حزب الله… وقيمة الرئيس الجبال

هتاف دهام

بعد سنة من تولّي العماد ميشال عون سدّة الرئاسة، تأكّد لحزب الله بشقّيْه السياسي والعسكري صوابية كلام السيد حسن نصرالله أنّ يوم انتخاب العماد عون لرئاسة الجمهورية هو بدء تاريخ جديد للبنان. وتأكد له أيضاً أنّ نظرته إلى الرئيس عون غير العادي هي نظرة في الصميم لما يريده من العهد. مَنْ سكن قصر بعبدا ليس «جبلاً» بل «جبالاً»، وقد تجلّى ذلك بالنسبة للمقاومة، في الشراكة بالالتزام والثوابت الاستراتيجية المشتركة أمام التهديد «الإسرائيلي»، يؤكد قطب سياسي مطلع على موقف حزب الله لـ «البناء».

استطاع «فخامة العماد» بتبادلية العلاقة المرنة بينه وبين الأمين العام لحزب الله، أن يمثل بُعداً استراتيجياً ساهم بتحدّي سياسات إقليمية ودولية جعلته في مرمى التصويب الأميركي و»الإسرائيلي». فـ «الإسرائيليون» اعتبروا أنّ قبول الدكتور سمير جعجع بترشيح عون هو نوع من «القنبلة الثقيلة» التي سقطت ووصلت شظاياها إلى الزوايا كلها.

ردّ الرئيس عون على «وقفة وفاء» حزب الله بوقفات وفاء في المحافل العربية والدولية وفي بعض العواصم. بالنسبة إليه، لا يتناقض سلاح المقاومة مع مشروع الدولة، إنما هو جزء أساسي من الدفاع عن لبنان. وطالما هناك أرض تحتلها «إسرائيل» وطالما أنّ الجيش لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة هذا العدو، فهناك ضرورة لوجود هذا السلاح، لأنه مكمّل لعمل الجيش ولا يتعارض معه.

أيقن حزب الله جيداً أنّ الرئيس عون هو الغطاء المسيحي المتمدّد على المستوى الجغرافي وعلى مستوى الولاء المناطقي الواسع. من هنا جاء تمسكه بأهمية جلوسه على كرسي الرئاسة الأولى. صحيح أنّ رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية هو الحليف الأكثر التصاقاً بالمعنى المرتبط بالتاريخ الأطول مع حزب الله، بحسب المصادر نفسها، لكن فعالية فرنجية بالتأثير على العمق المسيحي الوجداني الشعبي والكنسي محدودة ضمن جغرافيا ضيّقة. فهو غير قادر على تأمين غطاء مسيحي واسع بالمعنى الوطني. علماً أنّ عاملَيْن مشتركين يجمعان رئيس الجمهورية ورئيس تيار المردة عند حزب الله: الأول أنّ الرجلين من بيئة مسيحية واحدة. والثاني أنّ بعبدا وبنشعي حليفتا حارة حريك.

إنّ الخط الساخن بين القصر الجمهوري وحارة حريك، زاخر، كما تشير المصادر، بالمعاني الوطنية المترجمة محطات عدة بدأت من الرابية قبل عدوان تموز 2006، ومرّت باعتصام بيت الوسط وأحداث 7 أيّار، والمشاركة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، مروراً بزيارة العماد عون في العام 2010 دمشق واعتباره هذه الزيارة تأريخاً لنهاية مرحلة قديمة وبداية مرحلة جديدة قائمة على تنقية الأجواء بين الدولتين السورية واللبنانية بعد محطات قاسية تاريخياً، وإنعاشه المسيحية المشرقية، وصولاً إلى موقفه المتميّز من الأزمة السورية وتأكيده دور حزب الله في محاربة الإرهاب.

بمعزل عن كلّ ما تقدّم، تحكم علاقة حزب الله ورئيس التيار الوطني الحرّ الوزير جبران باسيل تمايزات موضعية. تمايزات يستوعبها حزب الله. فهو يدرك الهوامش المتروكة لوزير الخارجية والاعتبارات الداخلية المتنوّعة. صحيح أنّ الحزب توقف مراراً عند ما أسماه «الخطاب المسيحي الطائفي» الذي لجأ إليه باسيل في مرحلة معيّنة، لكنه أوعز إلى وزرائه ونوابه ومسؤوليه عدم الردّ المباشر أو غير المباشر كرمى لـ «العهد العوني».

يتفهّم حزب الله أهمية أن يستعيد «سيد بعبدا» من ضمن الثوابت، الشراكة المسيحية في الدولة والنظام، من دون أن تصل هذه الشراكة مع الرئيس سعد الحريري إلى حدود المسّ بالاستراتيجيا من جهة، ومن دون أن يشتمَّ منها رائحة فساد تسيء إلى التيار وإلى جمهوره وقدرة حزب الله على تحمّل مستوى كهذا، علماً أنه يرفض التعليق على ما يُشاع عن صفقات بين الرئيس الحريري والوزير باسيل، طالما أن لا إثباثات تؤكد الهمس المقرون بالمزايدات المسيحية الانتخابية، تقول المصادر نفسها.

أعلن الرئيس عون أمس، أنه سلّم الوزير باسيل رئاسة «التيار» قبل أن يتسلّم سدة الرئاسة، الذي لديه الكفاءة للتقدم بالحزب الممثل في الحكومة، وعليه أن يكون بالمجالس التي تحاسب»، مشدّداً على أنّ باسيل يدير الحزب وليس البلد. ورغم ذلك، فقد خرجت في الآونة الأخيرة إشارات كثيرة تتحدّث عن أنّ الرئيس عون سيورّث القيادة للوزير باسيل. وبحسب حزب الله، كما تشير المصادر، فإنّ التحدّي يكمن في جدارة وزير الخارجية بالحفاظ على هذا الإرث وعلى القوّة والديمومة نفسيهما، مع تشديد حزب الله على أنّ المسألة لا زالت قيد الاحتمال. فكلّ ما يُقال عن صحة الرئيس عون يبقى كلاماً لا معنى له، وبالتالي حارة حريك لا تقيّم الأمور بهذه الطريقة، وإنْ كانت في كواليسها تضع حسابات ورؤى عدة لهذا الاحتمال على الرفّ الأعلى، وليس على طاولة البحث.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى