العبادي يوقف النار لـ24 ساعة… وحزب الطالباني يلجأ للمحكمة الدستورية السجال الانتخابي مستمرّ… وعون يُسمّي إبراهيم مبعوثاً رئاسياً إلى دمشق؟
كتب المحرّر السياسي
نامت أوروبا ليلها القلق على مخاوف ما بعد إعلان البرلمان الكتالوني الانفصال، والخشية من تردّدات في أوساط الأقليات المتطلعة للانفصال في بلدان أوروبية متعددة من إيطاليا إلى فرنسا والمانيا وهولندا، بينما ذهبت حكومة مدريد للخيار الدستوري في مواجهة الانفصال باللجوء إلى نصوص تتيح لها حلّ برلمان الإقليم وحكومته والدعوة لانتخابات مبكرة، فيما يسيطر الغموض حول نتائج الدعوة الإسبانية ومقابلها القرار الكتالوني، أين سيقف الشارع؟ وإلى أيّ مدى ستبقى المواجهة دستورية وقانونية وسياسية؟ وماذا لو انفجرت في الشارع وتحوّلت إلى ما هو أخطر؟
القلق الأوروبي الجديد المدفوع بضغط الأزمات الاقتصادية وصراع الهويات، في زمن القلق الأصلي من خطر الإرهاب وموجات النزوح، يضع الحكومات الأوروبية أمام تحديات يصعب أن تصمد في مواجهتها، ففي البلدان التي لا تعاني الكثير من الأزمات كألمانيا وفرنسا حملت الانتخابات مؤشرات على نمو اليمين العنصري وظهور النازيين الجدد كظاهرة اجتماعية قوية، فكيف سيكون الحال في البلدان الأضعف، كإيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان؟
بجوار أوروبا المنكفئة نحو هموم الداخل، أميركا العاجزة عن فرض منطقها ومعادلاتها لحلّ أزمات العالم، وهي تعيش حال التراجع في مكانتها ومكامن قوّتها، فتصير القوى الإقليمية والمحلية هي الأقدر على صناعة الحلول والتسويات والحروب، وتحت هذا العنوان بدا العراق الخارج من تحت وطأة تهديد الانفصال أشدّ قوّة من بلد أوروبي عريق كإسبانيا، مع تحالفات إقليمية فاعلة تمكّن معها من رسم معادلات منعت الانفصال وفرضت لغة الحوار، التي تشترط لها حكومة بغداد إعلان كردستان إلغاء الاستفتاء لا مجرد تجميده، وأعلنت بلسان رئيس حكومتها حيدر العبادي وقفاً للنار لأربع وعشرين ساعة إفساحاً في المجال أمام مساعي التهدئة، بينما يتّجه الفريق الكردي المعارض لرئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود البرزاني، والذي يمثله حزب الرئيس الراحل جلال الطالباني، لطلب رأي المحكمة الدستورية في بغداد كمرجعية في تفسير الدستور، لتحديد شروط الحوار بتجميد الاستفتاء أو إلغائه، ودعوة الجميع للالتزام سلفاً بما سيصدر عن المحكمة الدستورية.
لبنانياً، يتواصل السجال حول آليات إجراء الانتخابات النيابية سواء بالبطاقة البيومترية أو من دونها، أو بالتسجيل المسبق أو من دونه، مع عجز لجنة الانتخابات الوزارية عن التوصل لأيّ تفاهم، وطرح تساؤلات حول ما إذا كان هناك مَن يريد تأجيل الإنتخابات؟
سياسياً، دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لخطة تحقق الاستقلال الناجز للقضاء، مبشراً بخطوات إصلاحية متعدّدة العناوين والمجالات، مع مرور سنة على انتخابه، بينما لا يزال ملف عودة النازحين السوريين الأولوية التي تتصدّر الاهتمامات. وعلى هذا الصعيد نقلت مصادر سياسية مطلعة معلومات عن تكليف الرئيس عون للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كمبعوث رئاسي إلى دمشق لمتابعة ملف النازحين..
المسؤولون يطمئنون: وضعنا أفضل من السابق ولا خطر على الاستقرار
لم تشهد الساحة الداخلية أي جديد يُذكَر باستثناء فشل اللجنة الانتخابية المكلّفة متابعة تطبيق قانون الانتخاب في اجتماعها أمس، في الخروج بحلول للنقاط العالقة في القانون، وبالتالي ستدخل البلاد في حالة استرخاء سياسي في عطلة نهاية الأسبوع على أن تعود الحركة مطلع الأسبوع المقبل مع اجتماع جديد للجنة الانتخابية وتحديد جلسات متتالية لمجلس الوزراء في السراي الحكومي مخصّصة لمناقشة موازنة العام 2018، بينما تتّجه الأنظار إلى بعبدا التي تحدّثت مصادرها عن خطوات رئاسية جديدة يستعدّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لطرحها على الصعيدين الداخلي والخارجي للضغط باتجاه وضع أزمة النازحين السوريين على سكة الحلّ قبل انفجارها. وربّما يتحدّث عنها خلال إطلالته على اللبنانيين مساء الاثنين في السنوية الأولى للعهد في حوار مباشر مع رؤساء تحرير القنوات التلفزيونية على مدى ساعة.
غير أن مؤتمر الطاقة الوطنية الذي عُقِد في البيال برعاية وحضور رئيسَيْ الجمهورية والحكومة وعدد من الوزراء، شكّل فرصة لإطلاق المواقف حملت خريطة طريق للتعامل ومواجهة الملفات المالية والاقتصادية والسياسية.
وقد ركّزت الكلمات على الوضع الاقتصادي والمالي والمصرفي والتي عكست بحسب مصادر اقتصادية مناخاً إيجابياً لجهة الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي الذي بدأ بالتحسّن التدريجي بعد إنجاز التسوية الرئاسية والحكومية وتطوّر بعد إقرار الموازنة والإصلاحات المالية والضريبية وإقرار سلسلة الرتب والرواتب. الأمر الذي سيُعيد الثقة المحلية والخارجية بالاقتصاد اللبناني ويجعل من لبنان نقطة جاذبة للاستثمار وللسياحة. مشيرة الى أن كلّ ذلك تحقّق بفعل المناخ السياسي المستقرّ نسبياً والتوافق بين الرؤساء الثلاثة في مختلف الملفات.
وفي سياق ذلك، أكّد رئيس الحكومة سعد الحريري أن واجبه «منع الانهيار وتثبيت الاستقرار وإعادة الدولة كي نستطيع معالجة الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي الصعب».
وقال خلال حفل عشاء لمناسبة إطلاق مؤتمر الطاقة الوطنية: «الحكومة عمرها 10 أشهر، وهي أنجزت التعيينات والتشكيلات التي سبّب غيابها فراغاً، كما أقرينا قانون الانتخاب الجديد»، لافتاً الى أنه «خلال الأشهر العشرة وضعت الحكومة أزمة النزوح السوري على طاولة المعالجة، كما وضعت المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في هذا الملفّ». مطمئناً الى أن «وضعنا اليوم أفضل من وضعنا قبل عام، كما أن وضعنا بعد عام سيكون أفضل بكثير من وضعنا الحالي».
أما وزير المال علي حسن خليل، فأكد أن «رئيس الجمهورية ميشال عون يعكس إرادة اللبناني الحقيقية بالقدرة على التغيير والوصول الى الأهداف التي يصبو اليه، لافتاً إلى «أننا نؤمن بأننا نستطيع تغيير الواقع ورغم الصعوبات بدأنا نلمس تغييراً حقيقياً في واقعنا على أكثر من مستوى»، مؤكداً أنه «لنا ثقة باستقرارنا المالي وهي مبنية على وقائع حقيقية، ولكننا أمام أزمة على المستوى الاقتصادي ما يستوجب منا التخطيط».
من جهته كشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن «تقارير عدّة أجمعت على أن لبنان مستقر اقتصادياً ومالياً، بالتالي فإن مصرف لبنان يشاطر التقارير الرأي، مستنداً على وضع نقدي سليم أهم مقوّماته ميزان المدفوعات الذي عاد الى التوازن». وأوضح أن «نسبة النمو في لبنان تقارب 2.5 في المئة، وهي قابلة للتحسن خلال 2018، علماً أن البلد يحتاج إلى نسبة نمو تصل إلى 6 في المئة»، موضحاً أن استقرار الليرة هو قرار حكومي وشعبي والإمكانيات متوفرة لتأمين استقرارها».
وفي موقف استباقي لصدور قرار العقوبات الأميركي الجديد على حزب الله، أشار سلامة الى أن «لبنان يواجه تحديات تتطلّب مقاربة رصينة، ومنها التشريعات الدولية المتعلّقة بمكافحة التهرّب الضريبي، والآليات لتطبيق القوانين كافية ولن نحتاج الى آليات أخرى». ولفت الى أن «الحكومة ومجلس النواب أقرا القوانين اللازمة ليبقى لبنان منخرطاً في العولمة وقوانين لها علاقة بمكافحة الفساد ومكافحة التهرّب من الضرائب»، مشيراً الى «اننا لمسنا من السلطات والمصارف مؤشرات إيجابية».
اللجنة الانتخابية فشلت.. ورحّلت خلافاتها إلى الاثنين
في غضون ذلك، فشلت اللجنة الانتخابية مجدداً في التوصل الى توافقٍ حول آليات تطبيق قانون الانتخاب الجديد ورحّلت الخلافات حول البنود العالقة الى اجتماعها الذي سيعقد يوم الاثنين المقبل، بينما لفتت مصادر وزارية الى أنه إذا تم إلغاء فكرة التصويت في مكان السكن تحلّ المشكلة كلها ومسألة التسجيل المسبق والبطاقة البيومترية.
وخلال اجتماعها أمس، برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري في بيت الوسط، ناقشت اللجنة البطاقة البيومترية والتسجيل المسبق للمقترعين في أماكن السكن، حيث بقيت مواقف الاطراف على حالها، غير أن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق تحدّث عن «تقدّم طفيف جداً ولم نتوصل لأي قرار»، مشيراً الى أن «موضوع إعطاء البطاقة البيومترية لبعض الأشخاص يناقش من الزاوية القانونية».
ورداً على اقتراح وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل التبادل معه في المقاعد الوزارية، أعرب المشنوق عن استعداده لمبادلة وزارة الداخلية بالخارجية»، مشدّداً على أن كلّ ما يحصل لن يؤثّر على موعد الانتخابات وهي في موعدها أياً تكن الظروف التقنية».
لماذا لم تبادر وزارة الداخلية بوضع بنود القانون موضع التنفيذ منذ إقرار القانون الجديد؟ ولماذا لم تسرّع بإصدار البطاقة البيومترية والبطاقة الممغنطة لسائر اللبنانيين؟ ولماذا لم ترصد الحكومة الاعتمادات اللازمة لتغطية ذلك؟ ولماذا لم تعمل القوى السياسية التي تتمسك بالاصلاحات في القانون الجديد على تطبيق هذه الاصلاحات نفسها التي وردت في قانون وزير الداخلية الأسبق مروان شربل عام 2012؟ فمن يعرقل إجراء الانتخابات النيابية؟ وهل سنشهد مفاجآت تقنية أو سياسية قبيل موعد الانتخابات تتخذ كذريعة لتمرير تمديدٍ رابع، كما حصل في مسرحية التمديد الثالث؟
مصادر وزارية مطّلعة على الملف رفضت تحميل وزير الداخلية أو وزارة الداخلية وحدهما مسؤولية المماطلة في إيجاد الآليات لتطبيق القانون»، مشيرة الى أن «وزير الداخلية لا يمكنه البدء بتطبيق القانون من دون تفاهم سياسي وتوافق على رصد اعتمادات لذلك، لأن كل إصلاح تقابله تكلفة مالية معينة ويحتاج ايضاً الى وقت لتطبيقه»، ولفتت لـ «البناء» الى أن «الوقت لم يعد يسمح بإصدار البطاقة البيومترية والتسجيل المسبق للمقترعين في أماكن السكن قبيل حزيران المقبل». والحل برأي المصادر أن الذي «يحفظ إجراء الانتخابات في موعدها هو تطبيق هذه الإصلاحات بعد أربع سنوات أي في الانتخابات المقبلة».
وأوضحت المصادر أن «إصدار البطاقة البيومترية لكل اللبنانيين يحتاج الى وقت، الأمر الذي يفرض على الداخلية إعداد جداول وسجلات جديدة لكل اللبنانيين تظهر أسماءهم وبصماتهم كي تسهل على رئيس القلم التدقيق وتسهيل عملية الاقتراع»، لافتة الى أن «تطبيق الإصلاحات في الانتخابات المقبلة سيخلق مشاكل أخرى ستعرقل الانتخابات، فمن الأفضل تأجيل النقاط العالقة الى الانتخابات المقبلة».
وعن التسجيل المسبق خارج مكان القيد، أوضحت المصادر أن «التسجيل المسبق للناخبين سيخفض نسبة المشاركة في الانتخابات، لكن التخلّي عن ذلك يتطلّب نظاماً الكترونياً يربط المناطق كافة وأقلام الاقتراع بعضها ببعض لتقليص عملية التزوير، حيث يشطب كل مقترع من السجلات تلقائياً وحينها ننظم عملية الاقتراع وفي الوقت نفسه نمنح الحرية للمواطنين بالاقتراع، حيث يشاؤون». كما أوضحت أن «التصويت على الهوية العادية أيضاً سيؤدي الى عمليات تزوير فضلاً عن أن العديد من المواطنين لا يحوزون على بطاقة هوية»، لكنها اعتبرت أن «إجراء الانتخابات وفقاً للآليات التقليدية، ورغم الظروف الحالية، فإنها أفضل من التمديد أو تأجيل الانتخابات».
ولاحقاً ردّ المشنوق في بيان لمكتبه الاعلامي على الاصوات التي حمّلته مسؤولية عدم الاتفاق ودعته الى الاستقالة من منصبه، ورمى الكرة الى الملعب السياسي، وأشار الى أن «الخلافات بين القوى السياسية هي التي حالت دون الاتفاق على كيفية تطبيق القانون، خصوصاً الخلاف على الاقتراع في مكان السكن، لمن يرغب، وفق التسجيل المسبق، أو بدونه، ولا تزال هذه الخلافات مستمرّة بعيداً عن دور وزارة الداخلية التنفيذي للقانون». ودعا إلى تطبيق قانون الانتخابات خارج المماحكات السياسية لأنّه مسؤولية وطنية كبرى وليس مادة للتجاذب، وأكّد أنّ «الانتخابات النيابية ستجرى في موعدها المحدّد، بحسب القانون الجديد، ومن دون أيّ تأجيل، وبلا أيّ تأخير».
عون: لبنان يرفض توطين أحد على أراضيه
وكان الرئيس عون قد أطلق جملة مواقف، لا سيما من أزمة النازحين السوريين، وسط معلومات تحدثت عن تكليف رئاسي رسمي للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم للتواصل مع المسؤولين السوريين للبدء بوضع خطط عاجلة لإعادة النازحين، في وقت أعلن اللواء إبراهيم أمس، عن استعداده لتولي هذه المهمة، وكان إبراهيم زار دمشق من أيام للتنسيق مع السلطات السورية في عدد من الملفات بين البلدين.
وأبلغ عون وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية وشؤون الكومنولث والتنمية الدولية أليستير بورت الذي يزور بيروت «أن لبنان يطالب بالإسراع في إيجاد حل نهائي للأزمة السورية، لأن أي تأخير في هذا الحل يزيد من معاناة السوريين ومن تداعيات نزوحهم إليه»، مؤكداً أن «لبنان يرفض توطين أحد على أراضيه».
الراعي: المناطق الآمنة تشجّع على العودة
وفي موقفٍ يتماهى مع موقف رئيس الجمهورية، أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من الولايات المتحدة، حيث زار اكليريكية سيدة لبنان المارونية الى أن «بالنسبة إلى النازحين السوريين، أقرّ اتفاق أستانة بين روسيا وتركيا وإيران، في 17 أيار 2017، إقامة أربع مناطق آمنة لهم في كل من أرياف: إدلب، وشمالي حمص، وشرق الغوطة، وجنوب سورية. وقد أقر ترسيم خرائط هذه المناطق في 22 أيار من السنة عينها، فلا بد من عودة الجميع إليها، بدءاً بالذين في لبنان ولا سيما الذين هدمت بيوتهم بالكلية».