عين العرب فضحت التحالف وأردوغان؟

د. تركي صقر

تخيل أردوغان أن قرار البرلمان التركي بإطلاق يده بدخول التحالف الدولي واستخدام الجيش التركي خارج الأراضي التركية سيحقق أحلامه بالوصول إلى عمق الأراضي السورية والعراقية في حلب والموصل وضمهما إلى تركيا كمرحلة أولى لقيام السلطنة العثمانية الجديدة التي يحلم بها في المنطقة لكنه وقع في شر أعماله وانقلبت أحلامه وبالاً عليه عندما اشتعلت النيران خلف ظهره واندلعت الاحتجاجات الشعبية في الداخل التركي التي خلفت وراءها حتى الآن عشرات القتلى والجرحى فيما بات الوضع الشعبي الرافض لسياسات حكومة أردوغان وأوغلو مرشح للمزيد من الانفجار والتصعيد واضعاً هذه الحكومة الحاضنة للإرهاب بين نارين حارقتين، النار السورية المشتعلة على الحدود ونار الداخل الملتهبة بقوة.

وبالفعل جاءت معركة عين العرب لتفضح نوايا التحالف الدولي وأردوغان، وتكشف السياسات المبيتة، فالمدينة الحدودية تقاتل منذ شهرين وحدها، وطائرات التحالف التي فعلت المستحيل لحماية أربيل من السقوط لا تحرك ساكناً، والقوات التركية البعيدة عشرات الأمتار تتخذ الإجراءات للتضييق على المقاتلين الأكراد الراغبين بالالتحاق للدفاع عن عين العرب، وتضع تركيا في المفاوضات مع قادة القوات المدافعة عن عين العرب شروطاً للسماح بمرور المقاتلين فقط وليس لتقديم الدعم الناري والعسكري لمنع سقوطها، والشروط مذلة يصعب قبولها من عيار الالتحاق بالقيادة التركية والمشاركة في القتال ضدّ الجيش السوري.

لم يحسب رجب طيب أردوغان أن اتهامات جون بايدن بعد اعتذاره عنها سيليها موقف أميركي معارض لإقامة منطقة عازلة حيث كشف نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال استعراضه سياسة بلاده الخارجية في جامعة هارفارد، بأن آلاف الإرهابيين «وصلوا إلى سورية عبر تركيا» بتواطؤ ودعم الحكومة التركية أثناء توليه وبقي ينصب جل اهتمامه على تسويق خطته لإقامة «منطقة عازلة» أو «آمنة» في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة الموالية له شمال سورية وحتى الحدود التركية العراقية.

وعلى رغم أن الموقف الأميركي الموارب لإقامة منطقة عازلة يشوبه الغموض وقد يتبدل وفق البازار السياسي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلا أنه ما من شك أن أردوغان كان يعول كثيراً على الدعم الأميركي لإقامة منطقة عازلة بسرعة التي كان قد طالب بها منذ بداية الأحداث في سورية، وهو يشعر الآن أن إدارة أوباما خذلته بهذا القرار المتردد إن لم تكن قد وجهت له الصفعة الثانية بعد صفعة جون بايدن الأولى باتهام حكومته بدعم الإرهاب. في حين أنها لم تأخذ بشروط حكومة أردوغان للانضمام إلى التحالف واعتمدت على السعودية وجرجرت تركيا أذيالها لاتخاذ قرار بدخول التحالف مرغمة.

لقد كان من ضمن السيناريوات المتوقعة التي عملت عليها حكومة أردوغان أوغلو أن يقوم الجيش التركي باسترداد عين العرب من «داعش» بعد سقوطها من يد الأكراد ليد «داعش»، بمسرحية عسكرية تشبه مسرحية خطف الرهائن الأتراك والإفراج عنهم من قبل «داعش» ويكون ذلك بداية لتنفيذ المنطقة العازلة ولكن حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر التركي فجاء الموقف الأميركي ليزيد من ارتياب حكومة حزب العدالة اليوم من أهداف الأميركيين بالعودة إلى الشرق الأوسط وكأنهم يريدون تغيير المعادلة لا سيما إن فاز الأكراد في حربهم ضد «داعش» فسوف يقتربون من مطالبتهم بكردستان الكبرى الموقف الأميركي المعارض لإقامة منطقة عازلة التي تسعى إليها حكومة أردوغان إذا كان صادقاً ربما يحشرها في الزاوية ويبدد حلم أردوغان العثماني بتوسيع إمبراطوريته الذي ما انفك يراوده منذ بداية الأزمة في سورية وقبلها واشتغل كثيراً على تمهيد سبل تحقيقه لكنه اصطدم بصمود سورية وحلفائها الذين أحبطوا كل مسعى لاستخدام الحظر الجوي فوق جزء من أراضيها أو اللجوء إلى مبررات الضربات الجوية كما في «صفقة الكيماوي» حتى قدّم «داعش» الذي نما وترعرع تحت أنظار سيده التركي المسوغات العملية للحلم الأردوغاني.

فضحت عين العرب لعبة أردوغان وتعرت على حقيقتها أمام الجميع بمن فيهم حلفاؤه، فلو كان صادقاً في محاربة الإرهاب لما شجع داعش على اجتياح مئات القرى في منطقة عين العرب ولا منع دخول المقاتلين للدفاع عن مدينة عين العرب المحاصرة بنيران «داعش» منذ أكثر من شهر لكن التناغم والتقاطع بينه وبين «داعش» لا يخفى على أحد، واستخدامه التنظيم الإرهابي لسرقة النفط السوري والعراقي وسرقة مصانع حلب ونقلها إلى تركيا مثبت بالأدلة القاطعة.

بعد أن فتح حدوده لتسلل الإرهاب العابر للقارات نحو سورية وسمن «داعش» وشقيقاته يقوم أردوغان بلعبة خطيرة ودور قذر حيث اتفق مع وفد عسكري أميركي على فتح أراضيه لتدريب وإعداد جيش مما تسميه واشنطن المعارضة السورية المعتدلة يضم بضعة آلاف من المرتزقة بتمويل سعودي يكون جاهزاً للتدخل في سورية في اللحظة التي تراها الإدارة الأميركية مناسبة.

لا ريب أن المشكلة تكمن في عقلية أردوغان السلجوقية الذي يحلم ويعتقد بأنه قادر على تمرير مخطط أطماعه مستفيداً من حاجة التحالف الدولي لموقع بلاده الجيوسياسي بالنسبة لسورية متجاهلاً أنه بمجرد تفكيره في زج تركيا بحرب ضد سورية بدأ الغليان الشعبي في الداخل التركي يتصاعد مما سيضع على الفور أردوغان ومستقبله السياسي على صفيح ساخن يحرق أحلامه المريضة. فالجميع داخل تركيا وخارجها يعلمون أن التدخل البري للجيش التركي سيلاقي رداً صاعقاً من سورية وحلفائها باعتباره عدواناً سافراً كما وصفه الجانب الإيراني، والروسي وهو مغامرة حمقاء غير محسوبة النتائج قد تؤدي إلى حرب إقليمية في المنطقة سيكون أردوغان وحزبه أول الخاسرين فيها والمحترقين بلهيبها والدافعين لثمنها داخلياً وخارجياً.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى