حول التباهي الأميركي بمسح الرقة من الوجود

حميدي العبدالله

اعتاد الأميركيون، في كلّ المعارك التي خاضوها على امتداد تاريخ الحروب الأميركية، على السماح لوسائل الإعلام بمرافقة القوات الأميركية في عملياتها العسكرية، وبرز ذلك واضحاً أثناء الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق.

لكن لوحظ أنّ العمليات الأميركية في الرقة ومناطق سورية أخرى خرجت عن هذه القاعدة، وحرصت القوات الأميركية على فرض تعتيم إعلامي كامل، ولم يسمح بأيّ مواكبة أو تغطية لسير العمليات التي تنفذها القوات الأميركية، ولا سيما في الرقة.

كان واضحاً أنّ لدى الولايات المتحدة شيئاً تريد إخفاءه وإبعاده عن أعين وسائل الإعلام لأنّ من الصعب تبريره سياسياً وأخلاقياً، ولهذا فإنّ من الأفضل هو فرض تعتيم إعلامي كامل، المصدر الوحيد للحديث عما يجري في الرقة السكان المحليين وليس أيّ جهة أخرى، وتعليقات وزارة الدفاع الروسية بما يتيسّر لها من معلومات عبر شبكات الرصد المتعدّدة التي تراقب عبرها سير العمليات الأميركية.

تبيّن لاحقاً بعد انتهاء عمليات الرقة أنّ ما كانت تخفيه واشنطن، ودفعها لفرض التعتيم الإعلامي أمران أساسيان، الأمر الأول، الرغبة في استخدام قوة تدميرية هائلة للتعويض عن نقص القوات البرية، ولأنّ حجم التدمير سيكون صادماً وغير مبرّر أخلاقياً وسياسياً، لذلك كانت هناك حاجة لإخفائه.

الأمر الثاني، جعل العلاقة المريبة والمشبوهة القائمة بين القوات الأميركية وداعش بعيداً عن فضول وسائل الإعلام لكي يُصار إلى تنفيذ التفاهمات على نحو لا يحرج الولايات المتحدة ولا يسهم في فضح مستوى تورّطها مع هذا التنظيم الإرهابي.

ولكن ما لم يكن متوقعاً هو تباهي الولايات المتحدة بحجم وقوة الدمار الذي ألحقته بمدينة الرقة، ويبدو أنّ هذا يشكل سبباً إضافياً للتعتيم الإعلامي الذي فرضته الولايات المتحدة على سير العمليات في الرقة.

صحيفة «واشنطن بوست» نشرت تعليقاً لأحد أبرز كتابها ديفيد أغناتيوس كشف فيه أسباب التدمير الهائل الذي تعمّدت الولايات المتحدة إلحاقه بالرقة بذريعة طرد داعش منها. يقول أغناتيوس حرفياً «صور الشوارع المدمّرة لما كانت في يوم من الأيام عاصمة داعش يذكرنا بالقوة العسكرية الأميركية القاسية، والفاعلة، والساحقة للولايات المتحدة الأميركية».

ويبدو أنّ ثمة رسالة تبعثها القوات الأميركية عبر هذا الدمار، وهو إرهاب خصوم وأعداء السياسة الأميركية، وهذا ما أشار إليه أغنايتوس بصراحة عندما قال «لعلها تعدّ تقديراً للطبيعة الحتمية للقوة الأميركية، في حالة من أبرز حالات الإعلان عن ذاتها». ويضيف «إنّ أكوام الركام وأنقاض المنازل تبعث برسالة واضحة وتنقل لإفهام درس لا ينقصه الصواب… من الخطأ والعبث استفزاز الولايات المتحدة».

يعني أنّ تدمير الرقة كان مقصوداً لإرهاب خصوم أميركا وليس لضرورات طرد داعش من الرقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى