المحافظة على حكومة الحريري اختبار «اعتدال» المملكة
روزانا رمّال
صحيح أن الهواجس كبيرة بخصوص ما تنوي المملكة العربية السعودية التقدّم فيه نحو لبنان، إلا ان البحث بسياسة الاعتدال التي ترغب المملكة تسويقها عربياً ودولياً بعد اتهامات لها برعاية الإرهاب الأزمة التي أحدثها قانون جستا الأميركي الذي أباح محاسبة الحلفاء، بمعنى رفع الحصانة عن دول او عناصر من دول ثبت تورطها بأحداث 11 ايلول للمرة الاولى، ولو كانت دولاً حليفة او صديقة يضاف اليها النقاط السوداء التي أحاطت بصورة السعودية في اكثر من محفل أممي حقوقي بخصوص الحرب على اليمن. كلها صارت مؤشرات ضاغطة على إعادة إجراء تعديل سريع في سياسة الرياض قبل أن تضع الحروب أوزارها في المنطقة وتصبح مسألة تقبّل دخول السعودية بتسويات أمراً معقداً.
البحث عن فسحة اعتدال لا يتعلّق فقط بصورة السعودية التي يستوجب تلميعها بعد كل رواسب الحروب، ومنها ما هو مستمرّ في اليمن من دون أي تقدّم باتجاه الحديث عن إنجاز سعودي واضح الأثر هو أمر اساسي، لأن أبعاده السياسية تتكفل بإعادة تصحيح مسار العملية التفاوضية والعملية الانتقالية في المنطقة ككل. فالسعودية التي تلعب دوراً مباشراً في الأزمات ليست طرفاً عربياً مقبولاً بالمفاوضات وقد حلّت محلها بهذا الإطار دول عربية وخليجية أخرى، منها مصر وسلطنة عمان والكويت بعد ان كانت الرياض هي نقطة جذب والتقاء المتخاصمين من أجل إيجاد حلول لأزماتهم، وإذ بالسعودية وقطر على حد سواء يخرجان من هذه الصيغة لكونهما الدولتين الأكثر اصطفافاً من عمر الأزمات العربية.
هذه الاستدارة تحتاج جهداً كبيراً وترجمة على مختلف الأصعدة والميادين في الأماكن التي تبدو فيها السعودية «وازنة» الحضور أو «نافذة» ولا يمكن التعاطي بازدواجية هنا بين الخطاب بالمحافل الدولية والمناسبات الإعلامية والمؤتمرات كالحديث الأخير للأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لشبكة «رويترز» عن نيّة بلاده القضاء على التطرّف والتوجّه نحو الاعتدال بغض النظر عن رؤيته لهذا الخيار وآلية العمل المفترضة بالتالي، فإن العودة إلى مفاهيم التطرّف والتصعيد السياسي والأمني سيمعن في تغليب صورة السعودية التي صبغتها لأكثر من سبع سنوات، وبالاخص تلك التي صارت تشكل خطراً في المجتمعات الأوروبية والغربية، وبهذا الإطار تجربة الموقف الأميركي من الرياض ليست واعدة ولا مشجّعة بالعودة لقانون «جستا» ولحديث اوباما عن تمويل السعودية للإرهاب في مجلة اتلانتك الشهير ولكلام الرئيس دونالد ترامب عندما كان مرشحاً للرئاسة أكان لجهة اتهام السعودية بقتل اليمنيين أو بصناعة داعش وتمويلها قبل أن يتراجع عن هذا ويعزز أواصر العلاقة بعد أن لعبت المملكة دوراً غاية في الأهمية لتحسين صورتها عند المجتمع الأميركي. وهي الخطوة الأولى باتجاه الالف ميل عشية استقبال الرئيس دونالد ترامب وعقد أكبر صفقة مالية اقتصادية استثمارية في التاريخ الحديث بين البلدين. وكل هذا يعني في ما يعنيه ان المجتمع الأميركي جاهز للتماشي مع فكرة شيطنة المملكة العربية السعودية، حيث نجحت الإدارة الأميركية بابتزاز الرياض من هذا المنطلق.
يشكل سعد الحريري رئيس وزراء لبنان أحد أوجه هذا الاعتدال السعودي المنشود. وإذا كان هناك من نيات للتصعيد بوجه حزب الله في لبنان باتت معروفة سلفاً كخيارات لا يبدو أن جميعها قادر على إحداث فارق مباشر على صعيد واقع تقدّم حزب الله في المشهد السياسي اللبناني بعد تقدّمه إقليمياً في سورية وغيرها، فإن هذا يضع السعودية امام اختبار كبير وحده سعد الحريري قادر على تصحيح مسارها في لبنان. وهو قد بدأ ذلك عبر الخيار التوافقي الذي انتهجه مع باقي الأفرقاء الذين مدّوا يد العون أيضاً من أجل هذا الخيار من دون استثناء.
إن فصل الصيغة التوافقية بين الحريري وعون وحزب الله عن المشهد السعودي يبتعد عن المنطق. وفي كل الأحوال وبغض النظر عن نفي المملكة أو إعلانها لذلك فإن التسوية الرئاسية في لبنان، كما قال وزير خارجية ايران في مؤتمر دافوس هي احد أوجه الحوار الإيراني السعودي غير المباشر فلا حزب الله تخلّى عن إيران او انتهج ما يصبّ بخانة تجاوزها، ولا تيار المستقبل تجاوز خيارات السعودية في انتخاب عون أو تشاركه مع حزب الله في الحكومة، ولا يمكن لتصريحات السبهان او حتى بن سلمان أن تنفي هذه الحقيقة. زيارة الحريري الى السعودية تحمل في نتائجها عودة هادئة له تطلع الى المزيد من الاستثمار الاقتصادي وتغليب لغة تسيير أمور البلاد بدلاً من عودته بلغة مستفزة تنبئ بنيته الاستقالة من رئاسة الوزراء، كما كان يروج عن مخاوف من ان تكون زيارته هذه محطة تلقي هذا الإيعاز من السعوديين.
يمثل الحريري في لبنان وشراكته مع حزب الله وعون وباقي الأحزاب، أحد مشاهد الاعتدال السعودي ولا يمكن التخلي عن هذه الصيغة، اذا ارادت المملكة جدياً نسج خيوط اعتدال واضحة المعالم، لكن الأهم من هذا هو أنه وبقدر المحافظة على صيغة توافق حكومي ما بين حزب الله وتيار المستقبل تكون المحافظة على نسج بارقة وصل تجمع بين إيران والسعودية، مهما كانت الصورة قاتمة الآن.
شراكة المستقبل حزب الله بالحكومة حجر اساس ناجح لمرحلة مقبلة موسعة من عمر العلاقات الثنائية في المنطقة بين ايران والسعودية. ومن مصلحة المملكة السعودية المحافظة عليه. وهي إذ تصوب بتصريحاتها نحوه، أي نحو الشراكة مع حزب الله منعاً لإغراقها اكثر في تساؤلات حول محافظتها على الصيغة اللافتة تلك أمام الشارع السني المحلي والخليجي حتى صرفها في الوقت المناسب.