تخاذل الكونغرس عن إعادة النظر بقرار «التفويض بالحرب» لاستمرار الحروب
في ظلّ انشغال المؤسسات الأميركية المتعدّدة، الرسمية والخاصة، بتوجيه المحقق الخاص لوائح اتهام بحق ثلاثة من المسؤولين السابقين في حملة الرئيس ترامب الانتخابية، جاء الهجوم الإرهابي على المارّة في مدينة نيويورك ليحوّل الأنظار مرة أخرى عن الأولويات اليومية.
كما أنّ الصراعات والتوترات «الشخصية» بين الرئيس ترامب وعدد من قادة حزبه الجمهوري فرضت نفسها على الأجندة اليومية للفريقين، وسعي القيادات النافذة في لجان الكونغرس إحياء الجدل حول الصلاحيات الرئاسية في نشر قوات أميركية خارج الحدود وشنّ الحروب، في أعقاب مقتل عدد من جنود القوات الخاصة في النيجر.
سيسلّط قسم التحليل الضوء على قرار التفويض الرئاسي المسنّ عام 2001 بعد هجمات أيلول في ذلك العام، وشكل ذريعة للسلطة التنفيذية للتدخل في سورية وعدد من الدول الأفريقية التي لم يعلن عنها بكثافة في وسائل الإعلام.
جدل التفويض الحربي والنيجر
مقتل جنود أميركيين في النيجر من نخبة القوات الخاصة أعاد الجدل داخل الكونغرس إلى مربعه الأول لناحية حدود الصلاحيات التي أوكلها للسلطة التنفيذية في نشر قوات أميركية في مناطق متعدّدة من العالم، على خلفيات الأجواء المشحونة في أعقاب هجمات 11 أيلول 2001. وأوضح مركز الدراساست الاستراتيجية والدولية أنّ الجدل يتجدّد بين الفينة والأخرى حول التعامل العصري مع الغموض المتضمّن في النصوص الأصلية واستغلال الإدارات الأميركية المتعاقبة تلك الثغرات لتمضي قدماً في تعزيز استراتيجياتها في التدخل العسكري المباشر. كما أسهمت التوترات بين بعض قيادات الكونغرس من الحزب الجمهوري والرئيس ترامب في سعي اللجان المختصة لتحديث التفويض بقانون جديد يحدّ من سلطات السلطة التنفيذية. الإدارة الراهنة، اتساقاً مع أسلافها، ترمي للإبقاء على الصيغة الراهنة وعدم المسّ بصلاحياتها في قرار التدخل العسكري، أينما ومتى تراه مناسباً.
وشاطر الرأي معهد هدسون بقوله انّ «الوفاة المأساوية» لعدد من القوات الخاصة «أعادت لدائرة الضوء حقيقة عملياتنا في النيجر»، موجّهاً انتقاداً حادّاً «لأعضاء الكونغرس الذين يدّعون عدم معرفتهم بتواجد قوات أميركية في النيجر هم إما أصابهم نسيان مذهل أو إنهم غير صادقين». وشدّد المعهد على أنّ أولئك الأعضاء الذين تظاهروا بعدم المعرفة فإنّ المسؤولية لا تقع على كاهل البنتاغون لا سيما أنّ قائد «القوات الأميركية في أفريقيا أفريكوم، الجنرال توماس وولدهاوزر، أحاطهم علماً» بذلك منذ زمن، فضلاً عن توفر المعلومات بذلك «للذين تقتضي مسؤولياتهم إصدار التفويض وإقرار الأموال الضرورية لتسليح القوات الأميركية التي نرسلها لمناطق الخطر».
سورية
استهزأ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بحجم التحالف الدولي العامل في سورية مقابل الحكومة السورية وحلفائها المعدودين «لا يوجد ما يثبت أنّ الرقم ثلاثة هو أكبر من 73»، في إشارة إلى سورية وروسيا وإيران مقابل الولايات المتحدة والدول المنضوية تحت لوائها في محاربة سورية. موضحأً أنّ «التحالف الثلاثي.. استطاع فرض شروطه على وضع يتسم بالعنف والفوضى». واستطرد أنه ربما النظرة لقيام تحالفات «أمر مبالغ به.. ويتعيّن على الولايات المتحدة عند هذا المفصل عدم إيلاء الأهمية لكسب دول العالم إلى جانبها». وفنّد المركز الأهداف الأميركية المعلنة في سورية والمستندة إلى ثنائية «إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش وعدم قتال الرئيس السوري بشار الأسد، بيد أنّ البعدين تربطهما صلة دائمة.. بيد أنّ الولايات المتحدة راهنت على سلوك طريق تستطيع الاستغناء فيه عن كليهما معاً».
لبنان
استضاف معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ندوة حوارية محورها حزب الله «وكيفية الحيلولة لنشوب حرب ثالثة في لبنان»، يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، شاركت فيها ثلة من ألمع القيادات العسكرية الغربية: رئيس الأركان السابق للجيش البريطاني، ريتشارد دانات قائد وحدة الإرهاب الدولي في المخابرات البريطانية، ريتشارد كيمب رئيس هيئة الأركان الألمانية ورئيس اللجنة العسكرية في حلف الناتو، كلاوس نومان. انطلق الثلاثي من فرضية قيام «حزب الله بشنّ حربً أخرى.. ضدّ «إسرائيل» والولايات المتحدة وحلفائهما وستشعر «إسرائيل» بأنها مجبرة على الردّ بعدوانية وقوة وسرعة كبيرة». وأضاف الفريق أنّ الردّ «الإسرائيلي سيوقع أعداداً كبيرة من الضحايا بين المدنيين، وسيلجأ الحزب لتحريض المجتمع الدولي ضدّ «إسرائيل» واتهامها بارتكاب جرائم حرب. ولهذا السبب بالذات، من غير المرجح أن تنظر «إسرائيل» في شنّ حملة استباقية كبرى في لبنان». واعتبر الثلاثة انّ حزب الله راكم خبرات قتالية وقدرات استراتيجية وأصبح «الآن أقرب إلى قوة عسكرية موحدة مع هيكلية وتسلسل واضح للقيادة.. ولديه نحو 25 ألف مقاتل ناشط و 20 ألف مقاتل احتياطي». وشدّد الثلاثي على أنه يتعيّن على «الغرب إدراك أنّ حزب الله أصبح يشكل تهديداً كبيراً، ليس على «إسرائيل» فحسب، بل على الشعب اللبناني أيضاً». وحذر الثلاثي دول الغرب مجتمعة بأنه آن الآوان لتعديل سياساتها نحو لبنان والإقرار بأنه «لم يعد منفصلاً عن حزب الله، وإذا فشل في ذلك فإنّ الخطر سيزداد سوءاً.. وينبغي على إدارة الرئيس ترامب التصريح بأنه «يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها في أعقاب هجمات حزب الله» وكذلك «على الدول الأوروبية إدراج الحزب بكامله ككيان إرهابي».
تونس
اعتبر معهد كارنيغي أنّ «عدوى الفساد في تونس تشكل زعزعة لاستقرارها، وتلوّث كافة المستويات الاقتصادية والأمنية والنظام السياسي». وزعم المعهد انّ نظام زين العابدين بن على «شدّد قبضته على ظاهرة الفساد آنذاك بيد أنها أضحت مرضاً مستوطناً.. وباتت أكثر انتشاراً اليوم». وشدّد على أنّ نجاح البلاد في التصدّي لتلك الظاهرة «وضمان استمرارية الانتقال الديمقراطي، يتعيّن على تونس شنّ حرب متزامنة على جبهتين: البيروقراطية القديمة والفساد المستشري». وأضاف أنّ على المجتمع الدولي تقع مسؤولية توفير الدعم لذلك الجهد «بمساعدات وتقديم التمويل المركز».
«إسرائيل»
استعرض معهد أبحاث السياسة الخارجية تداعيات حرب تشرين الأوّل/ أكتوبر 1973، التي شكلت «أدنى مستوى في تاريخ دولة إسرائيل السبعين، وجاءت بعد 7 سنوات من الانتصار الباهر في حرب الأيام الستة». وأوضح أنّ الهجوم السوري المصري المنسّق «استطاع تدمير أو إلقاء القبض على القوات الإسرائيلية المنتشرة، تحت غطاء مظلة من الصواريخ المتحركة المضادة للطائرات والتي كادت أن تعطل سلاح الجو الإسرائيلي». ومضى المعهد باستعراض «قدسية» المناسبة التي حدثت في «يوم الغفران، أقدس يوم عند اليهود».
إيران
رحّبت مؤسسة هاريتاج بإعلان الرئيس الأميركي «استراتيجيته الجديدة للتصدّي لإيران كونها توفر قدراً يسيراً من الأمل عن استعداد الولايات المتحدة» للانخراط في الدفاع عن منطقة الخليج مستدركة بالقول إنّ ذلك «يتطلب إدراك الساسة الأميركيين أنّ الإتفاق النووي لم يكن يرمي لكبح جماح إيران بل لكبح جماح الولايات المتحدة». واستطرد بالقول انّ الاتفاق النووي «وفّر لإيران نجدة فورية من العقوبات الغربية المفروضة عليها مقابل تعهّد إيران بحسن السلوك في المستقبل». وشدّد على أنّ إعادة تفعيل نظام العقوبات، بعد الاتفاق النووي، يتطلب «مساندة الدول الأوروبية، لا سيما أنّ الأموال الإيرانية في طريقها للتدفق على الصناعات الأوروبية، ومن غير المرجح ان نحصل عليها».
أثنى المجلس الأميركي للسياسة الخارجية على قرار الرئيس ترامب الخاص بالاتفاق النووي «إذ انتهج طريقاً وسطياً رمى لممارسة نفوذ أميركي أكبر على برنامج إيران النووي» وعدم خضوعه لأهواء فريقي إلغائه أو الإبقاء عليه. وأوضح أنّ إحجام الرئيس عن «المصادقة» ينبغي أن ينظر إليه في إطار أنّ «الأمر ليس جزءاً من الاتفاق الرسمي بل شرط منفصل أضيف عام 2015 بقرار من الكونغرس لتعزيز قدرته الإشراف على المفاوضات التي كانت تجريها إدارة الرئيس اوباما».
أفغانستان
رحّبت مؤسسة هاريتاج بقرار إدارة الرئيس ترامب الخاص بأفغانستان كونه «يختلف جوهرياً وبإيجابية عن سياسة الرئيس أوباما.. ويشكل تحوّلاً ضرورياً ومرحّباً به كونه يعكس واقع الأمر الراهن في أفغانستان الذي يختلف عما كان عليه عام 2001 أو حتى عام 2009 حينما وافق الرئيس أوباما على إرسال قوات جديدة هناك». وأوضح المعهد أبرز مزايا قرار الرئيس ترامب «… إذ أشّر على الانتقال من استراتيجية تستند إلى جداول زمنية واستبدالها بأخرى تستند إلى شروط يتمّ تحقيقها تتفادى الإعلان المسبق عن تاريخ محدّد للإنسحاب». وشدّد على أنّ الرئيس ترامب «أحجم عن رسم جدول زمني للانسحاب التامّ، قائلاً إنّ الولايات المتحدة ينبغي أن تركز أنظارها على التطورات الميدانية».
عند كلّ منعطف يهزّ هيبة أميركا ونفوذها الكوني تتجدّد الدعوات الداخلية لإعادة الروح لاستصدار قرار جديد من الكونغرس، أو تعديل القانون الراهن، يضفي شرعية على صلاحيات السلطة التنفيذية بشنّ حروب خارج حدود الولايات المتحدة، أينما ومتى شاءت، دون الحاجة للتوجه إلى الكونغرس أو طلب مخصّصات مالية إضافية لتنفيذ المهام المطلوبة فتلك متضمّنة في القرار الراهن الصادر عام 2001.
بعد فترة وجيزة من تنفيذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، قامت المؤسسة الأميركية الحاكمة، ممثلة بالأذرع العسكرية والأمنية والاستخباراتية والإعلامية، بإرسال طواقم عسكرية «صغيرة ومحدودة» لمناطق متعدّدة من العالم للعمل سوياً مع القوى المحلية، لا سيما في عدة دول أفريقية. عماد القوات الأميركية كانت القوات الخاصة وصفوتها «القبعات الخضراء»، أنيطت بها مهام روّجتها الوسائل الإعلامية بأنها ضرورية «لمكافحة الإرهاب»،
ستة عشر عاماً والحروب مستمرّة دون أفق زمني، والرؤساء الأميركيون المتعاقبون يستغلون «سلطاتهم الواسعة» والمكتسبة لنشر قوات ومعدات عسكرية في ساحات اشتباك متجدّدة وفق رؤى متطابقة «لملاحقة القاعدة وتنظيمات وجماعات مرتبطة بها».
صادق الرئيس دونالد ترامب، أيلول/ سبتمبر المنصرم، على وثيقة «تفويض سرية» يمنح بموجبها «وكالة الاستخبارات المركزية وقيادات القوات العسكرية تنفيذ مهام وهجمات واسعة لمكافحة الإرهاب»، دون وضع قيود ميدانية أو الرجوع للمراتب الأعلى لاتخاذ القرار المناسب تشمل استخدام طائرات الدرونز وشنّ غارات ونصب كمائن وتنفيذ عمليات سرية حول العالم.
أقدم ترامب على فعلته مستنداً الى التفويض سالف الذكر، 2001، والذي سرى مفعوله على سلفيه، الرئيس جورج بوش الإبن والرئيس باراك أوباما، وجرى تطبيقه على مختلف الساحات العالمية معظمها في العالم العربي ومحيطه.
مطلع شهر تشرين الأوّل/ اكتوبر الماضي أفاق المجتمع الأميركي على «صدمة مقتل عدد من جنود وحدات القبعات الخضراء على أراضي النيجر» مما دفع وسائل الإعلام وأعضاء الكونغرس إلى التساؤل لناحية طبيعة مهام القوات الأميركية وتواجدها هناك.
تحفظات الكونغرس والرئيس
مع تضارب السرديات الرسمية الأميركية لحقيقة ما جرى في النيجر واتهامات قيادات ميدانية بالتقصير والفوضى برز الكونغرس والرئيس ترامب في صدارة الجدل وتبادل المطالبة الحذرة بحصر صلاحيات السلطة «التشريعية» إعلان الحرب، كما ينص الدستور، وسعي الأخير للإبقاء على «الوضع الراهن»، كصيغة حظيت بإجماع فريقي الحزبين.
محور تحفظات الفريقين، الكونغرس والرئيس، هو «تلكؤ» الكونغرس في إعلان الحرب بصورة رسمية واكتفى بمنح السلطة الرئاسية صلاحيات غير مقيّدة «لإرسال قوات ومعدات عسكرية» اينما تراه ضرورياً دون الحاجة للمرور على الكونغرس.
عدد محدود من قيادات الحزبين أعرب مراراً عن تحفظه على مضمون الصلاحيات الرئاسية غير المقيّدة، مؤكدين أنّ المسألة تكمن في تحقيق توافق سياسي بين التيارات المختلفة من أقرانهم.
المرشح لمنصب نائب الرئيس السابق عن الحزب الديمقراطي، تيم كين، صرّح بعد حضوره استعراضاً «سرياً» لعدد محدود من أعضاء الكونغرس أوضح أنّ «ما يحدث في النيجر وأفريقيا على نطاق واسع يشير إلى حاجتنا الماسّة إلى استصدار تفويض جديد».
السيناتور الجمهوري راند بول سعى مبكراً لتبني مبادرة تفضي لتعديل التفويض الرئاسي الراهن، في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، بيد أنّ مراكز القوى المتنفذة في الحزبين أسقطته في التصويت بنسبة 61 صوتاً مقابل 36 مؤيداً.
رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، جون ماكين، أشار إلى نيته لبحث «إصدار مذكرة استدعاء للبيت الأبيض لأنه لم يلتزم الصراحة في ما يخصّ هجوم النيجر».
بيد أنّ ما يخشاه قادة الحزب الجمهوري تحديداً صدور تفويض جديد يفرض قيوداً على حركة البنتاغون وينبغي أن «يترك الأمر للقادة العسكريين الذين عليهم تحديد أفضل السبل لمحاربة أعداء البلاد».
رئيس لجنة العلاقات الخارجية، بوب كوركر، أعرب عن نيّته استحضار مشروع قرار سابق قدّمه السيناتور تيم كين، المرشح السابق لنائب الرئيس، والذي يقضي بتجديد الكونغرس التفويض الرئاسي مرة كلّ خمس سنوات، ومطالبة الإدارة إخطار الكونغرس حين تنوي إرسال قوات أميركية «لبلدان لم تذكر نصاً في التفويض السابق».
اما ردّ فعل الرئيس ترامب على ما جرى في النيجر فجاء مطابقاً لمسلكياته السابقة بالتنصّل من المسؤولية. وقال: «حسناً، تدركون أنّ الجنرالات هم من اتخذ القرار بنشر القوات هناك». ولم يعلق أحد بأنّ الرئيس، دستورياً، هو القائد الأعلى للقوات بصرف النظر عن تفاصيل ايّ حدث.
وزيرا الخارجية والدفاع، ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، تباعاً، حضرا أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، منتصف الأسبوع الماضي على ضوء حادثة النيجر، لشرح وجهة نظر الإدارة المتمثلة برفض الثنائي أيّ قيود قد ينظر في فرضها الكونغرس على القانون الجاري.
أوضح تيلرسون أنّ أيّ قانون جديد «لا ينبغي أن يتضمّن قيوداً على جغرافيا الحركة.. والإدارة تحتفظ بحقها في الصلاحيات المنصوص عليها» في التفويض الحالي. أما وزير الدفاع فشدّد على الالتزام بالنصوص السارية «في التفويض لعامي 2001 و 2002 لاستخدام القوات العسكرية الأميركية ضدّ تهديد متبدّل.. ليس بوسعنا تحديد فترة زمنية لمسار أزمة ضدّ عدو باستطاعته التكيّف مع المتغيّرات».
يشار في هذا الصدد إلى أنّ التفويض الرئاسي يخلو من ذكر سورية أو ليبيا اللتين شنّت عليهما الولايات المتحدة سلسلة غارات جوية ونشرت قواتها البرية على أراضيهما. وبرزت المسألة مراراً بمطالبة الإدارة توضيح مبرّر تدخلها قانونياً.
في الشأن السوري، أوضح البيت الأبيض مراراً انه استند الى المادة الثانية من التفويض، بيد أنّ الكونغرس لم يسنّ أيّ قانون يخوّل السلطة التنفيذية استخدام القوة العسكرية ضدّ سورية. بيد أنّ مساعي الرئيس السابق باراك أوباما للفوز بتفويض من الكونغرس، عام 2013، لاستخدام القوة العسكرية ضدّ سورية باء بالفشل.
خبراء القانون الدولي يؤكدون أنّ الرئيس ترامب «لا يحظى بتفويض صريح لاستخدام القوة العسكرية» ضدّ سورية. كما أنّ ميثاق الأمم المتحدة، الذي لا تكترث له واشنطن، لا يجيز لها استخدام قوتها العسكرية ضدّ سورية إلا في حال استصدار قرار صريح من مجلس الأمن الدولي بذلك أو «استخدام مبرّر حق الدفاع عن النفس».
بل تنكّرت الولايات المتحدة لالتزاماتها الدولية بإعلان المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، نيسان/ ابريل 2017، حين أشارت الى نية بلادها استخدام الخيار العسكري في سورية «دون تفويض من الهيئة الدولية».
غيّبت المندوبة الأميركية والمسؤولون الكبار حقيقة أوضاع قواتها الخاصة التي أضحت متمدّدة في أكثر من ساحة مما اضطر عناصرها للبقاء تحت الخدمة الفعلية فترة أطول «من المعتاد»، وتعاني من إرهاق مزمن. كما أنّ استبدال القوات بأخرى ليس من بين الخيارات المتاحة: كلفة إعداد عنصر القوات الخاصة تعادل نحو 2 مليون دولار للفرد، وتستغرق فترة التدريب القاسي نحو سنتين.
دروس الماضي القريب
بعد إعلان الولايات المتحدة قرارها بالانخراط الفعلي في الحرب العالمية الأولى لجأت الحكومة المركزية إلى «تأميم خطوط السكك الحديدية وقطاع الاتصالات من برق وبريد وهاتف، ومصادر الطاقة الخام» فضلاً عن قيود فرضتها على مرافق أخرى متعدّدة، كما أوضح الخبير الإقتصادي الأميركي روبرت هيغز.
اما تداعيات قرار دخول الحرب على الأوضاع الاقتصادية الداخلية فكان كارثياً، إذ ارتفعت النسب الضريبية بشكل ملحوظ، وقفز العجز في الميزان التجاري «إلى 25.5 مليار دولار عام 1919، مقارنة بما كان عليه قبل سنتين، 1.2 مليار».
دأبت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 2001 على زيادة المخصصات المالية للأجهزة الأمنية والبنتاغون «لتعزيز الأمن الداخلي»، فاقمها الإنفاق الهائل على حروبها في العراق وأفغانستان، والآن سورية ودول الساحل الأفريقي دون استثناء الأراضي العربية الأخرى في الصومال وليبيا واليمن.
بناء على ما سبق، لم يغب عن ذهن القوى المتنفذة في الكونغرس ما ستؤدّي إليه الأوضاع الداخلية في حال إقدامها على إعلان الحرب بشكل رسمي. بل تبدو على معظم أعضائه علامات الرضى والراحة للسير بالنصوص الراهنة في التدخل العسكري دون الإعلان الرسمي، لكن إلى متى.
البعض يستدرك بالقول إنّ واشنطن قد تمضي في شنّ الحروب لعقد آخر من الزمن، وبذلك ستقترب من «حرب الثلاثين عاماً.. الحرب الأطول في التاريخ البشري».