جلسة لموازنة مستهلّكة… وبورصة مواجهات
هتاف دهام
إنجاز سيدخل التاريخ! لقد وضعت موازنة العام 2017 على السكة التشريعية يوم أمس في أول جلسة من جلسات مناقشتها تمهيداً لإقرارها، لا سيما أن آخر موازنة أقرّت كانت في العام 2005 أي منذ 12 عاماً.
قفز البرلمان فوق قطع الحساب لإقرار موازنة عام شارف على الانتهاء، وصُرفت غالبية وارداتها، بدلاً من أن يكون بصدد مناقشة موازنة العام 2018.
ولأن جلسات المناقشة يتم نقلها على الهواء، فمن الطبيعي أن يتبارى بعض أصحاب السعادة طائفياً ومذهبياً لتجييش الشارع. فلبنان مقبل على انتخابات نيابية في أيار المقبل. حضرت الزكزكات الانتخابية. لكنها لم تنجح في توتير الأجواء أو إضفاء الحيوية على جلسة كانت أكثر من مملّة بالنسبة للنواب أنفسهم، وربما لرئيس الحكومة سعد الحريري الذي أمضى كسواه، معظم الوقت خارج القاعة.
لقد تظهّرت أمس، أكثر فأكثر الخلافات داخل تيار المستقبل. لا يعرف رئيس الحكومة من أين يتلقى الضربات. عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت أطلق النار جهاراً ضد حزب الله في أول جلسة من جلسات مناقشة الموازنة. هذا الاسلوب هو عِدة التحضير للانتخابات النيابية، بحسب زملائه. تحدّث فتفت عن أن «وجود سلاح خارج الدولة في إشارته إلى سلاح حزب الله لا يمكن أن يؤمّن استعادة الثقة»، وتطرّق إلى «ما أسماه محاولات لزج لبنان في الوحول السورية الإيرانية، وكل يوم يخترعون حجة جديدة وصولاً لأزمة النازحين». وسأل: «ما مصلحة لبنان من الهجوم على دول الخليج وتحديداً السعودية؟ ما مصلحة اللبنانيين العاملين في دول الخليج؟».
في الشكل، هاجم فتفت حزب الله وسلاحه. لكنه في حقيقة الأمر استهدف رئيسَ الحكومة سعد الحريري، عندما قال إن «الطائفة السنية تشعر أنها مستهدفة وبحال إحباط»، واستهدف حليفَ رئيس تياره السياسي، الوزير جبران باسيل من دون أن يسمّيه، بتشديده على أنه «لا يجوز العودة إلى ما سمعناه أخيراً عن عودة القبور ونبش عظام الموتى، والكلام العنصري يؤذي»، مؤكداً أن «استعادة الثقة بالدولة تتطلب استعادة المؤسسات، وبدلاً من ذلك يتم التعرّض لمجلس الخدمة المدنية الذي لم يعترض على قراراته يوماً وعلى إدائه»، غامزاً من قنوات الذين فازوا في امتحانات مجلس الخدمة المدنية ولم يلتحقوا بمراكزهم لاعتبارات الوزير باسيل الطائفية، كما يردّد فتفت ونواب المستقبل مراراً.
وبمعزل عن احتدام الاشتباك السياسي ضد البيت المستقبلي واعتراض النائب الشمالي على ما قاله الوزير العوني من سوق الغرب. فإنّ حزب الله قرر الترفع عن كل ما أدلى به النائب فتفت. لم ينزلق النائب علي فياض إلى سجال مع نائب الضنية، الذي يريد، بحسب نائب الوفاء للمقاومة، إرباك البيئة السياسية الداخلية، منوّهاً ضمنياً ومن دون أن يسميه برئيس الحكومة سعد الحريري الذي ينحو منحى التهدئة.
وعلى مقلب القوات – التيار الوطني الحر فحدِّث ولا حرج. قلوب مصالحة معراب المليانة انفجرت. «أوعا خيك» سقط في هاوية الحسابات السياسية. بدأ نائب البترون الحالي انطوان زهرا برشق مرشح الساحل الوزير باسيل الاتهامات من دون أن يسميه. وكذلك فعل نائب الشوف جورج عدوان. فمصالحة الجبل عند القواتيين خط أحمر. لن يُسمح لأحد أياً كان المسّ بها. فانتقد النائب انطوان زهرا «نبش قبور التاريخ»، وقال: «مشروع المسيحيين هو الدولة وليس حقنا في الدولة، والإنماء المتوازن لا يعني المحاصصة». وأكد زهرا أن «المسؤولية وطنية، والحرص على كرامة لبنان بألا نصل حدّ المغامرة بعنصريتنا. مستقبلنا لا يمكن أن يبنى على العدائيات والانعزالية المذهبية، وأن نناقش مقدرات الدولة باسم المذهب. اذا كنا نفكر كذلك، فنحن ننحر الوطن وننتحر». كذلك فعل النائب عدوان مشدداً على أننا نتشبث بمصالحة الجبل، ونؤكد عليها، وسنكرسها أكثر فأكثر، فاستقرار الجبل من استقرار لبنان.
وأمام هذه الحملة «المنظمة» على رئيس التيار الوطني الحر، كما أسماها النواب البرتقاليون، أكد نائب قضاء بعبدا حكمت ديب»أن «المصالحة قائمة ويجب تمتينها، لكن لدينا هاجس تثبيت أبناء الجبل في أرضهم»، معتبراً أنه «من الخطر أن يزايد البعض أننا نكشنا الجراح ونبشنا القبور».
وإذا كان الانسجام في الهجوم على التيار الوطني الحر سيّد الموقف عند التيار الأزرق والقوات، فإن التباين بينهما كان واضحاً حيال الموقف من حزب الله. وكان لافتاً تأكيد عدوان أن «هناك خلافاً سياسياً مع الزملاء في حزب الله، حيال التدخل في الأزمة السورية والسلاح»، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن مواقف القوى السياسية كلها معروفة. من هنا وجبت علينا المحافظة على الاستقرار في ظل ما يجري من حولنا، وعدم استنفار العصبيات عشية الانتخابات النيابية، فهناك بلد يجب ان يبقى بعد الانتخابات.
رغم كل ما تقدّم، يمكن القول إن مناخ الجلسة العامة أمس، الصباحية والمسائية لم يكن صاخباً وحاداً. ويمكن القول أيضاً إن الموازنة سيتم إقرارها من دون تعديلات جوهرية. لقد تلا رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان التقرير النهائي للجنة، مشيراً إلى انه «كان بإمكان اللجنة إجراء المزيد من التعديلات لو وصلها المشروع في الوقت الدستوري الملائم». وأوضح أنه «بنتيجة الإجراءات التي اعتمدتها لجنة المال انخفضت الواردات الاستثنائية التي تمثل عجز الموازنة من 7.289.156.323.000 ليرة إلى 6.284.692.872.000 ليرة، أي بقيمة 1.004.463.451.000 ليرة».
وشملت التخفيضات، بحسب كنعان خفض مبلغ 10.000.000.000 ليرة من جراء إلغاء قانون برنامج لشراء باصات لسكك الحديد والنقل المشترك، على أن يقدّم قانون برنامج بموجب قانون خاص ومستقلّ عن مشروع الموازنة في العام 2018.
– خفض المساهمات والمساعدات لغير القطاع العام، بالقيم الباقية للحجز من اعتمادات العام 2017 وتبلغ 191.168.552.000 مليار ليرة للمساهمات، و207.275.000.000 ليرة للمساعدات، على أن يصار إلى دراسة هذه المساهمات والمساعدات في مشروع موازنة العام 2018 من قبل لجنة المال والموازنة، لاتخاذ القرار المناسب بشأنها، وبالتالي تحديد المنفعة والفائدة المرتجاة من كل مساهمة ومساعدة مهما بلغت قيمتها، ومدى أهميتها لكل مستفيد، لأن هذه النفقات تشكل نزفاً يجب إيقافه.
– خفض مبلغ 600.000.000.000 ليرة من الاعتمادات المخصصة للاحتياطيات، والبالغة 1.388.042.437.000 ليرة.
– خفض نفقات مشروع الموازنة الملحقة للاتصالات بقيمة 151.500.000.000 ليرة من نفقات الأجزاء الثلاثة. وقد أضيف مبلغ الخفض إلى مخصصات الخزينة من وفر موازنة الاتصالات الملحقة، مما رفع قيمة هذه المخصصات من 1.784,5 مليار ليرة إلى أكثر من 1.936 مليار ليرة.
ودعا الرئيس نجيب ميقاتي المجلس النيابي إلى اتخاذ خطوات جريئة وإلى إلزام الحكومة بخفض العجز بالنسبة إلى الناتج المحلي، من دون المساس باحتياط الذهب في مصرف لبنان وإلى تفعيل دور أجهزة الرقابة. وأمل أن نناقش موازنة العام 2018 قبل انتهاء هذا العقد، كما تنص المادة 83 من الدستور.
ولفت ميقاتي إلى أن الموازنة التي نناقشها صرف أغلب اعتماداتها، والافضل ان نناقش المقاربات الاقتصادية. وكنا نتمنى لو انعكست مقاربة وزير المال ومقاربة رئيس لجنة المال بشكل أفضل على مشروع الموازنة لناحية المنهجية والأرقام ونوعية الإنفاق. فالموازنة التي بين أيدينا هي مجرد أرقام، في حين أن الموازنة بشكل عام ليست فقط موضوع هندسة أرقام بين الواردات والنفقات، بل سياسة اقتصادية اجتماعية إنمائية من ثوابتها: تحفيز النمو، تنويع وتوسيع شرائح الاقتصاد، توفير فرص عمل، وإنشاء مشاريع لتحديث البنى التحتية. إن الموازنة التي نناقشها اليوم تفتقر إلى هذه الأهداف كلها. فهي عبارة عن مشروع محاسبي من دون تحديد مكامن الهدر والخلل والفساد أو تحديد اولويات إصلاحية واجب تنفيذها تنظيمياً وإدارياً ورقابياً.
أما النائب فياض، فأشّر في كلمته إلى مواطن خلل من الصعب تجاوزها. إذ إن نفقات الموازنة تضمّنت 1200 مليار لتمويل السلسلة، في حين أن الكلفة الفعلية تقتصر على 4 أشهر من العام 2017، مما يعني أن المبلغ المطلوب لن يتجاوز 350 ملياراً. وهذا يخفض النفقات مبلغ 850 ملياراً. كذلك تحدّث فياض بلغة التساؤل عن أرباح المصارف في ما يتعلق بالهندسة المالية التي تقارب 800 مليون دولار مترتبة للخزينة على المصارف، وهل أدرجت هذه المستحقات في موازنة العام 2017. فهذان المبلغان يوفران ما لا يقل عن 2000 مليار في تقرير إيرادات الموازنة وتغيير وضعيتها.
واذا كانت هاتان الملاحظتان تمثلان نقداً جوهريان لموازنة العام 2017 ولوزارة المال، فإن ملاحظة ثالثة أضيفت إلى ما أدلى به فياض، لكن على لسان النائب عدوان الذي اعتبر أن مصرف لبنان لم يدفع المستحقات للخزينة لمدة 20 عاماً، بيد أنه من المفترض أن يُدخل مليار دولار سنوياً، قائلاً الواردات من مصرف لبنان هي 61 مليار ليرة، نحن لدينا 27 الف مليار سندات خزينة، وبالتالي المصرف مجبر على دفع مليار دولار لخزينة الدولة من أرباحه على السندات، لكن للأسف لا توجد رقابة أو محاسبة، لأن مصرف لبنان لديه علاقات أكبر من أن يتخطّاها أحد. موقف عدوان أحدث هزة وبلبلة داخل القاعة العامة وخارجها لما له من انعكاسات اقتصادية. فسارع الرئيس بري إلى الطلب بتشكيل لجنة تحقيق خلال 48 ساعة. ولهذه الغاية عقدت اجتماعات جانبية بين الرئيس بري ورئيس الحكومة، وبين الرئيس فؤاد السنيورة ووزير المال، وبين النائب كنعان والنائب عدوان الذي شارك في الاجتماعات السابقة كلها. كما تجاور كنعان ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد للغاية نفسها.
وبانتظار أن يردّ خليل على ما ورد في كلمة عدوان خلال تقديمه التقرير في نهاية جلسات الموازنة، أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنه لم تمضِ سنة من السنوات الـ20 التي تحدّث عنها النائب عدوان ولم يُقدم المصرف المركزي على قطع الحساب السنوي والتقدّم به إلى وزارة المال ودفع ما يتوجب عليه أن يدفعه ضمن القانون، مشيراً إلى أن مصرف لبنان خلال الفترة التي تحدث عنها النائب عدوان حوّل إلى الخزينة 4 مليارات و500 مليون دولار وزاد أمواله الخاصة من 60 مليون دولار إلى 3 مليارات دولار.
وشدد النائب ياسين جابر على أن «الموازنة أُنفقت من دون أن تنتظر إقرار الإنفاق في المجلس النيابي، لكنها مهمة من أجل العودة إلى الانتظام المالي العام. ولهذه الموازنة اهمية كخطوة أولى لعودة لبنان إلى الانتظام المالي العام»، مؤكداً ان «قطع الحساب أمر مهم وفرض دستوري، لكن ما نسعى إليه اليوم هو وقف الفلتان»، داعياً «لتحضير قطع حساب نهائي للسنوات الماضية كلها».
وكان المجلس جدّد قبل البدء في مناقشة مشروع الموازنة العامة، لهيئة مكتبه وأعضاء ورؤساء اللجان ومقرريها، ولم يحصل أي تغيير باستثناء حلول النائب إيلي عون، بدلاً من النائب خالد زهرمان في لجنة الشباب والرياضة نظراً لوجود زهرمان في لجنتين أُخريين.