حين تخرج الأفاعي من جحورها لتبثَّ سمومَ الحقد والكراهية!

معن حميّة

حكايات كثيرة تُروى عن «قوس قزح»، ولعلّ ما رسخ في الأذهان منها، أنّ كلّ من مرّ تحت هذا القوس قد تحوّل، عقاباً له على محظور تخطّاه! لذا اعتدنا أن نتحاشى النظر إلى قوس قزح، لنحدّق بالشمس التي هي في اتجاه معاكس له.

زمن تلك الحكايات صار وراءنا، وإنْ ظهر قوس قزح، لا يخشاه الأطفال والصبية. فأجيالنا الجديدة، لم ترَ إلاّ أقواس النصر، وهي ترتفع مع كلّ شهيد يرتقي، ومع كلّ نصر للمقاومة على العدو الصهيوني وعملائه وقوى الإرهاب والتطرف.

في لبنان تحديداً، ارتفعت أقواس نصر كثيرة.

في 21 تموز 1982، كانت الانطلاقة الفعلية لجبهة المقاومة الوطنية، بإطلاق القوميين صواريخ الكاتيوشا من سوق الخان في حاصبيا على منطقة الجليل الفلسطينية المحتلة، فأسقطت هذه العملية الشعار الذي أطلقه العدو الصهيوني على اجتياح لبنان «سلامة الجليل».

في 14 أيلول 1982، نفّذ المقاوم حبيب الشرتوني حكم الشعب ببشير الجميّل الذي نُصّب رئيساً للبنان على ظهر الدبابة «الإسرائيلية»، قبل أن يصبح رئيساً فعلياً، فأسقط هذا العمل المقاوم مشروع العدو الصهيوني بتحويل لبنان محمية «إسرائيلية» تابعة.

في 24 أيلول 1982، نفّذ المقاوم خالد علوان، عملية ضدّ ضباط وجنود الاحتلال، في مقهى الويمبي في قلب العاصمة بيروت، وشكلت تلك العملية فاتحة تحرير بيروت التي غزاها الاحتلال بالتكافل والتضامن والتآزر مع عملائه وأدواته.

في 25 أيار 2000، وبعد عقدين من مقاومة الاحتلال الصهيوني، استطاعت المقاومة تحريرَ معظم الأرض اللبنانية، وشكّل هذا التحرير حدثاً تاريخياً جعل لبنان الصغير بمساحته وعدد سكانه، كبيراً في مقاومته التي حققت ما عجزت عنه الأمم، أيّ تنفيذ القرار الدولي 425.

بين 12 تموز و14 آب 2006، واجه لبنان بمقاومته وجيشه وشعبه، حرباً «إسرائيلية» تدميرية إبادية وقفت وراءها دول كبيرة وصغيرة، وأشباه دول وأنصاف رجال وعملاء وأدوات، ورغم كلّ ذلك انتصر لبنان بمقاومته، واعترف العدو «الإسرائيلي» بالهزيمة المدوّية.

في كلّ هذه المحطات وما بينها من عمليات استشهادية وبطولية ونوعية، كانت ترتفع أقواس النصر، فتآلف اللبنانيون مع هذه الظاهرة الجديدة التي تحمل في مضامينها كلّ وقفات العزّ دفاعاً عن السيادة والكرامة.

أما تحت قوس المحكمة، فلم تتمّ الإحاطة الكاملة بملف أحد أركان هذه الانتصارات الكبيرة، التي حمت لبنان وأعادت بناء الدولة والمؤسسات. ومن تحت هذا القوس صدر حكم جائر تشوبه ثغرات قانونية ومغالطات، الأمر الذي وجدت فيه أفاعي العمالة ضالّتها، فخرجت من أوكارها، تعمشقت على حبال القرار، وجاهرت بـ «عمالة الضرورة» التي لن يمرّ عليها الزمن، وأباحت لنفسها محظور المبادئ والقيم والكرامة.

خرجت هذه الأفاعي تبثّ سموم الحقد والكراهية والفتن، كاشفة عن تموضعها مجدّداً في مربّع خياراتها ورهاناتها المشؤومة، وممارساتها التي جلبت على لبنان الخراب.

خرجت هذه الأفاعي، المتعدّدة الرؤوس والأذناب، بخطاب موحّد، يدين كلّ قوى المقاومة التي قاتلت الاحتلال الصهيوني. لأنها ترى في الحكم على حبيب الشرتوني حكماً على قوى المقاومة كلّها! وهذا ما نبّهنا إليه، ووضعنا ما لدينا من حقائق يعرفها القاصي والداني عن فعل الخيانة، وأنّ فصل الملف المتعلّق بفعل الحبيب عن سياقه التاريخي، ليس عدلاً.

السلطة القضائية، هي من مؤسسات الدولة التي استعادت حيويتها ووحدتها وهيبتها نتيجة إسقاط مخطط تقسيم لبنان، وإلحاق الهزيمة بالعدو الذي وضع هذا المخطط، وبتحرير الأرض اللبنانية من الاحتلال، لذا كان لا بدّ لهذه السلطة القضائية أن تحكم بموجب كلّ الحيثيات والدوافع الشريفة والوطنية التي كانت وراء فعل حبيب الشرتوني.

اليوم، نديم الجميّل وسمير جعجع، وغيرهما من الأتباع والمتلوّنين والمتحوّلين، يتخذون من حكم القضاء الجائر ذريعة للمطالبة بإدانة كلّ قوى المقاومة. هم كانوا ينتظرون هذا الحكم ليس لأنهم يريدون عدالة حقيقية، فهم يعرفون أنّ العدالة تحققت بإرادة الشعب قبل 35 عاماً، بل هم يريدون ركوب الموجة «الإسرائيلية» مجدّداً، لأنهم يعتبرون أنّ مَن وصل اليوم إلى سدة الرئاسة، لا يمثل خياراتهم الموغلة في العمالة.

ما تنطوي عليه خطابات الجميّل وجعجع وآخرين، تؤكد أنّ الغرف السوداء عادت لتنشط مجدّداً بخلاياها الإجرامية كلّها، وما تضمين الخطابات كلّ هذا الهجوم على الحزب القومي وقوى المقاومة، سوى مؤشر على جرعات دعم تلقاها هؤلاء للمقامرة مجدّداً بمصير البلد. ولعلّ أبلغ تعبير عن أحقادهم وخياراتهم، هو ما نطقت به النائبة ستريدا جعجع، من عبارات نابية نكأت جراحاً عميقة، ليست فقط جراح عائلة فرنجية خاصة والزغرتاويين عموماً، بل نكأت جراح عائلة كرامي والطرابلسيين، وجراح عائلات شهداء المجازر التي ارتُكبت في أكثر من منطقة لبنانية على يد الكتائبيين والقواتيين، لا سيما عائلات شهداء مجزرة عينطورة.

إنّ مَن قطع رأس الأفعى «الإسرائيلية» في لبنان، هو مَن صنع المجد لهذا البلد، أما الذين يحتفلون برمز العمالة، فهم ورثة الذلّ والخيانة، وينطبق عليهم قول سعاده: «لا يشعرُ بالعار مَن لا يعرف العار ولا يعرفُ العار مَن لا يعرف الشرف ويا لذلّ قومٍ لا يعرفون ما هو الشرف وما هو العار».

ورثة الذلّ والخيانة يستعيدون كلّ مفردات خطاب التحريض والكراهية، وخلف هذا الخطاب الفتنوي تقف جهات عديدة، وضمناً العدو «الإسرائيلي»، وذلك بهدف النيل من المقاومة، نهجاً وفكراً وثقافة. لأنّ هذه المقاومة، دولاً وأحزاباً، أفشلت مشاريع التفتيت والتقسيم، وانتصرت على الاحتلال والإرهاب ورعاتهما.

المقاومة هي المستهدفة، ومسؤولية المؤمنين بخيار المقاومة، حماية المجتمع من آثام العمالة والخيانة، بردع الذين يضربون عرض الحائط بالثوابت والمبادئ.

الأمر شديد الخطورة، وأكثر تعقيداً، وقد آن الأوان لفضح الذين يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى زمن الاجتياح الصهيوني، وجعل العدو الصهيوني صديقاً، بعدما أمعنوا في العداء لمحيط لبنان القومي.

مجتمعنا، يرفض أن يمارس هذا البعض من اللبنانيين طقوس العمالة والخيانة التي تتنافى مع القيم والمبادئ، ولن يسمح لهم التصرف كيفما شاؤوا، كي لا يأتي يوم، فيتفشّى هذا الوباء، ويفسد المجتمع.

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى