«البناء» تنشر الأدلة الكاملة على جرم الخيانة والتعامل مع العدو الصهيوني 1

اعتدال صادق شومان

يُسجّل أن البعض يقرأ التاريخ ولا يستخلص منه الدروس والعبر، والبعض يقرأ التاريخ ولا يستوعبه، وهناك مَن لا يقرأ التاريخ أصلاً، على اعتبار أنّ التاريخ يبدأ من هذا البعض وينتهي إليه… معصيتهم أنهم يعيشون أوهامهم وفق أسانيدهم الواهية يتلونها بلغة مريبة فاجرة تصحّ تسميتها بلا مغالاة خطاب الخيانة.. فاعذرهم أيّها التاريخ!

وإنّ هذا البعض ذاته، يظنّ أنه يستطيع أن يلوي عنق الحقيقة ويُغاير الحقائق التاريخية، ويعرض صورة معكوسة تماماً للواقع حتى وصل بهم الزيف والادّعاء والأفك أن يقوموا بخلط الأسماء والمسمّيات لتزيين الصورة وتغييب واقع الحقيقة والتاريخ!! خاصة إذا كانت القضية تجريم المقاومة والادّعاء عليها والمطالبة بمحاكمتها.. وينصبون لها المكائد والدسائس علّهم يفلحون!

عند هذا الحدّ تكون الصلافة وصلت بهؤلاء حدَّ التهتك الذي يتماثل مع فعل الخيانة العظمى..

لحقائق التاريخ قوة الثبات والقول الفصل

الحقيقة التي مضى عليها خمسة وثلاثون عاماً وفق التقويم الزمني للمقاومة، كما حفظها التاريخ ويرويها بدأت في:

5 حزيران 1982: جيش العدو «الإسرائيلي» يغزو لبنان بالتعاون والتحالف السياسي والتنفيذ الميداني مع «القوات اللبنانية» وحلفائها، بقيادة بشير الجميّل.. أمر أكده وبالأدلة الثبوتية وجاهر به الجميّل شخصياً إلى جانب أعوانه الذين شهدوا له بفصاحة أمثال الياس ربابي وجوزف أبو خليل وجوني عبده وأخيراً جورج فريحة وغيرهم من «أصحاب الفضل».. كما أفشاه «الإسرائيليون» أنفسهم.

على وقع هذا الغزو، اجتيحت ودمّرت بلدات وقرى وأحياء بأكملها من الجنوب والجبل والضاحية وصولاً إلى بيروت العاصمة التي حوصرت براً وجواً وبحراً، وأقفلت معابرها ومنع عنها الدواء والغذاء إمعاناً بإذلالها بأمر من «القوات اللبنانية» والجيش «الإسرائيلي» الذي باتت تربطه مع «القوات» إلى جانب الخيانة علاقة صداقة وأواصر عائلية انخرطت بها عائلة كاملة فحلّ أركان العدو على موائدهم العامرة و»بيوتهم المفتوحة» مكرّمين مبجّلين، لا يردّ لهم أمر أو «صينية كبة» تحضّرها شخصياً «السيدة الأولى».

ولكونهم أركان قيادة واحدة… اقتضى منهم «الواجب الوطني» أن يترافقوا لتفقد سير العمليات العسكرية في المناطق «المحرّرة» ما يسمّى «وزير الدفاع» آرييل شارون وقائد عملية الغزو أوري لوبراني برفقة «الرئيس المنتخب» قائد القوات بشير الجميّل.. وحتماً كعائلة منسجمة تصافحوا، تعانقوا، وحرصوا على أن يلتقطوا الصور الحميمة.. التي لما تزل راسخة في الذاكرة.

22آب 1982: «أنتُخب» النجم الصاعد و»الرمز الوطني» بشير الجميّل على وقع دبابات «جيش الدفاع الإسرائيلي» التي كانت تطوّق ثكنة الجيش في الفياضية بـ»أكثرية نيابية» رئيساً للجمهورية، بكونه المؤتمن على السيادة الوطنية وحامي الحرية والاستقلال وكرامة الإنسان وحقوقه، حريصاً على «الوفاقي» «الوطني» الراغب ببناء الدولة الحديثة، مخلّصاً لبنان من «الاحتلال الفلسطيني»… المتربّي على مقولة «الله، الوطن، العائلة» وفي سيرته الذاتية قائد ميداني خاض «معركة توحيد البندقية المسيحية» ومن أجلها خاض المجازر في الصفرا، وإهدن، مشرعاً المجازر ومذهب الخطف والذبح على الهوية، والكثير من حكايا لم ترو بعد عن مجازر السبت الأسود وجسر الباشا وتل الزعتر وضبيه، مناطق مسحت عن وجه الأرض على وقع الاحتفالات فوق أكوام الجثث في مشهد بثته مختلف وسائل الإعلام في العالم.

1 4 أيلول1982 : إزاء هذا التمادي غير المتناهي للغطرسة الصهيونية بمساعدة قوى التآمر المتمثلة بشخص بشير الجميّل، وقد صار «رئيساً» بات من الواجب «التصرّف» خشية من أن تصبح الخيانة وجهة نظر في استسهال العمالة والتصدّي لمحاولات العدو «الإسرائيلي» باختراق المجتمع اللبناني العسكري والسياسي والاجتماعي، وللوقوف بوجه هذا النزق الكبير لكلّ مَن تسوّل له شياطينه بالتفريط في حقوقنا الوطنية أو سيادتنا على أرضنا، انسجاماً مع هذا الواجب الوطني بتصفية رموز الاحتلال كأمر يقع على عاتق أيّ مواطن وبلاده ترزح تحت الاحتلال انطلق الأمين حبيب الشرتوني متحمّلاً هذه المسؤولية وأعلن «أني نفّذت حكم الشعب بحق الخائن بشير الجميّل، وأنا لستُ نادماً على ذلك، بل على العكس إذا أتى مرة أخرى فسوف أقتله»، معتبراّ أنّ الانتخابات ملغاة بأسباب «لاغية»، لأنها إملاء بإرادة الاحتلال وتحت الحراب «الإسرائيلية» ـ القواتية معاً. وإنّ تحقق شرعية الشكل لا يلغي الطعن بشرعية المضمون. ولا يبطل جرم الخيانة العظمى أكانت نصراً سياسياً يتمّ استحصاله على هامش التواطؤ للطغيان وتحكّم القوة العسكرية الغالبة إلى حين، أو أيّ شكل من أشكال الخيانة، ويعظم جرمها وإثمها بعظم ما يترتّب على البلاد من ضرر وأذى يلحق بأمن الوطن وبمعنوياته الوطنية..

في المنحى الوطني.. حبيب الشرتوني المعتقل في أقبية «العائلة» المتسلّطة على الدولة، وأضحى «الحبيب» رمزاً واسمه مرادفاً لأسماء كبار المقاومين، وقد أسقط رأس حربة الاحتلال بُعيد «انتخابه» معلناً بزوغ عصر جديد من زمن الانتصارات، هو عصر المقاومة الوطنية ضدّ الجيش الذي «كان لا يُقهَر» بوقائع مالت فيها دفة التحرير على وطأة الاحتلال…

في سياق الفعل.. هزم الأمين حبيب الشرتوني هذا «المحور» وغيّر مجرى التاريخ وثبّت منطق المقاومة رافعاً شعارها ومعلناً بداية ردّ للتحدي، مفتتحاً عهد البطولة الشعبية الواعية المؤمنة بحتمية الانتصار، وبفضله جرت تحوّلات لاحقة ساهمت في مجملها في صياغة توازنات لم تشهدها المنطقة في أيّ حقبة زمنية في تاريخ الصراع العربي – «الإسرائيلي»، ألغيت بموجبها كلّ مفاعيل الاحتلال المتمثلة «باتفاق العار» 17 أيار الذي يكفل أمن «الحدود» الجنوبية مع كيان العدو «الإسرائيلي» الذي جاء انعكاساً لذاك الخلل الذي ساد يومذاك النظام السياسي اللبناني المهترئ.. وقد كسرت عملية 14 أيلول شوكة هذا المشروع وكانت الإسفين الأول الذي دقّ في نعشه مسقطاً إمكانية استقلال المسار اللبناني تجاه كيان «إسرائيل»، مصوّباً البوصلة باتجاه وحدة المسارين السوري واللبناني في الصراع مع «إسرائيل».

ميدانياً.. تاريخ 14 أيلول 1982… باعتباره الانطلاقة الفعلية لجبهة المقاومة الوطنية في رفضها التخلي عن سيادتها المبرمة لسيادة دولة محتلة، تمكّن الأمين حبيب الشرتوني في14 أيلول فعلياً من نقل المقاومة من سمة الحلم الى سدة المسار، ومن الفكرة إلى المشروع المتكامل، جاعلاً من الزمن، زمن المقاومة المبنية على مبدأ التحرير بعيداً عن ردود الفعل العشوائية.. وهنا مكمن فعاليتها وقوتها وانتصاراتها، لا اتفاقيات السلام بكلّ أشكالها، ولا مقرّرات مجلس الأمن والاستنكارات الدولية، بل وحدهم المقاومون يغيّرون المعادلة، وقد غيّروها…

ومن رصيد عملية14 أيلول كونها شكلت الرافعة المعنوية للمقاومين انطلقت في 24 أيلول رصاصات «الخالد» علوان على رصيف الويمبي يوم رفضت بيروت المطوقة من جيش العدو و»قواته اللبنانية» رفع الرايات البيض، ليرفع الجيش «الإسرائيلي» بمكبرات الصوت استغاثته «لا تطلقوا النار إننا راحلون».

ومن وهج 14 أيلول 1982، انهال فيض «العمليات النوعية» والبطولات والأسماء وسيل الشهداء مع أحمد قصير ونزيه قبرصلي وبلال فحص لتخطّ المقاومة نمطاً جديداً من عمليات استشهادية حاسمة، طلائع انطلاقتها مع وجدي الصايغ وسناء محيدلي ومريم فخر الدين وابتسام حرب ولولا عبود ووفاء نورالدين… وتجلّت إرادة الصمود والتحدي في معتقلي الخيام وأنصار يوم جاء التحرير المدوي في 25 أيار العام 2000 والمقاومة بأبهى حلتها.. وسموّ انتصاراتها، وما فَتِئَ رجالها يجدّدون العهد والوعد والنصر قِيَاماً وَقُعُوداً إلى ما بعد وبعد الـ 10452 كلم2..

اليوم بعد مضيّ 35 عاماً على تولي الأمين حبيب الشرتوني باسم الشعب اللبناني تعطيل المشروع «الإسرائيلي» في القضاء على «بشير الجميّل أمل إسرائيل الكبير، ورجلها القوي في لبنان»، معيداً للدولة هيبتها وكرامتها التي هدرها «الرئيس المنتخَب» على باب قصرها الجمهوري ومجلسها النيابي.

ليأتي ذاك البعض ما غيرهم من زمن الردّة والانحطاط تقودهم أوهامهم وفي ظنّهم قلب المعايير والموازين والمفاهيم في المساواة بين الخيانة السافرة والمقاومة الشريفة، وتغييب الذاكرة وتزوير التاريخ والعقل والضمير بنية طمس المشهد الذي احتلّ خشبة الاحداث بين 1975 و1982 وما سبقَ ولحقَ من مآسٍ وكوارث ومقابر جماعية ودماء، ومئات آلاف من المفقودين مجهولي المصير، وأكثر من مئة ألف قتيل أنتجتهم هذه الحرب، ومن هذه المجازر بعض دم لم يجفّ في صبرا وشاتيلا المجزرة التي صنّفت ضمن أقسى وأبشع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في نتاجها «الإسرائيلي» القواتي ومن لفّ لفّهم من كائنات الخيانة.

ولما يزل مرتكبوها والمنظرون لها «أحراراً» يسرحون ويمرحون بل يجاهرون بخيانتهم ويصدرون كتب الذلّ «مذكرات» تمجّد بل تتوق الى أحضان العدو وأفعاله التي يسمّونها «بطولة» بأقوال تجافي المنطق ويعوزها الشرف.. إصدارات بحدّ ذاتها تعتبر إخباراً أمنياً، لدى دولة لبنانية تقيم وزناً للشرف والوطنية، يستوجب على النيابة العامة استصدار مذكرات الجلب ومحاكمتهم على ما يتضمّن إقراراً فاضحاً بالعمالة على اعتبارها جرماً يعاقب عليه القانون اللبناني:

– بالمادة 273 التي تقول «كلّ لبناني حمل السلاح على لبنان في صفوف العدو عوقب بالإعدام.

– وبالمادة 274 التي تخضع: كلّ لبناني دسّ الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتّصل بها ليدفعها إلى مباشرة العدوان على لبنان أو ليوفر لها الوسائل إلى ذلك عوقب بالأشغال الشاقة المؤبّدة. وإذا أفضى فعله إلى نتيجة عوقب بالإعدام.

بل ندعو إلى إنشاء محكمة عدل دولية خاصة تعيد فتح التحقيق بجرائم بشير الجميّل وأركان حربه لكونها جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية على غرار محاكمة ميلوسوفيتش بسبب جرائمه في البوسنة والهرسك.

فقط… في لبنان!

غير أنّ هؤلاء، وللمفارقة المارقة، يتمتعون بقانون عفو شامل وهذا فقط يحصل في لبنان، غفل وتهاون مع محاكمة مرتكبي «الخيانة العظمى» المتلبسة بالجرم المشهود. يقرّون برئيسٍ وصمته الخيانة فوق رؤوسهم ورؤوسِ أجيالهم ورؤوس عزّتهم الشخصية والعائلية والوطنية؟! كأنّ فعل الخيانة هو البصمة الوراثية والعلامة الفارقة في مسيرتهم، حتى صحّ القول فيهم مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ، تساندهم منابر أجهزة إعلام ماكرة يطلون منها تجعل من بشير الجميّل رمزاً وطنيّاً يُفتخر به، بلغة فصيحة تلوكها الخيانة ليضحي عندها مصطلح الاحتلال بديلاً لمصطلح التحرير..

لقد صدقوا.. وهم على توهّم.. أنّ هذه المعادلة الخاطئة التي تضع رموز الخيانة على قمة الهرم الوطني، بينما قامات المقاومة والوطنيون مطلوبة «إدانتها» على ارتكابها فعل البطولة المؤيدة بصحة العقيدة! وغاب عنهم أنّ المقاومة اليوم هي من تفكّك شبكات التجسّس وتسوق العملاء الى قعر السجون.

كما فاتَهم… أنّ نهج المقاومة انتصر، وأنه أعاد الاعتبار للثوابت والأولويات الوطنية والقومية… وصار لبنان «ذا وجه مقاوم» صريح، ملامحه من ملامح الوطن وتاريخه يكتب بمداد الشهداء.. وهذا التاريخ لا يرحم.. يسمّي الأمور بأسمائها، الخيانة وصمة، وكلّ خائن يوصم بخيانته..

إنّه إصرار التاريخ، في دأبه بوصم الخونة والمضيّ في توبيخهم إلى الأبد.. لعنة للأجيال مدى القرون والأزمنة.

وفي الأعراف لهم منزلة منزوعة الشيم.

ليست هذه المقدمة الطويلة في قلب صفحات الحرب التي أدانها الشعب اللبناني ورفض ذرائعها هي تمهيد لكتاب أصدرته عمدة القضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي بعنوان «للحقيقة والتاريخ»، من أجل الحفاظ على ذاكرة التاريخ كي لا تغيب في غياهب الباطل في زمن اختلطت فيه المفاهيم.

يطرح فيه موقف الحزب من مجمل الأحداث والقضايا التي واكبت ونتجت عن تلك المرحلة الخطيرة من تاريخ لبنان، مذكّراً بعناوين طرحت في الحرب وتبدو بعضها قضايا راهنة، مفنداً الأسباب الشرعية والقانونية التي أدّت إلى تنفيذ الأمين حبيب الشرتوني حكم المادتين /274/ و/275/ وسواهما من قانون العقوبات اللبناني في ظلّ غياب وانحلال مؤسّسات الدولة اللبنانية زمنذاك، وسيطرة بشير الجميّل وأعوانه عليها، وبتفويض حكمي من المجتمع. فمارس الشرتوني بالتالي، بكلّ جرأة، بصفته مواطناً، حقه بالدفاع عن مصلحة الوطن والشعب. وقد علّل الحزب الغاية من نشره الكتاب في هذا التوقيت تحديداً في مقدّمة الكتاب التي جاء فيها أنه: استحضارٌ كثيفٌ لعناوين طُرحت في الحرب أو في عشيّاتها وتبدو اليوم… ويا للمفارقة، ما زالت قضايا راهنة.

مقدمة

إنّ الغاية من هذا الكتيّب بالتأكيد ليست إحياءً لذاكرة الحرب الأهلية الأليمة التي عصفت بلبنان والتي كان كلّ لبناني يأمل أن تُطوى بكاملها بموجب اتفاق الطائف، إلا انّ قانون العفو الصادر بتاريخ 26/8/1991 تحت الرقم /84/، وبالرغم من كون القانون المذكور أعفى في مادته الثانية عفواً كاملاً عن الجرائم السياسية أو التي لها طابع سياسي، الا انه استثنى في المادة /3/ من أحكامه الجرائم المحالة على المجلس العدلي قبل تاريخ نفاذه، وجرائم اغتيال القادة السياسيين، والتي ما زال بعضٌ منها قيد النظر، بالرغم من مرور أكثر من ربع قرن على صدوره.

إنّ الأمر المذكور يحمل اللبنانيين من دون إرادة منهم إلى مناقشة تلك الحقبة ومفاعيلها وهو أمر كان من الممكن تفاديه لو تمّ طيّ صفحة الحرب بآلامها ومآسيها كلهما.

وما يدفعنا أيضاً إلى مناقشة واقعة معينة هو أنّ أيّ فعل من أيّ نوع كان لا يمكن إخراجه من سياقه الواقعي وتسلسل الأحداث التاريخي، وما رافقه من ويل وجروح وإذلال للبنانيين وصولاً إلى اجتياح العدو «الإسرائيلي» للبنان بتحريض ودعم ومساعدة فئة من اللبنانيين واحتلال عاصمته وتدمير اقتصاده وبنيته التحتية وقتل الآلاف من أبناء شعبه بطرائق مختلفة وفقدان العديد منهم.

وهو فعلٌ مرّ عليه حوالي خمسة وثلاثين عاماً وعدد كبير من اللبنانيين لم يعايشوا تلك المرحلة، إضافة إلى كون البعض لم يضطلع على الوقائع الحقيقية للأفعال الحاصلة.

مؤخراً أعاد المجلس العدلي تحريك ملف محاكمة الأمين حبيب الشرتوني عن فعله الذي أدى إلى مصرع بشير الجميل. إن تحريك الملف نضعه في إطار عمل المجلس العدلي القضائي البحتّ لملف محال أمامه، وبالرغم من حساسية الملف المتضمّن فعل مقاومة صرفاً بوجه المتعاملين مع العدو فقد انبرى بعض المعنيين مطالبين بتحقيق العدالة، ومعاقبة المؤيّدين لفعل المقاومة ومحاكمتهم.

نعم لا بدّ من تحقيق العدالة، هذه العدالة التي من حيث ندري أو لا ندري تضع في ميزانها فعلين لا يمكن بأي حال من الأحوال المساواة بينهما، أي فعل مقاومة العدو «الإسرائيلي» وجرم التعامل معه منذ ردحٍ طويلٍ من الزمن وتشجيعه ومعاونة قواته على احتلال لبنان وإذلال شعبه ووضع اليد على الدولة اللبنانية بدءاً من رأس الهرم أي رئاسة الجمهورية حتى آخره من قبل عدو الأمة التاريخي.

الفصل الأول: لمحة عن المطامع والاعتداءات والمجازر «الإسرائيلية» بحق لبنان واللبنانيين

تعود فكرة احتلال لبنان في عقيدة العدو «الإسرائيلي» إلى ما قبل تأسيس كيان الاغتصاب اليهودي على أرض فلسطين.

ففي الخريطة المقدمة إلى مؤتمر السلام في «فرساي» عام 1919، من قبل المنظمة الصهيونية العالمية، كان جنوب لبنان ضمن هذه الخريطة حتى نهر الليطاني أي ضمن المناطق التي يطالب بها العدو «الإسرائيلي» لتكون ضمن كيانه المنشأ احتلالاً على أرض فلسطين .

كما أن النيات العدوانية «الإسرائيلية» تجاه لبنان واضحة وقديمة، وقد كشف عنها «دافيد بن غوريون» في يومياته، حيث كتب في 21 أيار 1948: «إن نقطة الضعف في الائتلاف العربي هي لبنان، فالتفوق العددي للمسلمين هناك غير فعّال، ويمكن تغييره بسهولة، ولا بدّ من إقامة دولة مسيحية هناك، حيث الحدود الجنوبية عند نهر الليطاني». كتاب ميكائيل زوهار عن بن غوريون النبي المسلح ».

كذلك نجد أن الجنوب اللبناني كان هدفاً لـ»الإسرائيليين» في مذكرات «موشي شاريت»، حين كان رئيساً للوزراء عام 1955، وكان «بيغن» الإرهابي وزيراً للدفاع آنذاك و«موشي دايان» رئيساً للأركان.

البحث عن ضابط مسيحي عميل

لقد جاء في مذكرات شاريت ص 216 أن «دايان» قال له:

«كل ما نحتاجه في لبنان هو العثور على ضابط مسيحي حتى لو كان برتبة كابتن، وعلينا أن نكسبه إلى صفنا. وعليه أن يقدّم نفسه على أنه منقذ للموارنة، وحينئذٍ يمكن لقوات «إسرائيل» أن تدخل لبنان، وأن تسيطر على الأراضي الضرورية، وأن تقيم حكومة مسيحية تصبح حليفة لـ«إسرائيل» ويمكن ضمّ القطاع الذي يقع جنوبي نهر الليطاني كلية إليها».

كما أن جميع الحروب التي شنها العدو «الإسرائيلي» على لبنان في الأعوام 1978، 1982، 1993، 1996، تثبت أن لذلك العدو أطماعاً تاريخية في لبنان.

ولا يُخفى على أحد ما ارتكبه ذلك العدو من مجازر بحق اللبنانيين ابتدأت في عام 1948 بمجزرة «مسجد صلحا» الجنوبية، إلى مجزرة حولا في العام 1949، ومجزرة حانين عام 1967، ومجزرة «يارين» عام 1974، ومجزرة عيترون عام 1975، ومجزرة بنت جبيل 1976، ومجزرة الأوزاعي عام 1978، ومجزرة راشيا عام 1978، ومجزرة كونين عام 1978، ومجزرة عدلون عام 1978، ومجزرة الخيام عام 1978، ومجزرة العباسية عام 1978، ومجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، ومجزرة سحمر عام 1984، ومجزرة بئر العبد عام 1985، ومجزرة إقليم التفاح عام 1985، ومجزرة جباع ودير الزهراني عام 1994، ومجزرة النبطية الفوقا عام 1996، ومجزرتي قانا الأولى وقانا الثانية 1996 و2006.

إضافة إلى الانتهاك المستمر للمجال الجوي اللبناني وأعمال التجسس المستمرة.

فهذا غيض من فيض ويثبت بشكل واضح وأكيد استباحة أرض لبنان ودماء اللبنانيين من قبل هذا العدو الغاصب الذي لا يعرف سوى لغة الحديد والنار.

الفصل الثاني: لبنان الطائفي وسيرة موجزة عن دور الكتائب وبشير الجميّل

ولد لبنان من رحم اتفاقية «سايكس بيكو» عام 1916 التي قسمت سورية الطبيعية إلى كيانات من ضمنها لبنان المؤلف من طوائف تتقاسم السلطة بينها على هذا الأساس، مما جعله فاقداً الهوية الوطنية الجامعة التي لا أسس متينة لها، تتحكّم به فسيفساء من العائلات الروحية المرتبطة مباشرة بمراجعها الروحية في الداخل والخارج، والزعامات الطائفية والإقطاعية تتقاسم السلطة وتحقق مصالحها الذاتية على حساب مصلحة الشعب والوطن.

فالنظام الطائفي المسخ في لبنان منتج للأزمات التي أشعلت الحرب الاهلية فيه. وهذا النظام الطائفي كان حزب الكتائب عصبه الأساسي الذي سعى جاهداً إلى تكريس زعامة العائلة آل الجميل وعلى التحكّم بمفاصل الحكم الطائفي في لبنان فاتخذت من «إسرائيل» عدّو لبنان حضناً وملاذاً. وكان هذا الحزب يسعى دائماً إلى أحادية القرار المسيحي بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة وفور اندلاع الحرب في لبنان نتيجة سياسة هذا الحزب القائمة على ان قوة لبنان في ضعفه حتى لمع نجم «بشير الجميل» الابن الثاني لبيار الجميّل، مؤسس حزب الكتائب الذي اعتمد حتى داخل بيئته وسائل البطش وسفك دماء اللبنانيين وخاصة المسيحيين من أبناء طائفته المنافسين لزعامته والمناهضين لمشروعه السياسي التفتيتي التقسيمي. وكان جنوح هذا الأخير نحو السلطة الأحادية المطلقة بدون رادع مما جعله أداة تآمرية على لبنان. وهذا ما حمل أبرز قادة الموارنة وفي مقدّمهم العميد ريمون إده إلى الامتناع حتى عن اللقاء ببشير.

ريمون إده يرفض اللقاء بالعملاء

«لقد أكد العميد ريمون إده بأنه يرفض اللقاء مع بشير الجميّل وغيره من العملاء الذين التقوا باليهود». صحيفة «البناء» العدد 293 تاريخ 27/9/1977. والأحداث الدامية المبنية على حقائق ثابتة تثبت كلّ ما تقدّم والتي نوثقها ببعض الوقائع والمراجع:

من المجازر التي ارتكبها بشير الجميّل وحزب الكتائب:

– السبت الأسود تل الزعتر ضبيه وجسر الباشا.

– مجزرة عينطورة التي ارتكبها أفراد من حزب الكتائب في أواخر آذار عام 1976 بأمر مباشر من أمين الجميّل رئيس إقليم المتن الشمالي الكتائبي، وقضى فيها 21 قومياً اجتماعياً.

– 13 حزيران 1978 اغتيال طوني فرنجية وزوجته فيرا وابنته جيهان داخل قصره في إهدن.

بعد سنوات أسرّ أحد أفراد المجموعة المنفّذة للاغتيال إلى صديق له أنّ الجميّل قال لمجموعة الهجوم إنّ هدفه اختفاء طوني فرنجية. كتاب حرب الألف سنة، الطبعة الأولى، عام 1984، لجوناثان راندل، ص 103 .

– في 7 تموز عام 1980 هاجمت قوات بشير الجميّل ثكنات الشمعونيين والمرافئ والمكاتب ومواقع حزب الوطنيين الأحرار وقتلت ميليشيا بشير عدداً من المارّة الأبرياء. وكان المهاجمون فخورين يطلقون الرصاص، كيفما اتفق.

وأكد داني شمعون أنّ رجال بشير قتلوا خمسمئة شخص أكثرهم من المدنيين الأبرياء. كتاب حرب الألف سنة، الطبعة الأولى، عام 1984، لجوناثان راندل، ص 110 .

– في نهاية عام 1981 استغلّ بشير سفر شقيقه أمين إلى أوروبا ونزع سلاح ميليشياه الخاصة في المتن.

كتاب حرب الألف سنة، الطبعة الاولى، عام 1984، لجوناثان راندل، ص 102 .

الفصل الثالث: علاقة آل الجميّل مع «إسرائيل» وانعكاساتها على وحدة لبنان

العلاقة التاريخية التي ربطت الكتائب والإسرائيليين خلال أربعينيات القرن الماضي، حين لم يكن هناك أيّ خطر يُذكر ضدّ لبنان أو حتى الكتائب، ولم يكن هناك أيّ وجود سوري أو غيره يوجب الاعتماد على «إسرائيل» للوقوف في وجهه. من هنا كان لا بدّ من العودة إلى ما ذكر في كتاب «ديبلوماسية إسرائيل السرية في لبنان» لكيرستين شولتز، الباحثة والأستاذة في كلية لندن للعلوم السياسية والتي استندت في إعداده، إلى رسائل متداولة بين مسؤولين «إسرائيليين» من جهة وبين مسؤولين لبنانيين من جهة أخرى، ومستندات وكتب من بينها «إسرائيل والكتائب اللبنانية: ولادة علاقة 1948- 1951» للكاتب والمؤرخ الإسرائيلي بيني موريس.

تعود شولتز بشواهدها إلى العام 1948، مستندة إلى وثائق تشير إلى أن مدير القسم السياسي في وزارة الخارجية «الإسرائيلية» روفن شيلواح، نقل عن مصدر موثوق أكد في تقرير له «إن إسرائيل لا يمكنها أن تربح إلا من مساعدة طموح الكتائب لتحرير نفسها من العروبة»، حيث أشار أيضاً إلى أنه شجع الياس ربابي ممثل حزب الكتائب في حينها وساعده مالياً. في العام نفسه كان يُحكى عن أن الكتائب قد دخلت في علاقات «إسرائيلية» – لبنانية غير رسمية. واستمرت الاتصالات مع «إسرائيل» وجرى أول اتصال إسرائيلي كتائبي مباشر في خريف 1948، حين التقى ربابي في باريس برافر آرازي ممثلاً المخابرات الإسرائيلية ، وكما سيتبيّن لاحقاً فقد كوّن المسؤولان «الإسرائيليان» عن ربابي انطباعاً جيداً جداً، وقدّما له قرضاً وحثّا وزارة الخارجية على القيام بعمليات متابعة، وأرفقا ذلك باقتراح موازنة لهذا الغرض.

في العام 1950 فتحت المساعدات الخارجية السبيل أمام «إسرائيل» للدخول في السياسة اللبنانية الداخلية، وكان الياس ربابي خلال بعثته الثانية إلى الولايات المتحدة قد تقدّم من المنظمة الصهيونية في أميركا بطلب تمويل حملة الكتائب الانتخابية في الانتخابات النيابية عام 1951، وقد جرى تحويل هذا الطلب إلى الدائرة السياسية في وزارة الخارجية وإلى موشي شاريت في تشرين الثاني 1950.

وقد أوردت شولاميت شوارتس عضو مجلس الطوارئ الأميركي الصهيوني في مذكرة بعنوان: زيارة وفد حزب الكتائب اللبنانية مؤرخة في 20 تشرين الثاني 1950 رقم 16/2408 من أوراق وزارة الخارجية «الإسرائيلية» على لسان الياس ربابي قوله: إننا نريد تحقيق السلام وإرساء قواعد اقتصادية مع إسرائيل، إن الدولة الوحيدة التي نستطيع أن نحيا معها بصداقة وثقة هي دولة إسرائيل».

الكتائب تطلب الدعم من العدو «الإسرائيلي»

– في العام 1975 طلبت القوى المسيحية الكتائب من تل أبيب المساعدة في الحرب الاهلية التي كانت تعصف بالبلد، رئيس الوزراء في حينه، اسحاق رابين، استجاب للطلب، وعلى مدى الأعوام التي سبقت الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان عام 82 بلغت قيمة المساعدات «الإسرائيلية» 118 مليون دولار، إضافة إلى تدريب نحو 1300 عنصر من الكتائب في قواعد خاصة داخل «إسرائيل».

وقد كتب عاموس غلبوع، رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً، في صحيفة «معاريف» أنه في الأشهر الأولى من عام 1976، وبينما كانت الحرب الأهلية في لبنان في أوجها، وصلت للمرة الأولى إلى البلاد بشكل مفاجئ، عن طريق البحر، البعثة الأولى من عناصر الكتائب.

ويتابع أن عناصر المجموعة توسّلوا «إسرائيل» لمساعدتهم من خلال تزويدهم بالسلاح. بعد ذلك بأيام عدة، وفي ساعات بعد الظهر، أبحرت سفينة «دبور» من ميناء حيفا، وكانت وجهتها ميناء جونيه.

وكان على متن السفينة، إلى جانب طاقم سلاح البحرية، أحد كبار المسؤولين في الموساد في حينه، وبمعيته بنيامين بن إليعازر، وكان الهدف مقابلة قائد الكتائب في حينه بشير الجميل.

ويضيف «في سنوات السبعينيات والثمانينيات، سنوات الحرب الأهلية، ودخول الجيش السوري إلى لبنان في أعقابها، وحرب لبنان الأولى 1982 ، واتفاق السلام البائس في أيار/مايو 1983، كانت عائلة الجميل من العائلات المعروفة في لبنان، وشكّلت الركيزة الأساسية للمعسكر المسيحي، الذي يقف في وسط الطائفة المارونية.

ويعود إلى السفينة، التي أبحرت باتجاه الشمال. فيقول إنها مرّت على بيروت المشتعلة وتوقفت في ميناء جونية. وفي الظلام الدامس اقتربت سفينة صغيرة من الدبور، ونزل منها إثنان وتسلّقا سلم السفينة. حيث جلسوا جميعاً في غرفة الطعام الصغيرة بشكل مزدحم. دخل الإثنان، وكان أحدهم يرتدي البزة العسكرية، وصافحنا وسط مفاجأتنا، حيث كنا نتوقع أن نلتقي بشير الجميل.

وبادر أحدهم إلى القول باللغة الإنجليزية «أنا أمين الجميل، عضو البرلمان».

وكانت خيبة أمل طاقم «الدبور» كبيرة، فهو النجل البكر لبيار الجميل، وليس من ضمن المقاتلين في الحزب، وكان من الصعب فهم مواقفه.

وبعكس أمين كان بشير الجميّل رجلاً حميمياً وقاسي القلب في الوقت نفسه، وذا شخصية كاريزمية بشكل غير عادي. وقد قابلته في مطبخ سفينة الصواريخ قبالة شواطئ جونيه، بعد فترة قصيرة من لقاء شقيقه أمين».

كانوا أربعة لبنانيين، بشير وحارسه الشخصي وأمين سره، وداني شمعون، نجل كميل شمعون.

ومنذ ذلك الحين التقينا مرات كثيرة على متن السفينة في ميناء جونية، وفي باريس وتل أبيب أيضاً. وفي إحدى المرات، وبعد اجتماع مع عيزر فايتسمان، وزير الأمن في حينه، جلسنا نتناول الغداء في أحد مطاعم هرتسليا، بعد ذلك سافرنا إلى حيفا، ومن هناك على متن سفينة الصواريخ توجّهنا شمالاً نحو لبنان.

الفلسطينيون «الكارثة الكبرى»

«وقفنا وحدنا على متن السفينة، ومع هبوط المساء، بدأت تبتعد جبال الكرمل عن أعيننا رويداً رويداً. وعندها بادر بشير إلى الحديث، بلهجة تختلف عما سمعتها منه في عدد لا يُحصى من المرات. وقال إن الفلسطينيين هم الكارثة الكبرى التي حلّت بلبنان، وإنه يخشى السوريين كثيراً، وإنه يجب على إسرائيل «معالجتهم».

وتوجّه بشير إلى غلبوع بالقول: «أنت خبير في التاريخ اللبناني، ما رأيك بالعودة إلى لبنان الصغير، لبنان ما قبل 1920، إلى لبنان ذي الغالبية المسيحية والأقلية الدرزية؟ ما رأيك بالتنازل عن البقاع، وعن جنوب لبنان وعن طرابلس؟

ويقول غلبوع: «لقد فوجئت.. لبنان هذه الأيام، لبنان الكبير، أنشأه الفرنسيون في العام 1920 وضمّوا إليه شمال لبنان والبقاع وجنوب لبنان»…

«في هذه الأثناء كان الظلام قد هبط، وتجاوزنا مدينة صور، بينما كان بشير يفكّر بالإمكانيات المختلفة لمستقبل لبنان.. في حين كنت ألتزم الصمت.

من كتاب «كرة الثلج» للمراسل السياسي للإذاعة «الإسرائيلية» شيمون شيفر.

في كانون الثاني 1982 اتجهت الطائرة شرقاً وبدأ الملاحون البحث عن نقطة الهبوط على مقربة من جونية. ممثلو «الموساد» العاملون مع الكتائب هم الذين نظموا اللقاء. لقد أبلغوا بشير الجميّل فقط بأنّ شخصيات «إسرائيلية» رسمية رفيعة المستوى على وشك الوصول إلى جونية. «عرفت أنك ستجيء وحسناً فعلت. لقد كنا في انتظارك!». بهذه الكلمات استقبل بشير الجميّل أرييل شارون لدى نزوله من الطائرة المروحية. كانت منطقة الهبوط بالقرب من محطة توليد الطاقة في مدينة جونية، وفي نقطة أعدّت في الوقت الملائم وتعانق الجميّل وشارون بحرارة، وبعد كلمات المجاملة وتقديم المستشارين من كلا الجانبين، توجّهت المجموعة إلى قافلة السيارات الفخمة التي كانت تنتظر قرب المدرج الموقت الذي كان مطوّقاً من جنود الكتائب المدجّجين بالسلاح. إنّ قلة في «إسرائيل» تعرف بأنه في تلك اللحظات خلق الأساس لحرب لبنان، أو لما أطلق عليه في البداية اسم عملية «سلامة الجليل».

وفي الليلة المذكورة، يورد الكاتب بأنّ بشير الجميّل استهلّ الكلام بـ «الإعراب باسمه وباسم أبيه بيار الجميّل والرئيس السابق كميل شمعون وقادة المسيحيين عن عميق شكره لزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال شارون، الشخص الذي تحترمه الكتائب إنْ لماضيه كقائد عسكري، أو لآرائه المعروفة عن ميزة التعاون بين الجيش الإسرائيلي والمسيحيين في لبنان». ويشير شيفر في مورد آخر، إلى أنّ نقطة المراقبة التي اختيرت لشارون كانت على سطح مبنى كبير في حيّ الأشرفية «في جزء يسيطر عليه المسيحيون. وراقب شارون المدينة بصمت بواسطة منظار نُصب خصيصاً لتكريم الضيوف من «إسرائيل». كان مركزاً تفكيره، يواصل عملية تخطيط تفاصيل المسارات العسكرية في رأسه للمستقبل. لقد تحوّلت بيروت عند شارون إلى مجرد هدف آخر ينبغي التخطيط له. لكن هذه المرة لم يقف إلى جانبه ضباط أركان «إسرائيليون» فحسب، بل أيضاً لبنانيون.

كريم بقرادوني، الرئيس السابق لحزب «الكتائب» والمواكب عن قرب لتفاصيل تلك المرحلة يؤكد: «نعم في العام 1982 كان هناك صراع مفتوح ضدّ قوى المقاومة، وكان التحالف الثلاثي بين القوات اللبنانية والكتائب وحزب الأحرار ضدّ هذا الخيار. هم من الأساس ضدّ المقاومة، وكانوا يراهنون على الاجتياح الإسرائيلي للبنان». ويصف حالة هذا الفريق في تلك المرحلة «بحالة ضياع البوصلة واليأس والتخبّط».

الفصل الرابع: بشير و«الإسرائيليون»

في العام 1982 زار شارون سراً بيروت والتقى بشير الجميّل وقيادة القوات، وعندما عاد أبلغ المسؤولين «الإسرائيليين» «لقد ربطت أرجلهم وكلّ شيء جاهز من أجل الحرب وهم سيكونون شركاءنا فيها».

– وفي جلسة حكومة العدو «الإسرائيلي» في 15 حزيران التي نوقش خلالها احتلال الجزء الغربي من بيروت أوضح بيغن بأن هذه المهمة ستلقى على القوات اللبنانية. وفي جلسة ثانية بعد يومين قال شارون للوزراء «اذا تطلب الأمر الدخول إلى بيروت فإنّ من سيدخل أمامنا وخلفنا ويطهّر المدينة هم القوات اللبنانية».

ملحق جريدة يديعوت احرونوت بمناسبة مرور 30 سنة على حرب لبنان .

– بشير الجميّل المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية سبق له وأكد لـ»الاسرائيليين» أنه يضمن فوزه في الانتخابات، وكان يدرك بينه وبين نفسه انه بدون الدعم «الإسرائيلي» يستحيل ذلك.

فاتكال بشير على «إسرائيل» جاء من يقينه أنها ستمارس ضغوطاً قوية على نواب المناطق الخاضعة لسيطرتها.

المرجع: «لبنان أخطر وأطول حروب إسرائيل»، زئيف شيف ايهود يعاري يعقوب تيميرمان، ص 177 .

– بعد أيام خلوتُ ببشير فأطلعني على مضمون اجتماع مهمّ جرى مع آرييل شارون في بيروت، خلال شهر كانون الثاني عام 1982 في بيت بشير في الأشرفية. كتاب: لعنة وطن، كريم بقرادوني، ص 48 .

من المؤكد أنّ بشير يؤيد الصلح و»السلام» مع «إسرائيل»، لكنه يرغب أولاً بتطبيع واقعي وميداني للعلاقات بين البلدين على أن يُصار إلى ترجمة ذلك بنص تشريعي.

بشير لبيغن: أريد أن أعود رئيساً ومستعدّ لدفع الثمن

– في 23 حزيران 1982، هبطت مروحية عسكرية في القدس، وخرج منها بشير مع مستشاريه الأقربين. انتقل الجميع في سيارة مصفحة إلى مقرّ رئيس الحكومة، حيث كان بيغن في استقبالهم في الطابق الأول. بادر بشير إلى الإطراء على بيغن، قائلاً: «لقد أعطتنا حكومتك ما لم تعطنا إياه أية حكومة أخرى. لقد أعطيتمونا الفرصة لتحقيق أحلامنا».

«صحيح»، أجاب بيغن. «إنها فرصة تاريخية بالنسبة إليكم، ونحن سوف نساعدكم على الوصول إلى الاستقلال الكامل. في نهاية الحرب سوف يجري تتويجك رئيساً للبنان، وستأتي إلى القدس مثل أنور السادات، ونوقّع اتفاقية سلام».

«تحدّث بشير عن قدرة قواته المحدودة، وعن حاجتها إلى مساعدة إسرائيلية». أجابه بيغن: «سوف نساعدكم. ساعدونا فقط في حصارنا لبيروت». في ختام اللقاء أعرب الجميّل عن موافقته على الدخول إلى بيروت الغربية في 28 حزيران… إلا أن ذلك لم يحصل. محمد بدير، عن ملحق صحيفة يديعوت احرونوت، لمناسبة مرور ثلاثين عاماً على حرب لبنان الاولى .

أياً كانت العملية تستوجب أن نظهر علناً أننا مشاركون في عمل عسكري، فأنا مستعد لذلك اجاب بشير: اذا كان يجب دفع الثمن فأنا مستعدّ لدفعه.

آلان مينارغ، أسرار حرب لبنان، الطبعة الثانية، ص 269 .

– أريد أن أعود إلى هنا كرئيس للجمهورية وليس كزعيم طائفة.

– سيكون علينا أن نوقع معاهدة دفاعية، قال بشير في محاولة لإبراز ضرورة الدور الرسمي الذي يجب ان يكون له من أجل القيام بهذا العمل. آلان مينارغ، أسرار حرب لبنان، الطبعة الثانية، ص 272-273 .

وكان بشير قد التزم مع «الإسرائيليين» بأنه «إذا انتُخبتُ فيمكنكم الاحتفاظ بسفارتكم في بيروت سفارة إسرائيل وذلك من دون توقيع أية معاهدة كما كان يسعى».

آلان مينارغ، أسرار حرب لبنان، الطبعة الثانية، ص 322 .

رفول لبشير: المحاسبة نُجريها بعد الحرب

قال رئيس الاركان لبشير إنّ الجيش «الإسرائيلي» سيقدم كل المساعدة المطلوبة للكتائب في المجال الجوي والمدفعي، «كما لو ان الكتائب وحدات نظامية في الجيش الإسرائيلي». وطلب الجميّل من رئيس الأركان تزويده بألف كلاشينكوف مع مشطين من الذخيرة لكل واحد منها. ووضع خمس شاحنات من نوع «ريو» تابعة للجيش «الإسرائيلي» بتصرّف رجاله، إلى جانب مركبات أخرى، وأجهزة لاسلكية. ولقد استجاب رئيس الأركان للطلب بقوله ان إسرائيل لا تطلب دفع ثمنها. وختم رفول حديثه بالقول: «المحاسبة نُجريها بعد الحرب».

كتاب: كرة الثلج، لشيمون شيفر، مراسل الاذاعة الإسرائيلية، ص 205 .

وقبل أيام من موعد الانتنخابات، هرع وزير الدفاع «الإسرائيلي» إلى بيروت، للقاء بيار وبشير الجميّل. لقد حان موسم الحصاد. استهلّ شارون الحديث بكلمة الاشبين لوالد العريس:

هنا نحن قد أوجدنا الأرضية، وها أننا في بيروت كما سبق أن اتفقنا في كانون الثاني يناير من هذه السنة». قد حان وقت تسديد الحساب. كتاب كرة الثلج، لشيمون شيفر، مراسل الإذاعة الإسرائيلية، ص 223 .

نهار الانتخابات في 23 آب، فرض الجيش «الإسرائيلي» إغلاقات على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان من أجل منع النواب اللبنانيين المتمردين من اجتياز الحدود والتهرّب من المشاركة في الاقتراع. وأرسلت وحدات خاصة تابعة للجيش «الإسرائيلي» إلى بيوت بعض النواب المتردّدين، من أجل ضمان أمن عوائلهم. وصف احد ضباط الموساد ذلك بالقول «تماماً مثل المافيا…». ملحق بديعوت احرنوت، لمناسبة مرور ثلاثين عاماً على حرب لبنان الأولى .

علم أرييل شارون بالنتائج من الإذاعة وقال للمقربين اليه:

«سيكون هذا هو الردّ على جميع الذين سخروا من أهداف الحرب في لبنان». وقد بدأ كلّ شيء وكأنه يجري بحسب السيناريو الموضوع سلفاً. فالمخرّبون قد طردوا من لبنان، وانتخب صديق «إسرائيل» رئيساً للدولة. فالاستثمار كان مجدياً. اذ زودت «إسرائيل» حتى انتخاب بشير بعتاد عسكري بلغت قيمته ملايين الدولارات، كما دُربت الآلاف من جنوده.

كتاب: جورج فريحة، رئيس المستشارين لبشير الجميل، «مع بشير ذكريات ومذكرات»، الطبعة الثانية، ص 273 .

– رئيس حكومة العدو بيغن قرّر أن يبعث برسالة تهنئة، إذ كتب بخطّ يده المتراص إلى بشير الجميّل: «تهانيّ القلبية الحارة بمناسبة انتخابك. فليكن الله معك يا صديقي العزيز لتحقيق مهمتك التاريخية من أجل حرية لبنان واستقلاله. صديقك مناحم بيغن».

الكاتب نفسه، المرجع نفسه، ص 225 .

اجتمع الجنرالات رفائيل ايتان وموشيه ليفي وافيز آزدلاي ببشير الجميل سراً في منزل جوني عبده، كما هي العادة في يوم 27 آغسطس آب، بعد الظهر.

ألان مينارغ، مرجع سابق، ص 365 .

لقاء نهاريّا: تأنيب من الأب بيغن للابن بشير

رتب الموساد لقاء بيغن بشير في مصنع للعتاد شبه العسكري ليس بعيداً عن نهاريا في أول ايلول 1982 عند الساعة العاشرة ليلاً. المرجع نفسه، ص 386 .

في الأول من أيلول عام 1982 سافر بشير إلى نهاريا ليقابل مناحم بيغن ليس كقائد ميليشيا مارونية، بل كرئيس للجمهورية هذه المرة، انتظر ساعتين كاملتين حتى اجتمع برئيس وزراء «إسرائيل».

كتاب: لبنان آخر وأطول حروب إسرائيل، زئيف شيف، ايهود يعاري، يعقوب، تيميرمان، ترجمة علي حداد، 1985، ص 179 .

استدعى بيغن بشير ليل 1 – 2 أيلول إلى اجتماع في نهاريا المدينة «الإسرائيلية» الساحلية الغربية من الحدود الشمالية.

كتاب: إيلي حبيقة القضية والقدر، لريما فرح، ص 94 .

كانت مروحية «إسرائيلية» من طراز CH-53 ياسور تابعة لسرب المروحيات الاول في سلاح الجو «الإسرائيلي» قد جاءت سراً لنقل بشير الجميّل وستة من معاونيه من محطة كهرباء الزوق وقد أنزلتهم في نهاريّا ونقلتهم من هناك مجموعة سيارات عادية يقودها رجال من الموساد إلى المصنع، حيث كان ينتظرهم آرييل شارون واسحاق شامير ودافيد كمحي وإبراهيم تامر وساغي واسحق حوفي وناحوم عدموني ومناحيم ناموت ص 370 .

هل تريد معاهدة صلح أم لا؟

سأل بيغن بشير بلهجة خشنة.

بلى! لكن يجب أن نحدّد الأساليب.

صحيح، أنّ كلّ ما طلبناه من بشير قد نفّذ: في سوق الغرب وعاليه وكلية العلوم، قال شارون متوسطاً، وطلبتُ منه أن يقبل بدخول بيروت فوافق.

لقد نفّذ بشير كلّ ما طلبنا منه. ص 375 .

الرئيس اللبناني بشير الجميّل التقى مناحيم بيغن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» في نهاريا ليل الاول من ايلول.

وكالة رويترز البريطانية يوم 3 ايلول 1982 ص 381 .

بشير يقدّم لشارون مخطط معاهدة «الصلح والسلام»

هنا، لا بدّ من العودة إلى كتاب جورج فريحة الصادر حديثاً وفيه محضر «اللقاء التاريخي» الذي عُقد بتاريخ 12 أيلول 1982 في بكفيا بين شارون وبشير وكان فريحة ثالثهما. وهو الذي دوّن تفاصيله التي بقيت طيّ الكتمان نحو خمسة وثلاثين عاماً.

وعن لقاء نهاريّا، يقول شارون مخاطباً بشير في لقاء بكفيا: «ليس من الضروري أن نلوم رئيس حكومتنا على ما بدر منه، لأنّه حدّثك كما يحدّث الأب ابنه إذا تأثر منه وأراد أن يحتجّ عليه. ومن اللقاء هذه الفقرات:

شارون: أودّ أن أبحث موضوع السلام. إنّه بالغ الأهميّة بالنسبة إلينا. والسؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهني في هذا الصدد هو: ما هي العقبات التي تعترض سبيلنا؟ ما الذي يحملك على الظنّ أنّ الوصول إلى عقد معاهدة صلح بين لبنان و»إسرائيل» غير ممكن؟ كيف ترى، أنت شخصيّاً، إمكان الدخول في مفاوضات في هذا الشأن؟

بشير: ما قلنا يوماً إنّ عقد معاهدة صلح بيننا غير ممكن. جلّ ما في الأمر أنّ هذه الأيام هي الوقت المناسب للمفاوضات الرامية إلى ما نريد. إنّما لدينا مشكلات علينا أن نتخطّاها. الكسليكيون زاروكم وعادوا من عندكم بالانطباع نفسه الذي أعنيه. وما ينبغي لكم أن تأخذوه بعين الاعتبار هو:

أولاً: إنّ السوريّين عندنا. وليس صحيحاً أنهم لن يهاجمونا. هناك نصف مليون مسيحي تحت سيطرتهم. إذا عقدت معكم معاهدة صلح قبل 23 أيلول، والحال كما هي الآن، فإنّنا سنتعرّض لردّات فعل قاسية تنصبّ أهوالها على شعبنا في المناطق المُحتلّة.

ثانياً: انظر إلى حدودنا. بعد انسحابكم لن تكون هذه الحدود في مأمن. سيدخل السوريّون من نقاط عديدة. هناك 160 كيلومتراً من الحدود المفتوحة. لم تعمل الدولة اللبنانية شيئاً، منذ العام 1943، لصيانة حدودها. لم يكن لنا حزام حديدي يحمي هذه الحدود. سينتقم السوريّون في البقاع، في زحلة وغيرها إذا عقدنا معاهدة معكم قبل أن يغادروا بلادنا.

ويقول شارون مخاطباً بشير: بيغن كان ينتظر شيئاً منك، ولو كلمة شكر. شنّت المعارضة علينا هجوماً شرساً بمختلف الأساليب واللهجات، وحتى هذه اللحظة ما يزال المعارضون يطالبون بخروجنا من بيروت، وبانسحابنا إلى مسافة 40 كيلومتراً عن الحدود، واستبدالنا بالقوات المتعدّدة الجنسيات، وعقد معاهدة صلح تجعل بلدَينا ينعمان بسلام حقيقي. الأمن هو مصلحة مشتركة بيننا. والمعارضة تسألنا علناً على رؤوس الأشهاد: ماذا حصل لبشير؟ ألا يقول عنّا كلمة؟ كلمة واحدة؟ أنت تعلم أنّنا سنواجه انتخابات، وأنّ لهذا الأمر تأثيراً كبيراً علينا. يجب أن نُبقي حربنا محصورة في لبنان، وأن لا نذهب إلى سورية. الناس في «إسرائيل» يسألون: ما هي النتيجة التي ستنتهي إليها؟ نجيبهم: ستتألف حكومة قوية في لبنان، وسيساعد الانسحاب السوري، ولو جزئياً، على تأليف هذه الحكومة، وهي ستطلب انسحاب جميع القوات الغربية من الأراضي اللبنانية. كان «الرجل» متأثراً إلى أقصى حدّ، وهو يشعر حتى الآن بأنّه مغبون ومهضوم الحق. كان يطلب كلمة واحدة منك، كأن تقول، مثلاً، إنّك تريد السلام، وترفض نشوب حرب بعد اليوم بين لبنان و»إسرائيل». ومن طبعه أن يقسو جداً حين يستاء. أعتقد أنّه من المناسب، بل من الواجب تأليف لجنة تبحث هذا الموضوع.

بشير: مَن تقترح؟

شارون: رئيس حكومتنا عيّنني مع إسحق شامير عن الجانب «الإسرائيلي». سأكون أنا المحرّك الأول والموجّه في اللجنة «الإسرائيلية»، وكلّ شيء سيحصل من خلالي. وإنّي سأعيّن الجنرال شامير ليعمل مع جماعتك على إعداد ورقة العمل.

بشير: من جهتنا، أعيّن الدكتور جورج فريحة يعاونه جوزف أبو خليل وزاهي البستاني في وضع ورقة العمل.

شارون: أنت وشامير وأنا سنعمل على مستوى أرفع، وأضيف إلينا تامير ودايف.

بشير: هل يمكن إبقاء هذه اللجنة سرّية؟ أريد أن أولّف حكومة، وأن أبيع هذه اللجنة إلى الحكومة.

شارون: نعم يمكن. ولنعقد اجتماعاً، شامير وأنا وأنت وحدنا لترسيخ أوّل اجتماع سرّي بشأن هذا الموضوع. يمكن أن نعقده مساءً الأربعاء المقبل في 15 أيلول.

بشير: موافق.

شارون: لا يجوز لنا أن نصعّب الأمور أو نعقّدها.

بشير: نلتقي إذن بعد الظهر.

شارون: ستكون جلستنا بمثابة افتتاح المحادثات، ومن شأنها أن تخفّف عنّا الضغط الداخلي، وأن تخفّف من حدّة التأثر في أبناء شعبنا.

بشير: هل تريد أن نعالج الآن أيضاً موضوع سعد حدّاد، أم نتركه إلى لقاء آخر؟

شارون: سنعالجه معاً معالجة خاصة، معالجة بين أصدقاء. الجنوب حيوي لأمننا إذا تعذّر علينا عقد معاهدة سلام. ولتبقَ هذه الأمور سرّية، يجب أن تُبحث معك وحدك، أو مع أقرب المقرّبين إليك. أتريد أن نسمّيهم؟ قد لا يكون من الأفضل لنا تهيئة قمّة مع رئيس حكومتنا. وإذا حدثت إشكالات بين فريقََي العمل على مواضيع أساسية تتدخّل أنت شخصياً، أو أتدخّل أنا لحلّها. طلب الأميركيون إلينا أن نبيع 12 دبابة «باتون» إلى جيشكم. أجبناهم: «سنفعل إذا طلب الجيش اللبناني، هو نفسه، ذلك». لا نريد أن نبيع دبّاباتنا للأميركيين ليبيعوها بدورهم إلى الجيش اللبناني. لدينا ألوف الأطنان من الذخائر استولينا عليها من مستودعات الإرهابيين. نعلم أنّ معدّاتكم روسية. نودّ أن تعطونا بعضاً منها، لن تحتاجوا إليها في المستقبل.

بشير: سأُعلِم فادي افرام بكلّ ما يتعلّق بالمطار وبعملية صنّين.

شارون: نعم: سنضرب السوريين في هذين اليومين.

قبل الانتهاء، قال بشير أريد أن أردّد أنني كنت مستاءً في نهاريّا. إنّنا حاربنا قسراً وكنّا على وشك الاضمحلال، لكنّنا صمدنا وبفضلكم انتصرنا. ولكي نقطف ثمرة الانتصار، أريد أن أطرح عليكم اتفاقاً يكون صالحاً لكم ولنا بنوع خاص. واختصر بشير الاتفاق الذي يراه مناسباً كما يلي:

إخراج ما تبقّى من الجيش السوري بسرعة.

المساعدة على تأمين حدودنا بواسطة جيش قويّ في عديده وعتاده، لربما 100 ألف جندي.

إخراج آخر عسكري «إسرائيلي» مع الجيش السوري.

محاكمة سعد حدّاد ثم الإعفاء عنه.

إخلاء المرافق الحيويّة في لبنان كافة، بخاصة المرفأ والمطار ومرافق الإعلام.

إقامة معاهدة سِلم مع الحكومة اللبنانية بعد إقناع الطرف المسلِم بها.

وانتهت الجلسة الساعة الثالثة من صباح 13/9/1982.

وقف شارون مودّعاً، وتعانق وبشير طوال ثوانٍ معدودة، كأنّ كابوساً قد أُزيل عنهما. وقال له: «أنا أوافق على شروطك لمعاهدة السلام، وأقول إنّ غيمة سوداء قد مرّت في نهاريا ويجب أن ننساها، واطمئنّ بيغن سيوافق أيضاً.

كانت عيونهما تلمع سروراً.

واستطراداً أضاف بشير: «إنّي أصرّ على أن يوافق بيغن على شروطي، وأن يرسل موافقته لي بأسرع وقت». وأبى إلا أن ينقل شارون بسيارته من بكفيا إلى مطار الطوافة في جونية.

هنا، لا بدّ من التأكيد بأنّ كل ما ورد في هذا اللقاء ومن محضر الاجتماع، أنّ علاقة بشير بـ»الإسرائيليين» هي علاقة استراتيجية وثيقة وثابتة لا تتزعزع، وكلّ ما في الأمر أنّ بشير الذي هو أحد أزلام وبيادق العدو المحتلّ كان يسعى إلى استراتيجيا تمكّنه من تبييض صفحة عمالته وتاريخه الأسود، وقد تفهّم العدوّ حاجته تلك وتناغم معه بتوزيع منسّق للأدوار لتضليل الرأي العام، لإحكام القبضة على لبنان في محاولة يائسة لمحو الذاكرة ورهان يائس على الوقت، وبأن يكون النسيان سبيلاً للهروب من أعماله الشائنة وخيانته العظمى.

في 12 ايلول راسل مناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي بشير.

«فخامة الرئيس بشير الجميّل، لقد سررتُ لاجتماعكم مع آرييل شارون في 12 أيلول 1982 في منزلكم في بكفيا، حيث اتفقتم على العلاقات المهمة بين لبنان وإسرائيل. إني اهنئكم على هذا الاتفاق مع موافقتي التامة على بنود الاتفاقية كافة. حفظكم الله مناحيم بيغن».

كتاب: جورج فريحة رئيس المستشارين لبشير الجميل، «مع بشير ذكريات ومذكرات»، الطبعة الثانية، صفحة 273 .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى