استقالة رئيس الحكومة بين النص الدستوري والواقع

جهاد إسماعيل

قد يكون الدستور اللبناني لا يسمح لرئيس الجمهورية رفض استقالة رئيس الحكومة، أو الاعتراض على الشكليات التي رافقت الإعلان عنها، باعتباره لا يشير إلى شكل وكيفية تقديم الاستقالة، لكن البحث في حيثياتها وظروفها، أو في السياق الدستوري العام، لا يحجب أوضاعاً وأحكاماً خاصة جراء هذه الحالة، بشكل يجيز لرئيس الجمهورية تعليقها لا بل إيقافها، بسبب توافر العناصر أو الظروف التالية:

ـ سنداً للعرف، كمصدر من مصادر القاعدة الحقوقية، جرت العادة على أن يقدّم رئيس الحكومة الاستقالة شخصياً وخطياً إلى رئاسة الجمهورية، ما يلزم رئيس الحكومة، وفقاً للعرف، تقديمها خطياً، وإلا يترتب على مخالفته، الحكم بعدم صوابية الإجراء المشكو منه.

ـ لما كانت الاستقالة، لا تندرج – من حيث المضمون والظرف – في دائرة حالات الاستقالة العادية والمألوفة، ولما كانت قد شكلت سابقة في الحياة السياسية والدستورية، فإنّ تطبيق الأحكام الدستورية العادية على مصاديقها ليس بالأمر السليم، تبعاً لتوافر شروط الظروف الاستثنائية، إذ أنّ الفقه والاجتهاد- كما الدستوري قياساً على القانون الإداري – استقرأ على ان ليس للشرعية من تطبيق في حال الظروف الاستثنائية كما يقتضي فعله في الظروف العادية، لأنّ من العبث – بمكان – تطبيق القواعد والأحكام السائدة في الحالات العادية، لا سيما إذا تعلق الأمر باستقالة رئيس حكومة في ظروف غير مألوفة، لأنه لا يجوز التفريط بسلامة المؤسّسات، تحت وطأة غموض النص، لصالح مواقف عبثية حيال مصالح البلاد والعباد.

ـ بموجب المادة 53 من الدستور، الفقرة 5، رئيس الجمهورية هو الذي يصدر منفرداً مرسوم قبول الاستقالة، ما يعني أنّ اكتمال المفاعيل لا يتحدّد إلا بإجراء آخر، وهو مرسوم من قبل رئيس الجمهورية، علاوة على انّ الدستور لم يلحظ وجود مهلة معينة لدى رئيس الجمهورية لقبول استقالة رئيس الحكومة أو رفضها، وهذا على خلاف ما ذهب إليه البعض من الساسة.

ـ لما كان الدستور، لا يجيز لرئيس الجمهورية أن يلجأ، على اثر قبول الاستقالة بمرسوم، إلا لخيارين، تكليف رئيس الحكومة بتصريف الأعمال، أو الاتفاق مع رئيس المجلس النيابي على إجراء استشارات نيابية جديدة من أجل تكليف رئيس حكومة جديد، ولما كان الخيار الأول ليس موفقاً، تبعاً لغياب رئيس الحكومة المستقيل ولو سياسياً، وأنّ الخيار الثاني ليس من شأنه إلا تقديم مادة مجانية للجهات الضاغطة على الرئيس المستقيل بعد إضفاء الشرعية على تدخلها في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، بما لا ينسجم مع قواعد القانون الدولي أو الاعراف الدولية، فإنّ من المنطق السيادي والسياسي، تعليق قبول الاستقالة إلى حين جلاء الحقيقة والقيام بالأصول الدستورية المتبعة.

بناء عليه، تعتبر ممارسات رئيس الجمهورية، إزاء واقعة الاستقالة وملابساتها، بالإضافة إلى الأصوات الداعية إلى الانتظار وإشاعة الانتظام والاستقرار، في غاية المسؤولية، فهل سيعود الرئيس المستقيل إلى المسؤولية ويقطع الغيبة الصغرى، أم انه سيعود مجدّداً إلى الغيبة الكبرى؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى