تكريم الفنّانين قصّاب باشي ونبعة واسماعيل في معرض فنّي جماعيّ

دمشق ـ لورا محمود

«لا أحد يعرف كيف يكون الفن مختبئاً تحت الأصابع، ما أن تحُكّه حتى يفوح عطره الجميل»، وهذا الفنّ الجميل كان مختبئاً تحت أصابع ثلاثة مبدعين سوريين اعتبروا الفنّ التشكيلي رسالة حياتهم من الفنان نذير نبعة العاشق للطبيعة والمحبّ لدمشق المرأة القادمة من الحلم والأسطورة والمتعمّق بمفهوم الصوفية، إلى الفنان نذير إسماعيل الذي رسم طوال نصف قرن وجوه مروراً بذاكرته، فكانت حاضرة في أعماله الانطباعية والتجريدية، مروراً بالفنان مروان قصاب باشي ناشر الفن السوري في أوروبا والعالم والذي بقي مستنداً إلى ذاكرته البصرية المشبّعة بالروحانيات.

لذا، لا يمكننا العبورعلى المشهد التشكيلي السوري والعربي أيضاً، من دون التوقّف والتأمّل طويلاً في تجربة كلٌ من نبعة وإسماعيل وباشي مبدعون جمعهم الفنّ والرحيل في سنة واحدة، وكتحية وفاء لروح الفنانين الثلاثة نظم المركز «الوطني للفنون البصرية» معرضاً تشكيلياً جماعياً ضم 30 عملاً فنياً منها 22 لوحة تنوعت بين التصوير الزيتي والأكريليك والحفر على المعدن والطباعة الحريرية والباستل وثماني منحوتات استخدمت فيها خامات البرونز والريزين والبوليستر والصلصال المشوي.

وحضر الفنانون الراحلون بعدد من اللوحات تعبر عن الأسلوب الذي اشتغلوا عليه لفترات طويلة من مسيرتهم الفنية ووزع على زوار المعرض كتاب «في أدب الصداقة» يضمّ رسائل متبادلة بين الراحلين الروائي عبد الرحمن منيف والفنان مروان قصاب باشي.

وفي كلمة للدكتور غياث الأخرس مدير «المركز الوطني للفنون البصرية» قال فيها: إن الفنانون المكرّمون كانوا من القامات السورية في إبداعهم وأخلاقهم، والمعرض يساهم بتدارك التقصير الحاصل في تكريم المبدعين الذي نحتاجه لتحقيق تفاعل الجيل الجديد مع ما قدّمه مبدعونا.

وأشار الأخرس بأن أي معرض سيقام في المركز الوطني سيكون تحية لقامة فنية سورية سواء مسرحي أو موسيقي أو شاعرأو فنان أو كاتب.

ونوّه الأخرس باندفاع الفنانين الشباب للمشاركة إلى جانب المخضرمين، فجاء المعرض خليطاً بين فنانين شباب وهواة وكبار ليؤكد ضرورة تفعيل الحركة الفنية.

وبدوره تحدث الفنان طلال معلا إلى «البناء» عن دور المركز الذي وجد ليقدّم الفن السوري بصورته الأمثل، حيث أن أحد أهم مهامه أن يلقي نظرة على تجارب الفنانين الذين رحلوا وإبرازها للمجتمع.

وأضاف: اليوم نكرّم بهذا المعرض ثلاثة من أهم رواد الحركة التشكيلية السورية. وأعتقد أن المحترف السوري محترفاً متقدماً زمنياً على المحترفات العربية لكنه لم يقدّم بالطريقة الجيدة التي تبرز مكامن الجمال فيه. وهنا يأتي دور المركز الوطني ليقدّم هذا الجانب.

وتابع معلا أن الأزمة في سورية وقفت في طريق تقدّم المحترف السوري فهو لم يتقدّم خطوات كبيرة باتجاه المذاهب الجديدة في مجالات الفنون المعاصرة، لكن الفنانين خارج الوطن يقومون بالمشاركة بهذه الجوانب.

ولفت معلا إلى أن الموهبة في مجال الإبداع هي الأساس إلى جانب معايشة الفنان لفنانين آخرين لتنتقل له الخبرة الأكاديمية فنحن لا ننسى أن شيخ التشكيل في سورية هو أبو صبحي التيناوي وهو فنان فطري يمتلك موهبة كبيرة لذا عندما نعود لبدايات الفن التشكيلي لا بدّ لنا من ذكره. كما أنّ اللوحة التشكيلية ما زالت تقدّم بشكلها المعترف به رغم أن المحترفات التشكيلية اليوم تعمل بمواد أخرى مع التطور التقني في مجال النحت الضوئي والمجسّمات والعروض الجسدية لكننا ننظر إلى الفن من خلال الفكر وليس من خلال ما يتم لصقه عن بعضه البعض. الفنّ التشكيلي السوري بخير طالما هناك إرادة للمحافظة عليه.

أما عميد كلية الفنون الجميلة والناقد الفني الدكتور محمود شاهين فأشار في حديث إلى «البناء»، إلى أنّ المعرض يتمتّع بالتنوع فكل الفنانين المشاركين في المعرض لديهم تجربتهم الفنية فهناك فنانين معروفين وأيضاً فنانين شباب، وأنا من المشاركين بمنحوتة من مادة البوليستر.

وأكّد شاهين أننا اليوم بحاجة إلى هذا النوع من الثقافة أي ثقافة الوفاء للمبدعين والمركز الوطني يعمل على رفع سويّة الحركة التشكيلية السورية سواء بالرسم أو التصوير أو النحت، وفي المستقبل سيكون للمركز مهام أخرى فقد صدر عنه كتاب للناقد الفني التشكيلي طارق الشريف، وسيصدر قريباً كتاب للفنان صلحي الوادي وهو ليس تشكيلي لكنه مبدع سوري.

وأوضح شاهين أن الحركة التشكيلية بحاجة إلى لملمة واهتمام ودعم لأنها لغة راقية تترجم نفسها كما الموسيقى فنحن أمة حضارية ولدينا إرثاً حضارياً كبيراً لذا يجب أنّ نوثق هذه الحركة التشكيلية، ونكرّس مثل هذه المبادرات كتأكيد على بقاء سورية لأبنائها المبدعين فحضارة الأمم تقاس بما لديها من مبدعين. نحن أمة حية لا تموت ورغم هذه الظروف التي تمرّ بها سورية ما زلنا ننتج ثقافة وفنّاً.

بدوره، أشار الفنان التشكيلي وليد الآغا إلى أن هذا المعرض التكريمي هو جزء لا يتجزأ من هدف المركز الذي دأب منذ نشوئه أن يكون على مستوى عالي من حيث النوعية والحضور والمضمون، الذي يُقدم وحتى الفنانين المشاركين هم من أهم الفنانين التشكيليين. القامات الوطنية الكبيرة يجب أن يقام لها معرض يليق بإبداعها.

«البناء» التقت بعض الفنانين المشاركين في المعرض، ومنهم الفنان التشكيلي عدنان حميدة الذي تحدّث عن مشاركته في المعرض، وأنه لم يتردّد في المشاركة. وأضاف أنّ هذا المعرض يبشّر باستمرار الفنّ التشكيلي السوري وصحّته. وقال: الفنان نبعة الذي كان بمثابة المعلّم والمحفّز له للعمل والإبداع وأيضاً الفنان نذير إسماعيل الصديق الحاضر في الذاكرة.

أما الفنانة فاطمة عثمان خرّيجة فنون جميلة وطالبة في المركز، فشاركت بالمعرض بمنحوتة من الخشب وتعتبر مشاركتها بمثابة تحية لروح فنانين وأساتذة كبار خاصة الفنان مروان قصاب باشي الذي تعتبره الأقرب لقلبها بأعماله وفنه.

والفنان عبيدة عامر خرّيج فنون جميلة ومشارك بمنحوتة من المعدن، تحدث عن الدعم الذي قدمه المركز لكلّ الشباب المشاركين والخبرة التي يكتسبها الفنان بمثل هذه المشاركات الجماعية.

ويذكر أن الفنان نذير نبعة ولد في دمشق، وتخرّج من كلية الفنون الجميلة في القاهرة قسم تصوير عام 1965. وكان أستاذ الدراسات العليا في قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة في دمشق. عمل في الصحافة السورية ورفع سويّة الرسوم التوضيحية والغرافيك فيها، وله عدد من المعارض الفردية، حاصل على الجائزة الفضية من «المعرض الدولي السادس لرسوم كتب الأطفال» من مؤسسة «نوما» ـ «يونيسكو» عام 1989. نال وسام الاستحقاق السوري عن درجة ممتاز عام 2005. توفي في الثاني والعشرين من شباط 2016، في حين كان من آخر نتاجاته الفنية رسومات بالحبر الصيني عن جرائم «داعش» وشذوذها الفكري.

أما الفنان مروان قصّاب باشي، فهو من مواليد دمشق 1934، تخرّج من كلية الآداب، عمل في مصنع صباغة وتقطيع جلود درس الرسم في الكلية العليا للفنون الجميلة في برلين حاصل على الجائزة الأولى في النحت وعلى جائزة «كارل هافر». بروفسور زائر للرسم في الكلية العليا للفنون الجميلة في برلين، واختير عضواً في المجمّع الفني البرليني 1993. توفي في الرابع والعشرين من تشرين الأول السنة الماضية.

نذير إسماعيل ولد في دمشق 1948 لديه أكثر من 62 معرضاً فردياً في كلً من دمشق ودبي وباريس وفيينا ووارسو، جرى عرض واقتناء أعماله في عدد كبير من صالات العرض والمزادات الفنية في العالم حاصل على جائزة «إنترغرافيك» في برلين عام 1980. كان لديه ولع بالأشياء المهملة يلتقط قطعة حديد صدئة، ويحوّلها إلى عمل فني، ويعيد الحياة إليها، توفي في الثاني عشر من تشرين الأول السنة الفائتة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى