حروب الهيمنة الأحادية
غالب قنديل
تثير حملة أوباما الحربية تحت عنوان مكافحة الإرهاب تساؤلات عدة مربكة ومحيرة للكثير من الخبراء عن حقيقة التوازنات العالمية وقد بدت بمثابة هجمة جديدة تتلبس قناع التصدي لأدوات أفلتت من السيطرة أو هي توشك على ذلك.
نظرة على التطورات والأحداث خلال السنة الماضية تكشف لنا أن الإمبراطورية الأميركية تعاند بأقصى قوة لديها وبشتى الوسائل قدر التسليم بسقوط هيمنتها الأحادية على العالم، وهي تبدي تصميماً شديداً على التحصن عند خط التراجع الذي رسمته بنفسها: عالم متعدد بقيادة أميركية أي الاعتراف بالتعدد الدولي على مضض بشرط الاحتفاظ بالهيمنة الأميركية وفقاً لوصفة العديد من مخططي السياسة الخارجية الأميركية الذين يشددون على مواصلة استعمال أدوات الحرب بالوكالة الجاري اختبارها منذ أكثر من ثلاث سنوات في سورية وبالشراكة مع «إسرائيل» و»الناتو» والحكومات التركية والسعودية والقطرية.
خلال السنة المنقضية تفجرت أزمة أوكرانيا وانهالت العقوبات الغربية على روسيا التي عوملت كأنها دولة مهيضة الجناح من العالم الثالث وليست قوة عظمى وعلى رغم ليونة التعامل الروسي الذي بدا أحياناً مسكوناً بوهم الشراكة التي طالما تحدث عنها السيد سيرغي لافروف في بداية فصول العدوان الاستعماري على سورية، وبالغ أحياناً في الرهان على الصدى الأميركي الذي تخيله الدبلوماسي المحنك رداً محتملاً على الإيجابية الروسية. ولطالما طلب الحليف الروسي من أصدقائه السوريين مداراة الولايات المتحدة على أمل تحفيزها للتصرف كشريك قبل أن تكشر عن أنيابها وتفرض على روسيا الانتفاض لكرامتها القومية كدولة عظمى، فكانت خلاصة موقف القيادة الروسية بمثابة رسالة اعتراف بصواب التقدير السوري لمدى تمسك الإدارة الأميركية بسلوكها الاستعماري العدواني.
على رغم السلوك الصيني الهادئ والمساير أحياناً فتحت واشنطن أبواب هونغ كونغ على مصراعيها أمام تحركات مناهضة للحكومة الصينية، وتمادى التدخل الأميركي والسعودي والتركي في تأليب الياغور على حكومة بلادهم المركزية، وانطلق تدريب الإرهابيين التكفيريين القادمين من الصين وروسيا الذين يظهرون في أفلام الترويج الداعشية ويجري تدريب وتنظيم مقاتلي الياغور والشيشان على السواء في حضن أردوغان.
عندما اختارت المؤسسة الحاكمة الأميركية باراك أوباما ودعمت انتخابه رئيساً كانت تبحث عن قائد لإعادة الانتشار العالمي بعد الفشل الذي حصدته من مغامراتها الاستعمارية في الشرق. ولم يكن ذلك استعداداً لتسويات توقعها الكثيرون، فالإمبراطورية الاستعمارية تريد استنزاف خصومها ولن تسلم بالمعادلات الجديدة قبل أن ترغمها التحولات على الرضوخ وتعدم أمامها فرص التحايل وهوامش المناورة. وتلك هي الحقيقة الناتجة من حقيقة المصالح الاقتصادية والسياسية والعقائد العسكرية للإمبريالية الأميركية.
الأجندة السرية هي الأصل في تخطيط الحروب الاستعمارية، وهي تضم لائحة أهداف تضعها الشركات الاحتكارية وتحملها للمؤسسة الحاكمة بجناحيها السياسي والعسكري. وقد أرغمت الأحداث الإمبراطورية الأميركية على التراجع في أجندتها من البند الشهير المتمثل بمنع قيام القوى العالمية المنافسة إلى محاولة استنزاف تلك القوى المنافسة التي فرضت وجودها انطلاقاً من نتائج الصمود السوري والتي تسعى الولايات المتحدة إلى عرقلة نهوضها وإخضاعها في قلب أي صيغ لاحقة للشراكة الدولية. فقد أخفقت الإمبراطورية بمحاولتها المستميتة لمنع نشوء تلك القوى، وكانت فصول العدوان على سورية كفيلة بتظهير ذلك الفشل، لكنها لم ترضخ للتوازنات الجديدة وما زالت تراهن على زحزحتها وتفكيك منظومات القوة المناوئة.
اليوم تتركز الخطة الأميركية على العمل الحثيث لمنع قيام تكتل عملاق يضم منافسي الولايات المتحدة والمتمردين على الهيمنة الأحادية. وهذا ما يفسر محاولات الإشغال المتفرقة والموضعية في التعامل مع روسيا والصين وإيران وسورية ودول البريكس ومحاولات الالتفاف على مصر.
إن المعنى الرئيسي لكلام المسؤولين والقادة الأميركيين عن حرب طويلة في المنطقة هو أنهم يخططون لاستنزاف طويل يمتد لسنوات ضد القوى المنافسة والمتمردة على الهيمنة الأحادية، بالتالي فالمؤسسة الحاكمة تريد من أوباما أن يسلم راية الحرب المستمرة ضد القوى المنافسة والمتمردة للرئيس الأميركي القادم، وهو ما يمكن لنا اعتباره مضمون الحرب الباردة الجديدة بفصولها الحارة.
تبقى إشارة معبرة أوردها الاقتصادي المعروف جوزيف ستيغلز، تعقيباً على الكلام عن خسائر الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، حيث سأل محاوريه عن أرباح شركات النفط والسلاح التي رعاها آل بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد وشركاؤهم وقال: هنا يقرأ الرئيس جورج دبليو ميزان الربح والخسارة وليس في عديد القتلى من الجنود الأميركيين أو ما تتكبده الشعوب الأخرى نتيجة الحروب الأميركية، فلا تتعجبوا لو صاح فوق الركام والضحايا: حمداً لله لقد انتصرنا!.
عضو المجلس الوطني للإعلام