هل بات الاستخدام السلمي للطاقة النووية محظوراً؟

أسامة العرب

بعد ثلاثة أيام من رفضه الإقرار بامتثال طهران لالتزاماتها، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ هناك احتمالاً فعلياً لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران. وقال من البيت الأبيض يمكن أن يكون هناك إلغاء كليّ للاتفاق، إنه احتمال فعليّ. الأمر الذي يفتح الباب أمام مرحلة صعبة إذ ستكون أمام الكونغرس فترة ستين يوماً ليقرّر ما إذا كان سيتمّ تجديد الاتفاق أو الانسحاب منه، ولكن من المؤكد أنّ الكونغرس يخشى الانسحاب من تلك الصفقة، خشية أن تستأنف إيران العمل ببرنامجها النووي.

فيما حذّرت أوساط أمنية وإعلامية في تل أبيب من تداعيات توجّه الكونغرس الأميركي، إلى إلغاء الاتفاق النووي أو تعديله، تحت تأثير الضغط الذي يمارس عليه من الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء «الإسرائيلي»، بنيامين نتنياهو. واعتبرت هذه الأوساط أنّ التوجّه الأميركي- الإسرائيلي غير واقعي، وسيخدم في النهاية التطلعات النووية لطهران. وفي افتتاحيتها، أكدت صحيفة «الاندبندنت»، أنّ ملف إيران النووي بالنسبة إلى الرئيس الأميركي ليس أكثر من غطاء على فشله في العديد من الملفات الداخلية، لا سيما بعدما فقد هيبته الرمزية بسبب عجزه عن تحقيق أغلبية الوعود التي أطلقها.

إنّ الاتفاق النووي ملزم للأطراف كافة خاصة بعد أن أقرّ من مجلس الأمن الدولي، وبالتالي فلا يجوز نقضه إلا بقرار من مجلس الأمن. هذا عدا أنّ كلاً من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، عبّرت عن عدم رضاها على تصريحات الرئيس الأميركي، كما رفضت موسكو وبكين تصريحات ترامب محذّرة من مغبّة نقض الاتفاق. فضلاً عن أنّ الكونغرس يعلم بأنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة هي الهيئة المكلفة لرصد الاتفاق، وهي لم تعثر على أية انتهاكات، ولا تزال إيران تراعي الاتفاق النووي. وبالتالي، تدرك الإدارة الأميركية أنّ نقض الاتفاق هو أمر أشبه بالمستحيل. وما أدلّ على ذلك، سوى أنّ ترامبدلأد أقرّ سابقاً بأنه بحاجة لدعم الدول الأوروبية من أجل تعديل الاتفاق النووي الإيراني، مشيراً إلى أنّ هدفه من هذا التعديل هو ضمان سلامة «إسرائيل» وسائر حلفائه، والتأكد من عدم تمكّن النظام الإيراني من امتلاك سلاح نووي. ورداً على المواقف الأوروبية المناهضة لتصريحاته قال: على الدول الأوروبية الاختيار بين الاصطفاف مع الولايات المتحدة الأميركية والدول التي يعمل النظام الإيراني على زعزعة الاستقرار بها، أو اتخاذ جانب إيران ومعاداة الولايات المتحدة وحلفائها. وبالتالي، يطرح التساؤل هنا: عما إذا كانت أميركا ستتمكّن من ممارسة الضغوط على الأوروبيين لدفعهم على تغيير موقفهم من الاتفاق؟

عدد كبير من قادة الجيش ومن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد المكلف بـ «الملف النووي الإيراني» ناهيك عن الوكالة «الإسرائيلية» للطاقة الذرية التي ترى أنّ هذا الاتفاق هو أخفّ الضررين في الوقت الحالي، وأنّ إلغاءه لن يخدم المصالح «الإسرائيلية»، بأيّ شكل من الأشكال.

الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، عاموس يادلين، يرى بأنّ المؤسسات الأمنية في كلّ من الولايات المتحدة و«إسرائيل» لا تفضّلان إلغاء أو تعديل الاتفاق النووي، خشية أن يُفضي هذا التطوّر إلى إعفاء إيران من الالتزامات التي تعهّدت بها في الاتفاق، والتي أفضت إلى الإضرار بشكل كبير بالمشروع النووي الإيراني. كما استدرك يادلين مشيراً إلى أنّ تعديل واشنطن للاتفاق النووي يمكن أن يكون مفيداً فقط في حال كان ضمن استراتيجية واضحة تهدف إلى قطع الطريق على طهران ومنعها من تطوير برنامجها النووي مستقبلاً عندما تنقضي مدة العمل بالاتفاق. أما الخبير الأمني «الإسرائيلي»، يوسي ميلمان، فأبدى خشيته من أنّ القيادة «الإسرائيلية» لا تأخذ بعين الاعتبار وجود متشدّدين على حدّ قوله في القيادة الإيرانية سيستغلون أيّ عقوبات تفرض على طهران من أجل تبرير الانسحاب منه، والاتجاه بسرعة نحو إنتاج السلاح النووي.

أما معلّق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة «الإسرائيلية» العاشرة، ألون بن دافيد، فيرى أنّ الإيرانيين حريصون على عدم تخصيب اليورانيوم بالكمّيات والتركيز الذي يتجاوز ما هو مسموح لهم في الاتفاق، محذّراً من أنه في حال قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على إيران، فإنّ هذا يمكن أن يدفع طهران لاستئناف تطوير برنامجها النووي. وأضاف بن دافيد: «في حال اكتشف الإيرانيون أنّ التزامهم بالاتفاق، لن يضمن تحسين ظروفهم الاقتصادية فسينطلقون نحو تطوير القنبلة النووية»، محذّراً من أنّ «إسرائيل» ستكتشف حينها أنها وحيدة في مواجهة إيران النووية. كما لفت إلى أنّ سلاح الجو الأميركي و«الإسرائيلي» يمكنهما أن يبيدا المنشآت النووية الإيرانية، لكن ليس بوسعهما حرمان الإيرانيين من التقنيات والقدرات العلمية التي طوّروها في المجال النووي، والتي ستمكّنهم من إعادة بناء ما تمّ تدميره في غضون عامين، والانطلاق نحو تطوير القنبلة النووية. وحذر من أنّ أيّ هجوم «إسرائيلي» يستهدف المنشآت النووية الإيرانية سيمنح طهران فقط المسوّغات لتطوير برنامجها النووي وإنتاج القنابل النووية، مشدّداً على أنّ الخيار الوحيد المتاح أمام «إسرائيل» هو العمل على إقناع الولايات المتحدة والقوى العظمى المشاركة في التوقيع على الاتفاق بتشديد الرقابة على المنشآت النووية الإيرانية.

إنّ ما تقدّم، خير دليل على أنّ الكونغرس الأميركي سوف لن يلغي الاتفاق النووي، بل إنّ أقصى ما سوف يقوم به هو أنه سيصدر حزمة عقوبات اقتصادية مخففة على إيران لحفظ ماء الوجه، ويدعوها لتعديل بنود الاتفاق. أما الدول الأوروبية فستسعى للتخفيف من حدّة التوتر ما بين الإدارة الأميركية وإيران، لكنها لن تعزل نفسها بالكامل عن واشنطن، ولذلك قد تصعّد انتقاداتها لبرنامج إيران النووي، وما أدلّ على ذلك سوى أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طالب منذ أيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بضمان التزام إيران الصارم ببنود الاتفاق النووي. وجاء في بيان أصدرته الرئاسة الفرنسية أنّ ماكرون اجتمع مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، وأنه دعا إلى ضمان التزام إيران الصارم ببنود الاتفاق النووي بجميع أبعادها.

عجباً، كيف تُصرّ الإدارة الأميركية على إخضاع الملف النووي السلمي الإيراني لعقوبات اقتصادية ولرقابة مشدّدة، فيما تطلق العنان لـ«إسرائيل» كي تطوّر برنامجها الحربي النووي، لا بل تزوّدها بالإمكانيات المادية وبالتقنيات والخبرات اللازمة لذلك؟ وعجباً، كيف أنّ أنشطة إيران تثير القلق والمخاوف في المنطقة، وأنشطة «إسرائيل» لا تثير سوى الارتياح ونزع الهواجس؟ ولماذا، لا تبادر الوكالة الدولية للطاقة الذرية والهيئات الأممية لإرغام «إسرائيل» على نزع ترسانتها النووية، ألا يشكل ذلك حلاً أفضل لضمان الاستقرار في الشرق الأوشط؟ ولماذا يحق لـ«إسرائيل» التي تغتصب أرض غيرها بأن تمتلك القنابل النووية وأن تهدّد دول الجوار بها، ولا يحق لأصحاب الحق والأرض معاً بأن يمتلكوا أيّ سلاح متطوّر ليحافظ على توازن الرعب؟ وألا يشكل ذلك خرقاً فاضحاً للقانون الدولي، الذي يعترف بحق الدفاع الشرعي ومبدأ المساواة في السيادة؟

أخيراً، إنّ الاستخدام السلمي للطاقة النووية حق غير قابل للتصرف لجميع أعضاء معاهدة الحدّ من الانتشار النووي، كما أنّ جميع تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكّد بأنّ البرنامج النووي الإيراني سلمي، فيما الجميع يعلم بأنّ البرنامج النووي «الإسرائيلي» حربي، وأنه يرمي لتهديد دول الجوار، لا أكثر ولا أقلّ. وبالتالي، فأين هي العدالة في ميزان الهيئات الأممية؟

محام، نائب رئيس

الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى