هكذا تحولت زيارة الراعي للرياض عن هدفها الأساسي
روزانا رمّال
صار واضحاً لدى أغلبية الأروقة السياسية أن السعودية، ومن وراء المقابلة مع الرئيس سعد الحريري، رغبت في إرسال رسالة مغايرة عن تلك التي وصلت الى مسامع اللبنانيين لحظة تلاوة الحريري بيان الاستقالة الذي حمل ضمناً وعلانية إعلان تصعيد سعودي مباشر بوجه إيران وحلفائها في لبنان، يكفي أن يترجم الحريري ذلك باستقالته التي أرادتها المملكة العربية السعودية مدوية وإذ بها تأتي أقل من التوقعات.
حشدت السعودية لهذا الخبر الكبير أكثر من شهرين من التحضيرات رافقها ترتيب مواعيد لمسؤولين لبنانيين كرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجمّيل. وتقول مصادر واسعة الاطلاع لـ «البناء» إن تركيز السعوديين على تعويم الفريق المسيحي من قدامى ثورة الأرز في لبنان كان واضحاً، منذ ما قبل الاستقالة وإنها أرادت إعادة تزخيم فريق 14 آذار التي كشف الحريري في بيان الاستقالة بالاسم عن رغبة في إعادة إحيائها، وذلك من البوابة المسيحية لسبب «وحيد» لا يحمل التباساً وهو ضرب الإجماع المسيحيي بـ «الأغلبية» والذي يتسلّح به الرئيس اللبناني ميشال عون من ناحية الإجماع المحقق الذي كرسته اطراف كالقوات اللبنانية لدى ترشيحه للانتخابات الرئاسية. وهو ما كان مطلوباً من جعجع ان يتراجع عنه عندما تنجح الخطة المأمولة من خضة الاستقالة، فيصبح عون الرئيس المعزول مسيحياً المؤيد لسورية وايران وربما يعود مشهد عزل الرئيس اميل لحود الذي اصطدم مع مرحلة صعود نجم فريق 14 آذار المعارض لسورية في ذلك الوقت. وتضيف المصادر «يؤكد كل ما سبق الموعد «المسبق» الذي تمّ التحضير له مع بكركي عبر دعوة البطريرك الراعي لزيارة المملكة العربية السعودية، في ما بدت خطوة انفتاحية إيجابية لدى الداخل السعودي من ضمن موجة الاعتدال الذي يَعِد بها ولي العهد في حين كانت هي «الغطاء» المسيحي المفترض بالحساب السعودي أن يضغط باتجاه بعبدا أكثر، وبالتالي فإن من يتحدث عن ان موعد زيارة البطريرك الراعي أتى بناء على موعد مسبق قبل استقالة الحريري يبتعد عن الواقع الذي يربط توجيه الدعوة للراعي بنيات سعودية محسومة لجهة التمسك بالطلب من الحريري إعلان الاستقالة».
تختم المصادر «وبناء عليه، فإن زيارة الراعي بالامس الى الرياض تحوّلت عن مسارها وهدفها الحقيقيين، فبعد أن كانت جزء من خطة رسمتها المملكة صارت جزءاً من جولات التطمين على وضع الرئيس الحريري وجزءاً من تدعيم موقفه، خصوصاً أنه تحوّل رمزاً للإجماع الوطني في الساعات الماضية. وكل ذلك بعد تمسك عون والأفرقاء بعدم قبول الاستقالة والرغبة بتدويلها، إذا لم يعد الحريري خلال الأيام المقبلة كما ذكر».
بكركي التي كانت ترى في زيارة البطريرك الراعي إلى المملكة جزءاً من الدور الانفتاحي لها ولتلاقي الأديان في المنطقة، خصوصاً الإسلام والمسيحية صارت أمام مشهد مغاير تماماً وأمام جهات تحاول حرفها عن مسارها الديني التوعوي في لبنان، وفيه الجزء الاساسي المتمثل برعاية الموقف المسيحي الموحّد المتمسك بحقوق الطائفة ومندرجاتها على الساحة المحلية. وهي التي باركت ذلك وتمسكت بها كخيارات لا يمكن التراجع عنها، لكنها تخلصت، ومن حيث لا تدري من خطوة مدمرة كان من المفترض ان تنسف كل دور بكركي الداعم لخيارات الوحدة لتصبح شريكاً في خض الصف المسيحي، كما كان يّراد خصوصاً الكرسي الرئاسي.
يلفت النظر في الأزمة هنا دور الرئيس ميشال عون وموقفه امام المجتمع الدولي وسرعة تحركه باتجاه السفراء لنقل صورة جدية لبلادهم عن موقف الرئاسة اللبنانية لتأتي ردود فعل دولية داعمة له وبقوة كاشفة عن مدى احترام هذه الدول لمكانة عون كرئيس مسيحي وحيد في الشرق الأوسط تبين أنه الأقوى من بين أولئك الذين وصلوا الى الرئاسة لسبب أساسي، وهو انتماؤه لتيار سياسي مسيحي عريض وهو الأمر الذي جعل الاوروبيين يتعاطون معه كرئيس لبناني «فوق العادة « قادر على ضمان الوجود المسيحي في المنطقة في هذه الظروف وتقوية حضوره. وهو الامر الذي اراد البعض اللعب على وتره بين بعبدا وبكركي على أساس ان الأخيرة متضررة من هذه الشعبية التي يحظى بها عون باعتباره «بي الكل». وهي صفة غالباً ما ترتبط بروحيتها بسيد بكركي في لبنان، في وقت يبدو ان هذا المنحى لم يعد صالحاً للعب عليه منذ ان قرر عون التعاطي مع بكركي كوجهة روحية وراعية لكل الخيار المسيحي واحترام بكركي بدورها لفكرة تسليم اللعبة السياسية للرئيس عون كممثل للكرسي الماروني الوحيد.
نجت بكركي ومعها الشارع المسيحي من الشقاق المحتم المرتبط باستقالة الرئيس سعد الحريري. وهو الامر الذي كان قادراً على ان يتكفل بإعادة عقارب الساعة الى ما بعد عام 2005 تلك المرحلة التي كان يعمل فيها على إضعاف الكرسي المسيحي، وقد عمل على ذلك عبر عزل الرئيس اميل لحود محلياً ودولياً ليؤكد المشهد اليوم على ضرورة ان يكون الرئيس في بعبدا منبثقاً عن حالة شعبية كحالة الرئيس عون قادرة على حماية هذا الكرسي ليتبين بعد هذه الأزمة انه ليس صحيحاً ان صلاحيات رئاسة الجمهورية في لبنان غير قادرة على تعطيل مشاريع في ما لو تركت لممارسة قناعاتها.