وثائق…

شهناز صبحي فاكوش

تتوالى المجازر في الوطن مرة بعد مرة… وحين تطاول مدارس الأطفال تصبح الفاجعة أكثر إيلاماً… والمؤلم أكثر الصمت الذي يرافقها على المستويات كافة، إنسانياً وسياسياً وإعلامياً…

يصمت العالم… أهو وجوم من هول الحدث؟ أم لتهيئة المبررات الزائفة! كما يحدث عادة، فلا يأتي ردّ الفعل أو التنديد إلا بعد ساعات أو أيام… كما فعل مجلس الأمن وبعض الدول العربية والغربية، ربما كي بإذن الغول المتحكم… أمريكا.

هذه الأحداث لا تنسى وتبقى وثائق حية للتاريخ… لا تمّحي من الذاكرة. هل يمكن أن ننسى القصف الصهيوني على مدرسة بحر البقر المصرية؟ والقذائف التي انهالت على مدرسة عدنان المالكي في دير الزور خلال الأزمة السورية…

أطفال عكرمة في حمص استقبلوا العيد بأكفان بدلاً من ثياب العيد، وبدموع الأهل بدلاً من التهاني… هذا هو مشهد الأعياد في بلادي… تُعتصر أرواح الأبرياء مع اعتصار الكروم أواخر الصيف… فتهرب فرحة العيد، والعودة إلى المدرسة تهجر الكتب الحقائب.

وثائق لا تنسى… من الوثائق ما يحدث على مرأى العالم… يبقى ليُدين الفاعلين في التاريخ الآتي… ومنها ما يُكتشف ليفضح جرائم ومؤامرات… كما حدث في وثائق «ويكيليكس».

أما ما عثر عليه في مقرات «داعش» وأوكار الإرهابيين، في الدول التي طالتها أيديهم مصنّعة غربياً وأميركياً، كما حدث في بلادي سورية والعراق… وثائق تؤكد إجرامهم.

جديد ما كشف النقاب عنه وثائق في منزل يستخدمه «داعش» في العراق، تحدثت عنها «صاندي تايمز» التي اخترقت موقعاً «إسرائيلياً، وتبيّن الوثائق طموحات «داعش» في الاستيلاء على وثائق النووي الإيراني، واغتيال دبلوماسيين وأكاديميين، ومحاولة الحصول على أسلحة نووية روسية.

إحدى فرضيات الترويج لهذه الوثائق أنها لعبة استخباراتية أميركية ـ وليّة أمر داعش ـ للضغط على إيران لتدخل الائتلاف المسمّى دولياً… لكنه عملياً هش بامتياز لأنه لا يضم إلا أميركا وأذيالها الخليجية.

مهما كان الأمر من هذه الوثائق حرب نفسية أو حالة ضغط على إيران أو مهماز للفت نظر القيادة الروسية أو حلفاء سورية الأشراف. مهما تكن خيوط اللعبة على الجميع التنبّه حتى لا نقع في المحظور… ونقع في حالة التعامل مع ردود الأفعال…

الاستراتيجية العامة لـ»القاعدة» وأخواتها هي القيام بمثل هذه الأفعال، بإعلان مسبق أو من دونه. وليس غريباً عليها فقد حدث الكثير منها على الساحتين السورية والعراقية، منذ الاحتلال الأميركي للعراق، وحتى بعد سحب قواتها من الأراضي العراقية…

السياسة الغربية والأميركية التي صنّعت «داعش»، وما زالت تدعمها حتى مِن قِبل بعض دول ما يدعى بالتحالف، باعتراف الاستخبارات الأميركية. لن تعمل على تفكيك الطبيعة الاستراتيجية لـ»داعش» ولو ادّعت ضربها وتصنيفها في لائحة الإرهاب.

هي تقدم كامل التسهيلات لها للتجييش ضدّ العالم الإسلامي بتشويه صورة الإسلام عبر أفعال «داعش» الإجرامية. ومن خلال الانسجام بين الممالك والإمارات التي تحمل صفة العربية والتي صنّعها الاستعمار الصهيوني بواجهة غربية منذ سايكس ـ بيكو وبين ما تقدمه اليوم من تسهيلات عسكرية ولوجستية لـ»داعش».

هذا التسهيل وُجد ليسهّل تدمير كلّ عقبة أو حاجز أمام الهيمنة الصهيونية العالمية خاصة العالم الإسلامي، ما أدّى إلى تدمير ليبيا، وقبلها العراق، والصومال ومالي، واليوم محاولة تدمير سورية.

هذه المكوّنات التي تَحكم بتيجان وضع الاستعمار ختمه على تواجدها، ترى ذاتها مدينة له في ديمومة حياتها حتى الآن… ولكن إلى أي مدى؟

هؤلاء جميعاً حمقى ومجانين، يظنون أنهم سيجعلون روسية وإيران ودول البريكس تتخلى عن علاقاتها مع بعضها البعض، ودعمها لسورية التي تحارب اليوم الإرهاب العالمي المحقون فيها، نيابة عن العالم… خاصة ضدّ ربط التطرف بالإسلام الحنيف.

سورية التي لو كان هذا العالم الذي يدّعي التمدّن يعتنقه حقيقةً لجعلها واحة ومتحفاً للحضارات. سورية ليست كلمة تكتب… ولا مساحة جغرافية ترسم… إنها أسطورة ومدرسة علّمت وما زالت تعلّم العالم، بكلّ ما فيها بدءاً من الخوف وصولاً إلى الصمود.

سورية صانعة الأساطير العظيمة… فهي أعمق مستوطنة بشرية في التاريخ عمرها 300 ألف عام قبل التاريخ المكتوب… و7000 عام في التاريخ المكتوب.

أميركا صانعة عالم الهمجية والقتل والإجرام… الموت والخراب والدمار… كتبت به أبجديات وجودها. وثائق لا يمكن للتاريخ نكرانها… فما زال الجيل الحي يقرأها…

شتان ما بين الثرى والثريا… حتى الثرى لا يليق وصفها به… لأنه أطهر منها…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى