الراعي: على المسلمين والمسيحيين البقاء في الشرق وإلا أصبح أرضاً للإرهابيين
أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن أهمية الحضور المسيحي في الشرق الأوسط، يحفظ الاعتدال الإسلامي ويشكّل معه نموذجاً فريداً في حوار الأديان والثقافات والعيش المشترك. وقال خلال العظة التي ألقاها في القداس الذي ترأسه في كنيسة مار لابا المارونية في مدينة سولت ليك سيتي في ولاية يوتا الأميركية: علينا أن نميّز بين المنظمات الإرهابية التي تحارب باسم الإسلام وبين الإسلام، فهما أمران مختلفان تماماً. فالحركات الإرهابية شيء والإسلام شيء آخر. فمعظم عناصر المنظمات الإرهابية كداعش والقاعدة، هم دخلاء على الشرق الأوسط وعلى ثقافته وتقاليده وقد تدرّبوا ودعموا واستعملوا من دول خارجية من أجل إشعال الحروب في الشرق الأوسط. فنحن نطالب المسلمين والمسيحيين بالبقاء في الشرق الأوسط لأننا عشنا معاً 1300 سنة وبنينا الاعتدال، وإذا تركنا الشرق الأوسط فإنه سيصبح أرضاً للإرهابيين وقاعدة تهدّد السلام العالمي. وكمسيحيين، نحن نصرّ على البقاء في الشرق الأوسط، لأننا مؤتمنون على جذور المسيحية وعلى الإنجيل».
وختم: «كفانا حرباً، كفانا عنفاً، آن الأوان لبناء السلام الحقيقي العادل والدائم وهذا من حق شعوبنا ومن واجب المجتمع الدولي».
وفي المطرانية اللاتينية، أقام راعي الأبرشية المطران اوسكار سوليس، استقبالاً على شرف الراعي، تلاه لقاء مع الإعلاميين أجاب فيه الراعي على أسئلة الصحافيين. وأكد الراعي أنه «من حق كل اللاجئين إلى لبنان المسيحيين والمسلمين العودة إلى أراضيهم وبلدانهم، من أجل المحافظة على ثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم. ونحن لسنا في مشكلة معهم، إنما ندعم قضيتهم الإنسانية والوطنية، ولكن استمرار وجودهم في لبنان يشكل عبئاً وخطراً سياسياً وديمغرافياً واقتصادياً وأمنياً».
وأضاف رداً على سؤال: «إذا كان في نيّة المجتمع الدولي توطين النازحين في لبنان. فهذا أمر مرفوض من قبل جميع اللبنانيين وفي الدستور اللبناني. وهذا خطر كبير يهدّد الاستقرار في المنطقة. ومع تضامننا الانساني الكامل مع النازحين، لم يعد باستطاعة لبنان واللبنانيين تحمل المزيد من تداعيات النزوح».
وأشار إلى أن «المسيحيين طبعوا بثقافتهم الشرق، وكانوا في أساس حضارته، وهم خلقوا الاعتدال الإسلامي وعزّزوه بفعل العيش الواحد مع المسلمين، وقد تبادلوا معاً الحضارة والقيم. وإذا فقد المسيحيون تأثيرهم ودورهم في الشرق الأوسط فسيفقد المسلمون الاعتدال».
وتابع: «يتميز لبنان عن سائر دول الشرق الاوسط بسبب فصله الدين عن الدولة، وبفعل العيش المسيحي – الإسلامي المتوازن، وهذا ما يحول دون إمكانية حكمه من قبل اية طائفة او سيطرتها عليه».
بعد ذلك، عقد لقاء مسكوني ضم ممثلين عن الطوائف المسيحية والإسلامية في الولاية. وبعد كلمة للبطريرك الراعي كان نقاش وحوار مفتوح مع غبطته أجاب خلاله على أسئلة المشاركين التي تمحورت حول الأوضاع في الشرق الأوسط ومصير المسيحيين فيه ومسألة النزوح الى لبنان.
وأعرب الراعي خلال الحوار عن استغرابه من طريقة تعامل «المجتمع الدولي الذي يكتفي بتهنئة لبنان على استضافته للنازحين من دون تحمّل مسؤوليته، كما يجب حيال ذلك. فإذا بقي النازحون لمدة أطول بفعل استمرار الحروب، فهذا يعني أن المجتمع الدولي يساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تحضير إرهابيين وأصوليين في الشرق، وربما في لبنان، عبر تغافله عن القيام بواجبه. الإرهابيون خرجوا من مجتمعات تعيش في البؤس والضياع والفقر وباعوا نفوسهم للشرّ بعد غسل أدمغتهم واللعب على عصبياتهم التي لا تمتّ إلى دين سماوي بصلة».
وأضاف: «لبنان يتأثر بمحيطه، وهو صغير المساحة، ولكنه يحمل رسالة كبيرة وبحكم موقعه الجغرافي على باب المتوسط، فهو يتأثر بالتدخل السياسي من الخارج، خصوصاً اذا مسّ هذا التدخل الانتماء الديني أو الطائفي».
ومن كنيسة القديس منصور دو بول، أكد الراعي أن لبنان حامل رسالة العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، المنظم في الدستور، وفي الميثاق الوطني، بحيث إن المسيحيين والمسلمين يشاركون في الحكم والإدارة بالمساواة والتوازن. وبنتيجة ذلك، نظام لبنان ديمقراطي برلماني، ولا يمكن أن يُحكم من فئة دون سواها، ولا أن يتّخذ منحىً ديكتاتورياً. إن لبنان، بميزاته هذه يشكل ضرورة في محيطه العربي. فتجب حمايته ومعرفة حقيقته وقيمته، والتعريف به لدى الرأي العام الأميركي والمسؤولين السياسيين. ذلك أن لبنان عنصر استقرار في محيطه، ومكان لقاء للأديان والثقافات والحضارات. غير أنه يُعاني من نتائج الحروب الدائرة في الشرق الأوسط، ومن تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وأننا نأمل من المجتمع الدولي أن يعي أهمية لبنان وبالتالي أن يبادر إلى تخفيف الأعباء التي يتحمّلها بسبب ما يجري في محيطه، فيعمل على وقف الحروب والحد من الإرهاب وعلى إعادة النازحين ومساعدتهم في إعمار ممتلكاتهم، كما يدعم حياد لبنان وجعله مقراً لحوار الأديان والثقافات».
وفي كلمة له خلال العشاء الذي أقامته رعية مار لابا بعد القداس، شدّد البطريرك الراعي على «ضرورة حفاظ اللبنانيين على روابطهم بوطنهم الأم لبنان وعلى استعادة جنسيتهم اللبنانية في حال فقدوها».