انفراج مؤقت في مسار انتظار طويل

هتاف دهام

تمثل الأزمة اليمنية الصراع الخفيّ بين السعودية وإيران. لقد أطلّ الرئيس سعد الحريري أول أمس، في مقابلة تلفزيونية حاملاً احتجاجاً على دور إيران وحزب الله في اليمن.

وقال الحريري «هناك فريق لبناني موجود في اليمن»، معتبراً أنّ هذا «أمر غير طبيعي»، في إشارة إلى دعم حزب الله الحوثيين. وأضاف «هناك صواريخ تُطلَق من اليمن باتجاه السعودية والاتهامات توجّه ضدّ فريق من لبنان، وهناك سعوديون يموتون».

لن يسمح الحريري، كما يقول، باندلاع أية حروب ذات حسابات إقليمية على لبنان، غامزاً من قناة أنّ مواقف السعودية ضدّ حزب الله تطوّرت بعد تدخله في اليمن.

فما هي الرسائل التي حملها الحريري في إطلالته؟ وهل تربط الرياض الحلّ في بيروت بالحلّ في صنعاء؟

لقد قدّمت إيران مبادرة لتسوية الأزمة اليمنية من أربعة بنود تتضمّن وقف إطلاق النار – إيصال المساعدات الإنسانية – إطلاق حوار بين الأحزاب اليمنية – تشكيل حكومة شاملة. لا ينبغي بالنسبة للإيرانيين خلط الملفات، فالأزمات ليست مترابطة ببعضها بعضاً، بحسب مصادرهم.

لم يتحدث الحريري عن تدخل الجمهورية الإسلامية وحزب الله في سورية أو العراق، بقدر ما تحدّث عن دوريهما في اليمن والبحرين. وتشدّد مصادر مطلعة في تيار المستقبل لـ «البناء» على أنّ اليمن هو أولوية قصوى بالنسبة للمملكة. فهذا البلد بمثابة رئة للسعودية. وعلى هذا الأساس تأتي المطالبة بسياسة إيرانية مغايرة تجاهه لحلّ الأزمة بدلاً من الاستمرار، بما أسمته مصادر التيار الأزرق، بالطموحات التوسّعية والسعي لزعزعة الاستقرار عبر الدعم المادي والعسكري للحوثيين وإمدادهم بالخبراء. بيد أنّ مصادر مطلعة شدّدت لـ «البناء» على أنّ إيران تطالب بوقف الحصار وفتح الأجواء والحدود البحرية والبرية، وتسعى لإيجاد الحلّ في اليمن بأسرع وقت ممكن عبر حوار وطني داخلي. فتدخلها السياسي كان جراء ما حدث في البحرين سابقاً.

من هنا، لا يبدو التقارب الإيراني السعودي حاصلاً. الخلافات على أشدّها بين طهران والرياض. وبالتالي فإنّ المرحلة في لبنان راهناً ليست مرحلة الحلول الكبرى. فلبنان سيكون أمام خيار من اثنين إما الانزلاق نحو المواجهة – وهذا أمر مستبعَد – نتيجة قناعة المكوّنات السياسية كافة بعدم جدواها وبضرورة المحافظة على السلم الأهلي والوحدة الوطنية. وإما تجميد الأزمة حتى إشعار آخر. فالمعالجات الجذرية غير واردة حالياً.

انقضت عشرة أيام على استقالة الرئيس الحريري، ولم تتضح بعد مآل الأمور، رغم المساعي الفرنسية لإنقاذ لبنان. صحيح أنّ هناك بعض الانفراج بعد إعلان الرئيس الحريري عن عودته القريبة إلى لبنان، الا أنّ باريس الماضية في جهودها لا تزال تحذّر من أنها قد تطرح مبادرات بالتعاون مع الأمم المتحدة في حال لم تجد الأزمة الحالية في لبنان مخرجاً سريعاً.

وعلى هذا الأساس سيكون الوضع في لبنان في صلب محادثات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس غداً الأربعاء، على هامش اجتماع حول المناخ في بون. فأهمية المحافظة على الاستقرار في لبنان يحظى بإجماع أوروبي وروسي وأميركي. فهناك قلق من الاستقالة وإجماع ضمني على عدم السماح بانزلاق الأمور في لبنان نحو توترات أمنية، حيث أكدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني «تجنّب استجلاب نزاعات وتفاعلات وتوترات إقليمية الى لبنان، ولا بدّ من إبقائها خارج هذا البلد».

وينقل عن السفير الفرنسي برونو فوشيه أنّ الخروج من الأزمة بعودة الحريري إلى لبنان، وتقديم استقالته إلى رئيس الجمهورية، إذا كان مصرّاً على ذلك. في حين يقول زوار الرئيس بري إنّ المخرج قد يكون بإعادة تكليف الحريري من دون تشكيل حكومة حتى الانتخابات النيابية المقبلة. علماً أنّ هذا الطرح قد لا يكون يتيماً. فحتى الساعة لم يُقدّم رئيس الجمهورية المعني الأول بقبول الاستقالة من عدمه تصوّره للمرحلة المقبلة.

وتشدّد مصادر مطلعة لـ «البناء» على أنّ عودة الرئيس الحريري المرتقبة لا تعني حلاً للأزمة، بل ربما سلوك الأزمة مساراً مختلفاً. فالمطروح راهناً إبقاء الوضع على ما هو عليه إلى حين إجراء الانتخابات وتبيان مسار معالجة الأزمات في المنطقة، في ظلّ حكومة تصريف أعمال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى