المنتصر لا يُستفَزُّ
روزانا رمّال
كانت الصورة قبل الأحداث المتتالية في الأيام الماضية أكثر ضبابية لجهة ما يُحضَّر للساحة المحلية اللبنانية، والذي لا يزال في جزء منه قيد التحضير، حسبما تنقل مصادر سياسية رفيعة لـ «البناء»، حول احتمال أن تكون الساحة الداخلية على موعد مع خضّة سياسية من نوع اهتزاز حكومي من الباب العريض، إذا لم يتمسّك الأفرقاء بالحكمة المطلوبة. وتضيف المصادر «العين على رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يبدو حتى اللحظة منسجماً مع مواقفه من التوافق الذي دخل على أساسه الصيغة الحالية للحكم، لكن السؤال عن مدى إمكانية الحريري الوقوف بوجه خصومه على الساحة «السنية» المحلية والحليفة «السنية» الكبرى المملكة العربية السعودية خارجياً، والتي تضخّ سيلاً من التصريحات والتحرّكات في الآونة الأخيرة في انتقادها للشراكة مع حزب الله والتصدّي له انسجاماً مع ما يستصدره الكونغرس الأميركي بالساعات بمعاقبة كل جهة تتعامل مع الحزب، ما من شأنه إحراج الحريري قبل الانتخابات على الساحة «السنية» ما قد يأخذه إلى خيارات كبرى لإعادة شدّ العصب السني. ويختم المصدر «أن أحداً لا يشتبه عليه بمعرفته باللعبة السياسية اللبنانية معنى تصريحات المسؤولين السعوديين المكثفة حول حزب الله ومعنى دعوة الأفرقاء اللبنانيين لزيارتها مؤخراً، والذي جاء على شكل استدعاء للتكليف بمهمة جديدة أو لرسم شكل العلاقة بالسعودية ونظرتها إلى الوضع المحلي بالفترة المقبلة، وتبدو معالم هذه اللقاءات التي سبقتها لقاءات مشابهة في بيروت في وقت سابق لحلفاء المملكة أوضح من أي وقت مضى».
ما جرى في الأيام الماضية وما تتابع فصوله تصريحات سعودية تؤكد خطة مدروسة لاستهداف حزب الله، وتؤكد أن جزءاً منها تمّ امتصاصه بطريقة أو بأخرى، بغضّ النظر عما إذا كان هذا تدارك من الجهة المعنية أو المستهدفة أو إخفاق في الدراية بعقل حزب الله ومنهجية تعاطيه مع الأمور.
لا يمكن فصل ما جرى في «حي السلم» عما يجري في العقل العربي والغربي الباحث دائماً عن أوجه استهداف الحزب وأشكاله. والناحية الأخطر هنا هي السعي لتقليب القاعدة الشعبية التي ينتمي إليها حزب الله وتنتمي إليه على قيادته عملاً بالمشروع نفسه الذي جنّدت لأجله الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 500 مليون دولار خلال خدمة السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان لتشويه صورة الحزب وأمينه العام، ولعل أهم ما يمكن استغلاله اليوم بعد ثورات الربيع العربي كأحد الخيارات التي لم تنفذ سابقاً هي «تقليب» الشارع على القيادات من البوابة الاجتماعية الاقتصادية. وهو ما بدأت ذيوله في «حي السلم» ليتشرّع التساؤل عن التوقيت والمكان فيصبح نقطة أخذ وجذب في مثل هذه الظروف. فماذا يعني أن يبدأ الإصلاح من الضاحية الجنوبية لبيروت وكيف يمكن اعتبار هذا الأمر عرضياً في الوقت الذي يجهد فيه حزب الله لتخطي الضغط تلو الآخر محلياً وإقليمياً؟
المخالفات ولكثرتها في لبنان تعرّي هذه الحادثة بالكامل، والتي تابعتها مؤسسات إعلامية خصمة لحزب الله، والتي صوّرت المشهد على أنه «نجاح» لما قد رسم. وهو «تقليب» بيئة حزب الله على قيادتها من البوابة الاجتماعية، ليتبين أنه ورغم هذا الضخ لأكثر من 48 ساعة أن الأمور لا زالت في مكانها بسبب حنكة واضحة في التعاطي.
فكيف ذلك؟
نجح حزب الله في وأد الفتنة التي كانت تتحضّر لقاعدته الشعبية في مهدها، عبر تعامله مع الأمر ببرود كبير وبنزوله عند الشرعية أي شرعية الدولة في إزالة المخالفات معمماً على كل المصادر الإعلامية والكواليس السياسية والأمنية المباشرة وغير المباشرة فكرة عدم تغطيته للفساد لا من قريب ولا من بعيد، وعدم وقوع أي جهة بلغط لا تمّت لمواقف حزب الله بصلة.
التعاطي العنيف مع المخالفات في إزالة التعديات في «حي السلم» يحكي كمية الغضب الذي كان من المفترض أن يفجّر الشارع، في ما لو اعترض الحزب على هذه الطريقة العنيفة والمستفزة للفقراء بالحد الأدنى وفشله في حمايتهم أمام السلطة أو بالحد الأدنى تغطيتهم، وفي الحالتين المشكل محتّم.
في الإطار نفسه، صار يمكن ربط زيارات قيادات 14 آذار سابقاً الى المملكة العربية السعودية بالتوالي، والعودة بتلويحات بانسحاب بعض الوزراء من الحكومة يُضاف اليها ما هو أهم والمتمثل بالخطة المطروحة للتنفيذ بالقرار الأميركي المتخذ مسبقاً تجاه توسيع العقوبات على حزب الله وإقرار الكونغرس مشاريع عقوبات أوسع قادرة على التضييق على حزب الله، وكل من يتعامل معه من شخصيات سياسية وأحزاب ومؤسسات إعلامية ومصارف. وكلها امور كانت مطروحة ضمن اجتماعات قدامى 14 آذار منذ أشهر. أيضاً وأيضاً لا يمكن فصل سلوك حزب الله واستغلال خصومه لتعاطيه مع قرار الحكم بالإعدام على حبيب الشرتوني، من وضعه ضمن الحملة المستنفرة للتضييق عليه أمام جمهوره الذي رأى في الحزب هدوءاً غير مفهوم حيال ما كان مفترَضاً الدفاع عن خيار وهالة وفكر مقاومة العدو «الإسرائيلي»، وإذ به يمرّر الملف بأقل تكلفة معنوية ممكنة.
تبدو الخلاصة واضحة ويبدو حزب الله ينجح من قبل بتمييع الخطط الأميركية، وتبدو في هذا السياق تغريدات الوزير السعودي تامر السبهان أبلغ تأكيد وآخرها استغرابه صمت الحكومة والشعب في لبنان، والمقصود عن ممارسات حزب الله، وهو وحده إقرار بالعجز حتى اللحظة وفشل المخطط.
باختصار يقول «دهاء» حزب الله السياسي لخصومه: المنتصر في المنطقة «المنتصر لا يُستفزّ».