قاموع الهرمل يقبع في نسيانه بخزينة أسرار مَن يوقف التعدّيات على معالمنا السائبة؟
شهرة مدينة الهرمل عديدة المقوّمات، من عاصيها إلى مناخها إلى بياراتها الحافلة بأطايب الثمار إلى آثارها البكر التي ما زال معظمها مختوماً على أسراره كـ«قاموع الهرمل». ومن تسميتها «الهرمل» تنتسب إلى الجذر الآرامي القديم، ويعني هرم الإله أو «هيروم» المشتقة من الكلمة الإغريقية اليونانية «أروما»، وتعني «طيب الله» أي الرائحة الذكية أو واحة الصيادين، لكثرة الحيوانات في محيطها.
قاموع الهرمل تتعدّد الروايات في تاريخه وتكثر التكهنات عنه، ولا يُعرف بدقة زمن تشييده، لكن بعضهم يرجّح أنه قد يعود إلى عهد الحكام الرومان. ومن المرويات الشعبية يتناقل الأهالي رواية أن ابن أحد ملوك الفرس صرعه خنزير بري خلال رحلة صيد، وتكريماً لذكراه، تم تشييد ضريح عند أعلى نقطة من سهل الهرمل، بأمر من والده الملك، أو حيث قضى ابنه صريعاً، حسبما يقول العارفون في ترجمة ما تبقى من نقوش ظاهرة على الجهات الأربع من نصب القاموع. وهي رسوم منقوشة ترمز الى معركة شرسة دارت بين الفتى الصريع والخنزير، وهناك رواية ثانية تشير إلى أن النصب تمّ فوق قبر ملك روماني كان يُدعى هرمليوس .
ويقبع القاموع وحيداً فوق مرتفع بسيط من الأرض يجلعه مرئياً من مختلف مناطق البقاع الشمالي وسط أرض سهلية قاحلة، فيبدو للزائر بوضوح كلي، يُضاف اليه أن فرنسا خلال انتدابها على لبنان عام 1927 أمرت بفتح القاموع لعلمها أنه يضمّ كنوزاً وأمتعة وأسلحة فارسية. وحيث لم يتم تأكيد صحة هذه الرواية، ما إذا كان نجح الفرنسيون أم لا، فإن علماء آثار فرنسيين عام 1931 رمموا الزاوية التي تمت محاولة النفاذ منها بالهدم وهي من الجهة الجنوبية – الغربية من القاموع، مستخدمين حجارة بازلت بركانية سوداء تبدو مختلفة عن حجارته الكلسية القديمة.
قاموع شاهق من 3 طبقات
هرم القاموع يرتفع 26 متراً عن سطح الأرض، بكتلة واحدة بلا أي باب أو نافذة، ويتشكل من أربعة أقسام من الرخام الأسود. أسفلها قاعدة بارتفاع 1,40 متر، وترتفع فوقها ثلاثة طوابق: سفلي مربع الشكل ارتفاعه 7,80 متر مزّين بنقوش وكل جهة فيه مرصعة بأعمدة بارزة، ووسطي مربع ارتفاعه 7,20 متر، زيّنت جهاته بأربعة أعمدة متناسقة بارتفاع 0,60 متر، وعلوي هرمي ارتفاعه 9,60 متر، مزيّن بلوحات فنية محفورة على جدرانه. وتمثل بعض النقوش صوراً ووجوهاً لملوك، كما بعضها يرمز الى مشاهد صيد الخنازير البرية والغزلان، بوجود احد الدببة الذي يحمي صغاره. لكن المشاهد المنقوشة على الهرم تخلو من صيادين، فتمت الاستعاضة عنهم بعدة الصيد من رماح وأقواس وعصي حديدية وكلاب، وغيرها.. بقيت غامضة المعنى كالقاموع نفسه بلا تفسير علمي حاسم.
بُعد القاموع عن السكان سمح للكثير من محبي العزلة من الشبان للاختلاء ناحيته بسياراتهم وترك رسائل غرامهم أسفل البنيان شاهدة لوعة العاطفة. وإذ تشكل هذه الرسائل حالة تعبير ذاتي، فهي وجه من وجوه التسيب الذي يصيب القاموع فيشوّهه. ويبقى القاموع ملجأ الهراملة الشعبي السياحي والطبيعي والتاريخي.
وربما تمركز القاموع وحيداً في أعلى التلة قرب بركان خامد يبقى مسألة مثيرة. فيبقى فورانه المفاجئ ممكناً. فمتى يثور ويحرق ما حوله حيث لا يكون فرار منه؟
وحيث ظلّ عرضة للتعديات والتشويه بقي مرذولاً من خطط أية جهة رسمية، سوى من لافتة وزارة السياحة المهملة تماماً، وكذلك من خطط أية بلدية أو جهة تنموية ليتحوّل متنزهاً راقياً يحفل بالخدمات السياحية الجاذبة. فيتم ترميمه وتنظيفه وتتحلق حوله الحدائق والمطاعم والاستراحات لتفي البقاع المحروم جزءاً من حاجته السياحية والاقتصادية.
هنا قاموع الهرمل قبل تشويهه وبعد التشويه اللعين بأيدٍ جانية. تحرسه لافتة الوزارة اليتيمة مثله من الاهتمام الوطني المتوازن لافتة يتيمة ويخلو من أي سياج أو حراسة بلدية أو شرطية تليق به معلماً خالد من عصور تالدة..
فهل «المسؤولون» يسمعون الصرخة قبل أن يتهدّد قاموع الهرمل بالزوال؟