث أيضاً في عام 2007 إذ نقل لي بعض الأصدقاء في الشام ما يقوله عني أبو بكر ورفضت يومذاك التعليق على الموضوع. وللمناسبة لا يفهم من اتهامه أنه يقصد التطبيع فحسب، إنما يوحي أنني عميل «إسرائيلي» وهذا تحريض مرفوض تماماً، فليست هناك عمالة تخفى لأن العمالة والجاسوسية مثل السعال والحبل، ظاهرة للناس، لذا عليه ان يرتاح ويحرق هذه الورقة التي يدعيها دائماً. لدي ككاتب ما أفعله، وكتبي تنشر دوماً في أكثر من طبعة في مناطق ودول عديدة، ولو كانت بضاعتي فاسدة لما نشرت بهذه الطريقة، والكتابة عنها من أكثر من كاتب».
مع اصرار أبو بكر على اتهام رفيق عوض بالتطبيع، نجد أن هناك من اتهم عوض بالميول والطروحات الإسلامية، بمعنى الاسلام كدين وثقافة وليس كتيار سياسي. تهمة لا ينفيها عوض إنما يفخر بها، ويرى أن منطلقاته في النهاية إسلامية أيضاً، لذلك يرى أن «هذا ما يثير الضحك والشفقة في ما يقوله الناقد من أني تطبيعي، لذا ادعوه أن يقرأني إذا أراد مرة أخرى وبموضوعية ليجد كل ذلك».
يضيف عوض «أن أبو بكر لو أجرى قراءة شاملة لما يكتب، خاصة كتاب «لغة الحطاب «الاسرائيلي» ودعامة عرش الرب» لوجد أنه أعلن الطلاق الثقافي مع الثقافة والرؤيا والمشروع «الاسرائيلي»، وهو مشروع لا يمكن الالتقاء معه، فهذا المشروع نفسه قابل للانفجار في أي لحظة، وهو مشروع وثقافة مشروخة، وأعيد أني أذهب الى النهايات التي توفرها لي مرجعياتي الاسلامية، فلو قرأ حقاً سيرى تشتتاً قد لا يحتمله، وهذا ضد ما يرغب. يريد أن يبقيني دوماً في صورة المطبع، المتهم بالعمالة. في رأيي أن ليس هناك من هو فوق النقد. المجنون والجثة فقط لا ينتقدان. اذا اراد أن يكتب عني نقداً فليكتب، من دون اتهام وتشويه، ففي ما قاله قدم قطعاً للنص وليس قراءة نقدية. فمن قال عنهم إنهم مطبعون أيضاً غيري هم كتاب نتفق معهم ونختلف ولهم رؤاهم، وللمناسبة هم كتبوا كلاما جميلا خاصة علاء حليحل، واذا كنا ديمقراطيين ومثقفين حقيقيين علينا ان نعترف بأن الآخر القريب الفلسطيني وليس النقيض «الاسرائيلي» – موجود، ووجوده هي علامة صحة وعافية في المجتمع، مثل غسان زقطان الذي حصل مؤخرا على جائزة دولية وعلاء حليحل الكاتب المسرحي وله مبادرات دولية هما علامة عافية في المجتمع وغيرهم كثر. فهل أقصهم من جذرهم باسم النقد لأقول إنهم عملاء ومطبعون؟! هذا النوع من التهجم مسيء ليس للكتاب الذين يتهمهم فحسب، بل للحالة الفلسطينية بمجملها، فعندما يتحدث هو أو غيره بهذه الطريقة وهذا التهجم فإنه يعطي انطباعاً بأن الكتاب الفلسطينيين مطبعون ومستسلمون وهذا مناف للواقع، لم يستسلم أحد منا. فعلى سبيل المثال هل كتب غسان زقطان في روايته « ستائر لعربة قديمة» عن «الاسرائيلي» الانموذج أو تغنى به؟! كلا، بالتأكيد. ما لا يفهمه هو أن كلا منا يمارس فلسطينيته بطريقته. أنا أمارس فلسطينيتي بطريقتي، كذلك غسان زقطان في رام الله وعلاء حليحل في حيفا، فانا لا أعرف هذا الرجل وأعتبره مستفزاً وهو يستفزني بجرأته العالية وأفكاره».
يرى عوض أن اللجوء إلى القانون سيكون آخر ما يمكن فعله، وسيكون آسفاً اذا وصل الأمر الى ذلك، فهذا التحريض كان ذا أثر مدمر في كتّاب كثر، مثل نصر حامد ابو زيد ونجيب محفوظ الذي طعن وفرج فودة الذي قتل بالتحريض.