ترامب يعلن الموقف الأميركي من التقسيم
روزانا رمّال
أخيراً، رُفع علم العراق فوق مبنى محافظة كركوك وتقدّمت القوات العراقية بشكل كبير في المحافظة وكل شيء بات أوضح لجهة حسم مصير المدينة وأمنها، وعلى ما يبدو لن تتراجع القوات العسكرية العراقية عن كل ما من شأنه إسقاط حلم الدولة الكردية المستقلة. وهو الأمر الذي أعلن عنه مسبقاً في كافة المناسبات التي أطل فيها مسؤولون عراقيون جهاراً وآخرون سراً في غرف السياسة والدبلوماسية في الدولة.
هاجس التقسيم الذي يجتاح العراقيين منذ اجتياح الجيش الأميركي للعراق وسقوط نظام الرئيس صدام حسين لا يزال يراود الذين فشلوا في ذلك في اوج الدخول الأميركي الذي كان محطة رئيسية في تعظيم نفوذ الكرد في العراق في محافظات معروفة لدى الأميركيين كنقطة ارتكاز بقيت واقعة ضمن حماية غير مسبوقة، إضافة الى ازدهار وتطور اقتصادي لا يختلف اثنان على كونه قطع شوطاً بالمقارنة مع غيره من مناطق الدول العراقية. أبرز هذه النقاط «اربيل» التي فتحت مجالاً جدياً أمام الحديث عن استعداد كردي للعمل بشكل مكثف مع كل مَن يمكنه أن يوصلهم الى الدولة الحلم «كردستان».
تؤكد الأحداث المتوالية على المنطقة ان التحضيرات التي خضعت لها المناطق الكردية والتي شكلت بكينونتها دولة بكل متطلباتها الحيوية واللوجستية هي سلفا معدة من اجل التمرير التدريجي لفكرة بمتفرعين اثنين: الاول سيطرة هاجس التقسيم على العراق وعلى الجوار بما يعني عدم قدرة العراق على الحديث عن تماسك أمني أو وحدة اراضيه بالشكل الذي سعى إليه أهله بعد حلم تغيير النظام الفاسد، حسب وصفهم أي نظام البعث العراقي.
ثانياً: تحضير المنطقة لفكرة تقطيع أوصال الكيانات وربطها بمعابر مؤلفة من طوائف أو مذاهب او إثنيات او اصول محددة تشكلت عبرها دول واقاليم ملتصقة ببعضها البعض قابلة للانفجار في اي لحظة او الاشتباك بينها. وهي بكل الاحوال غاية «اسرائيلية» بديهية تسمح بتمرير التهويد الذي استغرق سنوات بدوره لتقديمه كخيار «اسرائيلي» امام المجتمع الدولي اولاً، وامام دعم مباشر من الإدارة الأميركية مثل موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب إثر انتخابه ووعوده بنقل السفارة الأميركية الى القدس ودعمه التهويد. وهي مرحلة اشتد فيها الفلسطينيون في انتفاضات غزت الشوارع الفلسطينية بالاراضي المحتلة منذ أشهر قليلة مع استفزازت «اسرائيلية» متكررة.
الموقف الأميركي «الاسرائيلي» المشترك وما تمثله القناعة بضرورة إعلان القدس عاصمة لدولة يهودية هو غاية مستمرة بوعود لا تتوقف من الادارة الأميركية والعاملين سراً لخدمة «اسرائيل» في لوبيات دولية ليس فقط داخل واشنطن، انما كافة المحافل الدولية وكواليسها، حيث تتكشف الايادي «الاسرائيلية» في اختيار برامج انتخابية لرؤساء أوروبيين ومناهج سياسية مدعومة من جهات ملتصقة التصاقاً شديداً ببعضها البعض ككتلة مالية واقتصادية ضخمة تؤيد المشروع «الاسرائيلي» ككل. وعلى هذا الأساس الحديث عن استفتاء كردستان لجهة اعتباره محطة باءت بالفشل، قد يكون مرحلياً صحيحاً، لكنه على المدى البعيد ملف جاهز جدا للاشتعال من جديد، اضافة الى ان العناصر لم تكتمل بعد لإغلاقه والاطمئنان الى فشل مشروع «الدولة»، او بالحد الأدنى القلق الذي تشكله مثل هذه الطموحات على استقرار الدولة العراقية المركزية.
يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم بشكل صريح وبالغ الخطورة بأن بلاده او «واشنطن لا تساند أي جهة في الصراع بين الأكراد و بغداد «، في حين كان من المفترض ان يحسم ترامب ولاءه لفكرة العراق الموحّد بدون الإبقاء على الصيغة الرمادية التي تبدو في ظاهرها موقفاً من العمليات العسكرية القائمة في كركوك اليوم بين الاكراد والقوات العراقية، الا انها في باطنها موقف غير مباشر من الصخب الكردي المشتعل برمّته بين الدولة والحرب والمجموعات المسلحة .
الولايات المتحدة الأميركية التي تدرك اهمية كركوك تدرك ايضاً موقعها الاستراتيجي لجهة الثروة النفطية في تلك المنطقة وفي وقت وقعت المحافظة بيد داعش لم يكن القلق الأميركي كبيراً خصوصاً ان السيطرة على داعش بقنوات الاستخبارات الأميركية ممكنة. وهي قادرة على حماية انابيب النفط بما يصبّ في مصالح الشركات الأميركية والغربية. وبالتالي فإن الموقف من تقسيم المنطقة تلك ورمادية الموقف الأميركي يحمل شيئاً من كل شيء ما بين السياسة والإنتاج النفطي. وتُضاف اليها الضغوط التي تعيشها المنطقة برمتها في مرحلة ما قبل الاستثمار السياسي لإنجازات الجيشين العراقي والسوري في المنطقة.
الحسم السياسي الذي باتت تجمع على اقترابه القوى الدولية العاملة على خط الأزمتين السورية والعراقية هي نفسها القوى التي تسعى إلى كسب أكبر قدر ممكن من النقاط والمكتسبات التي لن تعود فرصتها بوقت قريب. وعلى هذا الأساس فإن تزخيم الضغوط على العراق ودول الجوار يبدو في الأشهر المقبلة في أوجه والمواقف الأميركية المتشنجة حيال إيران والرمادية حيال الحكومة العراقية، والمريبة حيال دعم موقف موحّد تجاه مسألة التقسيم هو الموقف المتوقع من المحطة المقبلة قبل أن تبدأ الولايات المتحدة الأميركية بابتلاع فكرة فشل مشروع التكفير في كل من العراق وسورية كبديل يؤدي للتقسيم المحتم، بعد أن فشلت في ذلك إبان اسقاطها للنظام العراقي السابق.