في الكويت بطلٌ وفي لبنان مَنْ لا «يخجل»

روزانا رمّال

استقبال تاريخي لرئيس برلمان الكويت عائداً من بطرسبرغ ظافراً بمحبة الملايين من العرب الذين أغمضوا عيونهم في تلك الليلة مطمئنين أن في الخليج باقية لا تنسى فلسطين، رغم كل ما يُراد له من تشويه واصطفاف ضمن تحالفات السياسة ما بين الكواليس وظاهر الأمور. تقول القصة إن عدداً من الوزراء والنواب في مجلس الأمة الكويتي، تجمّعوا لاستقبال رئيس مجلس النواب مرزوق الغانم والوفد البرلماني المرافق له، بعد عودتهم من مدينة سان بطرسبورغ الروسية احتفالاً وافتخاراً بما فعله مع الوفد «الإسرائيلي»، أثناء مشاركته في أعمال مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الـ137. صرخ الغانم بالوفد «الإسرائيلي» «أقول للمحتل الغاصب إن لم تستحِ فافعل ما شئتْ. عليك أيّها المحتل الغاصب أن تحمل حقائبك وتخرج من القاعة، بعد أن رأيتَ ردة فعل برلمانات العالم. اخرج من القاعة إن كان لديك ذرة من كرامة يا محتل، يا قتلة الأطفال».

كان لا بدّ من وصول هذا الصدى لمسامع القيادة «الاسرائيلية» لتعرف أمرين أساسيين، أولهما ان جزءاً كبيراً من الخليجيين عموماً، والكويتيين خصوصاً، لا يزال يرفض رفضاً قاطعاً أي نوع من التعاطي مع الدولة «الكيان». فهي لا تزال بنظرهم العدو الأول والأخير. والأمر الثاني، أن أي محاولة لتجاهل أن التمادي في ما يتعلق ببديهيات وأولويات الشعب الفلسطيني والإمعان في الاستكبار والتجريد من الحقوق الإنسانية والحق بقدس فلسطينية عربية ليس محطّ تجاهل من العرب كلهم. وأن الأمور ليست كما تبدو ظاهرياً للقيادة «الإسرائيلية»، من حيث إمكانية التقدّم نحو معاهدة سلام علنية مع المزيد من الدول العربية، خصوصاً الخليجية، للحصول على تغطية في مسألة تهويد القدس أو الاعتداء على الفلسطينيين والقضية بتفاصيلها المعروفة.

السبات العربي موجود ومؤكد، لكن الساحة ليست خالية بعد من أمثال مرزوق الغانم، أولئك الذين أدوا التحية له عرفوا تماماً ضرورة تعويم المواقف البطولية «النادرة». يقول أحد المراقبين لموقف الغانم، «نادراً ما نرى هذا النوع من السياسيين العرب، يبدو أن الشباب العربي والغانم منهم لا يزال يحمل في داخله الكثير من الثورة، الثورة التي أرادوا تمييعها. هذا الشباب العربي الواعد لا تضيع معه فلسطين».

تأتي أهمية موقف الغانم لأهمية موقعه المتقدم في الدولة الكويتية. فهو يمثل رئيس مجلس النواب أي أحد أركان السلطة، في وقت تراهن «اسرائيل» على السلطات الخليجية بتمرير مواقف متقدّمة ضد قيام دولة فلسطين أمام شعوبها، وإذ بالصورة مقلوبة في الحالة الكويتية، وهي أحد اعضاء مجلس التعاون الخيليجي الأساسية بعد أن تبين أنه سيكون هناك من يمانع تعزيز هذه العلاقات، وأن الأمور ليست بالسهولة التي يتوقعها «الإسرائيليون» وأن المجتمع الخليجي منقسم حيال العلاقة مع «اسرائيل» بشكل يجعل من إسرائيل تُعيد حساباتها.

نجح الغانم في جعل «اسرائيل» تعيد حساباتها ونجح أيضاً بتفعيل الروح القومية من جديد، أي إعادة المجهود في تشويه سمعة المقاومة الفلسطينية والقوى التي تقاتل «اسرائيل» الى الوراء بعد أن تخدّر الشارع العربي بشكل ملحوظ، منخرطاً بأزماته التي احتلت الحيّز الأكبر من اهتماماته، خصوصاً بعد الثورات التي أرخت نيران الحرب والإرهاب في أرجاء البلاد العربية. وهو الأمر الذي استفادت منه «اسرائيل» للتمادي مع الفلسطينيين وتطوير مستوى الطموح «الاسرائيلي» بالطلب من الأميركيين بالدعم المباشر لإعلان القدس عاصمة لدولة يهودية. وفي هذا الإطار لا يزال المسعى «الاسرائيلي» للتقسيم في شمال سورية والعراق أحد أبرز المخططات التي تسبق عملية إعلان القدس يهودية تدريجياً ليصبح حالياً كل ذلك محطّ دراسة جدية.

يستفيق الشارع العربي بلحظة وجدانية كهذه سريعاً ليتبين أنه لا يحتاج إلا لقيادة من هذا النوع لتعيد تزخيم مشاعر المقاومة والنضال ضد العدو الحقيقي. ويتبين أن كل ما يحتاجه هي قيادات تأخذه نحو البوصلة. تلك ما يُعرّي أغلبية الحكام العرب الذين تورطوا في تخدير شعوبهم أكثر فأكثر عن التطلّع لفلسطين محرّرة أو بالحد الأدنى التطلّع لدولة فلسطينية بالحدود والحقوق المفترض الحصول عليها عملياً بعد كل ما عاناه شعبها.

في الكويت مَن «استحى» من تجاهل مواقف الغانم المشرفة التي ضجّ بها الملايين من العرب واستقبله استقبال الأبطال، وفي الجهة المقابلة في بيروت عاصمة المقاومة والتحرير، العاصمة التي تغنّت بإنجاز العرب الوحيد تحرير الجنوب اللبناني من العدو «الاسرائيلي» من دون قيد أو شرط، هناك حيث المقاومة ضد «اسرائيل» كانت البداية، يختلف أبناء البيت الواحد على تصنيف العدو والصديق ويبرّر البعض ظروف التعامل مع «اسرائيل» أو النية نحو ذلك، بغضّ النظر عن أسباب التأييد من عدمه وبغضّ النظر عن الحكم، يصدر حكم الإعدام بحق شاب ثار رافضاً الاستسلام لفكرة التقارب من «اسرائيل»، بعد 35 عاماً يصدر حكم من دون أن يُعرَف سبب التوقيت لا سيما أنه يبدو سياسياً أكثر من أن يكون حقوقياً.

في لبنان هناك مَن لا يستحي، لا يستحي من الناس ولا من تبرير التقاعس القانوني ولا من تبرير التوقيت ولا من تقلبات يعيشونها على مستوى أحزابهم التي تستفيق على حليف لتغفو على معاداتهم والعكس صحيح. الأمر لا يتعلّق بالموقف من القضية بقدر ما يتعلّق بالشرح للناس معنى إيقاظ مشاعرهم وتجييشها في وقت يتوق اللبناني للمحافظة على صيغة توافق منطقية ومقنعة تبعده عن خطر التحريض والتجييش الحزبي من جديد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى