رئيس الجمهورية: الوحدة الوطنية أساس الاستقرار
شهدت أروقة قصر بعبدا أمس، حركة نشطة تمحورت حول إعلان الرئيس سعد الحريري استقالة الحكومة من السعودية. بدا مقرّ الرئاسة الأولى كخلية نحل غير مسبوقة في العهود الرئاسية السابقة. لم يتوقف الرئيس عون عن العمل منذ نبأ استقالة الحريري، بمعزل عن قراره التريّث في قبول الاستقالة بانتظار عودة الرئيس الحريري من السعودية، ليطّلع منه شخصياً على ظروف هذه الاستقالة، من منطلق أن الوحدة الوطنية تبقى بالنسبة للرئيس عون الأساس للمحافظة على الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد، وكل الجهود يجب أن تنصبّ، كما يؤكد، على ضرورة المحافظة على هذه الوحدة لاسيما في الظروف الدقيقة التي يمرّ بها الوطن، متحدّثاً عن تجاوب القادة السياسيين كافة مع جوّ التهدئة الذي يساعد في المحافظة على الاستقرار الأمني في البلاد من جوانبه كافة.
وعليه، فإن الرئيس عون لن يُقدم على خطوات من شأنها الاجتهاد في موضوع استقالة رئيس حكومة لبنان من خارج الأراضي اللبنانية. وهذا يدلّ بحسب وزير العدل سليم جريصاتي بشكل قاطع على رؤية وتوجّه سياديين، وعلى أن الاستقالة يجب أن تكون طوعية بكل المفاهيم، وعلى رغبة فخامة الرئيس بعدم الاستفراد بقرار، طالما أن الوقت متاح للاجتماع مع الرئيس الحريري، فكل الامور واضحة لدى الرئيس عون «ومبرمجة»، ولن يتفرّد في أي قرار قبل أن يتاح له الاستماع الى ظروف الاستقالة من الرئيس الحريري.
وبحث الرئيس عون لآخر التطوّرات على الساحة المحلية إثر إعلان الحريري استقالته من الخارج، ونتائج الاتصالات والمشاورات التي قام بها في هذا الشأن، مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي زار قصر بعبدا فور وصوله إلى بيروت، آتياً من شرم الشيخ.
وأكد الرئيس بري بعد اللقاء أن «التفاهم مع فخامة الرئيس في الأزمة الراهنة كامل وتامّ ومنجز. وأنا أؤيد حرفياً البيان الذي صدر عن رئاسة الجمهورية في ما يتعلق بالاستقالة، و«بكير كتير كتير كتير» الحديث عن استقالة أو تأليف حكومة». وأضاف رداً على سؤال: «دستورياً، لا يمكن أن أقول إن هناك استقالة جدية أم لا».
ولفت رئيس الجمهورية خلال ترؤسه اجتماعاً أمنياً وقضائياً في قصر بعبدا، إلى أن تجاوب القيادات السياسية التي اتصل بها بعد إعلان الحريري استقالته مع ضرورة اعتماد التهدئة أسهم في المساعدة على معالجة الوضع الذي نشأ بعد الاستقالة، وسوف يمكّن من إيجاد الحلول المناسبة للوضع السياسي الراهن.
وطلب عون من القيادات الأمنية البقاء على جهوزية ومتابعة التطوّرات بعناية وتشدّد لا سيما ملاحقة مطلقي الشائعات الذين نشطوا خلال الأيام الماضية بهدف إحداث بلبلة. كما طلب من الأجهزة القضائية التنسيق مع الأجهزة الأمنية لمواكبة الإجراءات المتخذة للمحافظة على الاستقرار العام، مشدداً على دور وسائل الإعلام في عدم الترويج للشائعات وكل ما يسيء الى الوحدة الوطنية والسلامة العامة.
وحضر الاجتماع الأمني والقضائي كل من: وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف، وزير العدل سليم جريصاتي، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، المدعي العام العسكري القاضي بيتر جرمانوس، وقائد الجيش العماد جوزف عون، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، مدير المخابرات في الجيش العميد الركن انطوان منصور، ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد خالد حمود. كما حضر الاجتماع المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير والمستشار الأمني والعسكري لرئيس الجمهورية العميد المتقاعد بولس مطر. وقدّم القادة الأمنيون تقارير عن الوضع الأمني في البلاد، والإجراءات والتدابير المتخذة للمحافظة على الاستقرار وتقرّر إبقاء الاجتماعات مفتوحة لمتابعة التطورات.
وبعد الاجتماع اشار جريصاتي الى أن القادة الأمنيين قدّموا تقارير أمنية مشجعة ومواكبة لإعلان الاستقالة من الخارج، وقد أظهرت أنه لم يُسجّل أي حادث أمني غير مألوف أو غير اعتيادي في الساعات والأيام الأخيرة، لافتاً الى أن عون شدد على ضرورة تأمين الجهوزية الكاملة قضائياً وأمنياً لمتابعة التطورات، كما على التنسيق بين الأجهزة.
وقال: «إن الرئيس عون أكد استمرار الاتصالات مع القيادات السياسية لمعالجة الوضع الذي نشأ نتيجة إعلان هذه الاستقالة من خارج لبنان». وكشف أن «الأمر المهم في الاجتماع هو أن التنسيق الأمني – القضائي على أكمل وجه، وأن الرئيس ممسك بناصية القرار»، وقد شدّد على أن «الاستقرار السياسي والأمني والمالي والاقتصادي في لبنان خط أحمر». وكشف أن «ما كان مشجّعاً هو ما استمع إليه رئيس الجمهورية من قادة الأجهزة الأمنية بأن أجواء التهدئة التي أشاعها عبر اتصالاته المكثفة مع القادة السياسيين ترجمت على الارض هدوءاً ملحوظاً ومسؤولاً. وبنتيجة اجتماع اليوم، تقرّر إبقاء الاجتماعات الأمنية والقضائية مفتوحة لمواكبة الوضع عن كثب يوماً بعد يوم».
وعن إمكانية وجود اتصالات مع أجهزة أمنية خارجية للتأكد من معلومات لديها حول محاولة اغتيال الرئيس الحريري، بعد نفي الأجهزة الأمنية اللبنانية المعلومات التي تحدّثت عن ذلك. قال جريصاتي: لم يؤكد أي جهاز أمني أي معلومة تتعلق بمحاولة اغتيال رئيس الحكومة، بل على العكس، لقد سمعتم وقرأتم بيانات صادرة عن الأجهزة المعنية، سواء عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أو الأمن العام تشير صراحة إلى عدم حصول أية محاولة اغتيال للرئيس الحريري. فالأمر محسوم لدينا، وذلك عبر الأمن الموثّق».
وأوضح جريصاتي أن الاجتماع ليس للردّ على أي تصريح صدر عن أي مسؤول سعودي، فموضوع الاجتماع هو أمني قضائي سيادي لبناني.
وأجرى عون مع الوزير السابق كريم بقرادوني جولة أفق تناولت التطورات السياسية.
كذلك حضرت الأوضاع المالية والنقدية في قصر بعبدا من بوابة ترؤس الرئيس عون اجتماعا ماليا حضره وزير المال علي حسن خليل، رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف في لبنان الدكتور جوزف طربيه.
وأكد الرئيس عون أن «الاسواق مستقرة ولا حركة سحوبات استثنائية». وأعرب عن ارتياحه للتقارير المالية التي تلقاها عن الحركة الطبيعية للأسواق المالية في البلاد مع بداية الاسبوع، داعياً إلى «المزيد من التنسيق بين وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف، بهدف المحافظة على الاستقرار المالي في لبنان»..
وتم خلال الاجتماع، عرض الوضع المالي مع بداية الإسبوع، بعد التطورات السياسية التي نتجت عن إعلان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري استقالته من الخارج، والإجراءات التي اتخذت للمحافظة على استقرار سعر صرف الليرة في مقابل العملات الاجنبية.
قال الوزير علي حسن خليل للصحافيين: لقد عكست الاتصالات السياسية في البلد جوا من الاطمئنان على حركة السوق المالي. إن انطباعاتنا جيدة ومقبولة، والتقديرات أن لبنان من خلال مؤسساته المالية قادر على استيعاب التطورات كلها التي حصلت، وأكدنا أن اجتماعنا مع بعض، يطمئن إلى استقرار الوضع المالي والنقدي في البلد، ورغم عدم وجود تحديات كبيرة لنواجهها، هناك اجرءات يجب اعتمادها للابقاء على استقرار الأمور بما يطمئن اللبنانيين والأسواق المالية والنقدية، والخارج أيضا».
وأكد أن «الدولة قادرة على تمويل نفسها وعلى إدارة هذه العملية وفق الآليات الدستورية والقانونية، وهناك تنسيق وثيق بين وزارة المالية ومصرف لبنان وجمعية المصارف وجميع المعنيين بهذا الملف».
كنعان
ثم تحدث النائب كنعان، فأكد أن «اقرار الموازنة أمر جيد لمضاعفة الثقة محليا ودوليا، وليس هناك أية مشكلة في الاعتمادات أو الإدارات والوزارات. وهذا أمر يضاف إلى كل المؤشرات الايجابية الاخرى، ونأمل أن تتجه الازمة السياسية الى حل في القريب العاجل بإدارة الرئيس عون وعناية الاطراف كلها «. وأوضح أن «قانون الموازنة سينشر في الجريدة الرسمية غدا».
وأشار الدكتور طربيه، إلى أن «الاسواق المالية كانت هادئة وهو أمر مرده إلى حسن إدارة الأزمة السياسية، حيث تم احتواؤها وتفاعل الفرقاء بصورة إيجابية للتعاطي معها بطريقة مسؤولة.
ولفت إلى أن امكاناتنا وإمكانات المصرف المركزي وحسن إدارة الشؤون المالية، تسمح في إبقاء الأوضاع مستقرة، وقد حافظت الليرة اللبنانية على قوتها الشرائية واستقرارها منذ العام 1993 وحتى اليوم، وليس هناك من سبب للإطاحة بهذا الاستقرار بعد هذا الثبات الطويل. لذلك نطمئن إلى أنه لم يحصل أي تهافت على الدولار الاميركي، والاسواق استمرت في عملها المعتاد، كما ان لبنان حافظ على الحريات الاقتصادية الاساسية تحويل الاموال والعملات ، ولا نرى بالتالي أي سبب من اجل خوف اي مودع في القطاع المصرفي اللبناني». وأمل أن تتجه الازمة السياسية الى الحل قريبا. إن فخامة الرئيس يبذل جهداً كبيراً من خلال سلسلة اتصالات داخلية وخارجية، ووعي كل الفرقاء السياسيين في البلد وتعاطيهم بمسؤولية عالية. ما يمكن تأكيده أنه بإمكاننا استيعاب هذه المشكلة من خلال قدراتنا المالية والنقدية، ولا نتوقع مخاطر جدية على هذا الاستقرار المالي. اما الموضوع الاقتصادي فمرتبط بالوضع العام ككل».