واشنطن ورّطت الرياض وانكفأت بعد تفاهم ترامب بوتين… كما فعلت في أزمة قطر ماكرون ينقذ السعودية بنقاهة للحريري قبل العودة بعد تهديد عون بمجلس الأمن
كتب المحرّر السياسيّ
خرج الرئيس الأميركي متحدّثاً عن إنجازاته في زيارة دول شرق آسيا، خصوصاً ما يتصل بالعمل لإنهاء تحدّي السلاح النووي لكوريا الشمالية، وتصحيح المسارات المالية لكلفة القوات الأميركية في كوريا الجنوبية واليابان وتصحيح الميزان التجاري معهما، فلم يقع السعوديون في خطابه ليل أمس، إلا انتقاده للاتفاق النووي مع إيران عرضاً ما يتعلقون به في إشارة دعم مفترض لهم، تماماً كما حدث معهم بعدما ظنّوا أنّ واشنطن ستخوض حربهم مع قطر، واكتشفوا أنهم وحدهم، وأنّ واشنطن تتحوّل إلى وسيط، وفي الأزمة التي لعب دوراً في تفجيرها صهر الرئيس ترامب جاريد كوشنير، وكان احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أحد ترجماتها، تقدّمت باريس بعدما اطمأنت إلى حياد واشنطن، وأكدت لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل وقوفها مع لبنان بوجه احتجاز الحريري، وسعيها لحلّ وسط يفترض أن يبصر النور قبل الأحد المقبل، قبل الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي في ترجمة لتوجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون باعتبار السلوك السعودي تجاه لبنان عدائياً. وهو ما حاز لبنان عليه دعم الأوروبيين، ومن بينهم فرنسا ما لم تتوصّل المساعي لحلحلة تبصر النور قبل الأحد.
ليل أمس، كشفت الرئاسة الفرنسية بلسان الرئيس إيمانويل ماكرون عن تسوية سيصل بموجبها الحريري إلى باريس برفقة عائلته، لإقامة مؤقتة، قال ماركون إنها شخصية وغير سياسية، بينما كان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي صاغ الاتفاق في الرياض يضع اللمسات الأخيرة على مذكرة الشروط التي تمّ بموجبها الاتفاق على السماح السعودي بسفر الحريري إلى باريس، ولاحقاً بضمانة باريس إلى بيروت.
مصادر مطلعة قالت لـ «البناء» إنّ الاتفاق الفرنسي السعودي يضمن تجنيب السعودية مواجهة بيان رئاسي يصدر عن مجلس الأمن الدولي يطالب بعودة الحريري إلى لبنان وحفظ الاستقرار اللبناني ودعم مؤسسات الدولة الدستورية، وفي المقابل يضمن تراجعاً سعودياً عن احتجاز الحريري وتراجعاً عن سقف التصعيد وفقاً لبيان الاستقالة، وفتحاً لحوار لبناني لبناني لا يزعزع الاستقرار، ويقدّم الفرنسيون ضمانتهم بعدم توصل الحريري لتفاهمات لا تحظى برضاهم، وعدم إفصاحه عن تعرّضه للتهديد والاحتجاز، وانضباطه بسقف سعودي فرنسي مشترك في تحرّكه السياسي.
الانكفاء الأميركي عن تقديم التغطية للسعودية تزامن مع التفاهم الذي صاغه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، والذي ضمنت عبره واشنطن مساراً ينتهي بحلّ سياسي للأزمة الكورية، وتقدّم في المقابل لموسكو دعماً لمسارها للحلّ السياسي في سورية، وهو تفاهم لا تلغي مفاعيله السجالات العلنية التي لا تتوقف بين العاصمتين بينما تجد التفاهمات سبيلها للتنفيذ كما تقول الصحافة الأميركية.
التتمة ص10
لبنانياً، كانت تحركات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحديثه عن تعرّض لبنان للاعتداء على سيادته من الجانب السعودي، باحتجاز رئيس حكومته، تتصدّر الأحداث ومعها وقائع اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية جبران باسيل، وحصد فيها دعماً لموقف لبنان من العواصم الأوروبية، بينما كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري يضع التطورات المتوقعة بعد عودة الحريري وقفاً على تصرّف الحريري تجاه إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة بعد الاستقالة، فقبوله مؤشر انفراج ورفضه علامة تأزّم.
الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يحتفل بذكرى تاسيسه أيّد في بيان بالمناسبة مواقف الرئيسين عون وبري وتمسكه بالسلم الأهلي والاستقرار في لبنان، مؤكداً ثقته بنصر سورية والعراق على الإرهاب وخطر التقسيم، داعياً للتمسّك بعناصر القوة والوحدة، لتكون فلسطين هي البوصلة دائماً، فالحزب هو حزب فلسطين والمقاومة أولاً وأخيراً.
«القومي»: تحصين الوحدة الداخلية أولوية
أكدت عمدة الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي أنّ ما يحاول البعض اليوم فرضه على لبنان، بمخططات خبيثة، تكشّفت خيوطها بفرض استقالة جبرية على رئيس حكومة لبنان، لا يمكن لأحد قبوله أو الموافقة عليه، لأنّ من شأن ذلك تغيير وجه لبنان الذي غيّر وجه التاريخ وألحق الهزيمة بالعدو الصهيوني وحرّر جلّ أرضه وكلّ قراره.
وأكدت عمدة الإعلام في بيان أصدرته بمناسبة الذكرى الـ 85 لتأسيس الحزب على الموقف الذي أعلنه رئيس الحزب، بتأييد مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وبطبيعة الحال للحلفاء في المقاومة، وذلك برفض أيّ بحث بشأن استقالة رئيس الحكومة قبل عودته حراً إلى بيروت، حيث يمكنه اتخاذ الموقف الذي يشاء وعندها لكلّ حادث حديث».
كما شدّدت على أولوية تحصين الوحدة الداخلية في لبنان، وحماية الاستقرار والسلم الأهلي، باعتبارها عوامل أساسية تضاف إلى عناصر القوة التي يمتلكها لبنان في مواجهة أيّ عدوان على لبنان.
الحريري إلى فرنسا خلال 48 ساعة
يبدو أنّ المفاوضات التي يخوضها وزير الخارجية الفرنسي مع النظام السعودي أفضت الى تسوية تقضي بانتقال رئيس الحكومة سعد الحريري الى فرنسا في زيارة خاصة خلال 48 ساعة، كما أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بأنّ «الدعوة للحريري الى فرنسا ليست إلى المنفى بل زيارة لأيام»، ما يعني أنه سيعود الى لبنان في وقتٍ قريب، وكشفت مصادر الإليزيه أن الحريري سيتوجّه اليوم الى فرنسا.
وقال ماكرون في بيان نشره قصر الإليزيه: «بعد التحادث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، دعا الرئيس ماكرون، الرئيس الحريري وأسرته إلى فرنسا».
وقد خاض وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الموجود في الرياض مشاورات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للتوصل الى حلّ لقضية الحريري، بالتزامن مع اتصالات جرت بين ماكرون وبن سلمان.
كما أكدت الأوساط قبول الرياض بالعرض الفرنسي الذي جاء في ضوء تهديدات بعبدا بالذهاب الى مجلس الأمن الدولي.
من جهة أخرى، كشفت صحيفة «لوموند» الفرنسية أنّ «السفير الفرنسي في السعودية زار الحريري في منزله في الرياض وأرسل تقريراً الى الرئاسة ووزارة الخارجية الفرنسية يتضمّن تأكيدات بأنّ «الحريري محتجز وأنه لم يُسمح لها بلقاء الحريري على انفراد بل بحضور عناصر وضباط أمنيين».
ورجّحت مصادر أن ينجلي مشهد اعتقال الحريري قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب الأحد المقبل.
عون يرفع السقف: «المملكة» تعتدي على لبنان
وكان رئيس الجمهورية قد رفع سقف موقفه نتيجة تجاهل النظام السعودي المطالبات والمناشدات والمراسلات اللبنانية وحتى الدولية والمماطلة في إطلاق سراح الحريري من معتقله السياسي، حيث أعلنها عون بوضوح أنّ احتجاز المملكة لرئيس الحكومة عمل عدائي ضدّ لبنان وعلى استقلاله وكرامته، وعلى العلاقات التي تربط بين لبنان والسعودية»، مشدّداً على أنّ «استمرار احتجازه في المملكة يشكل انتهاكاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لأنّ رئيس مجلس الوزراء محتجز من دون سبب وتجب عودته معزّزاً مكرّماً». ولفت عون الى أنّ «دولاً عربية تدخلت من أجل عودة الرئيس الحريري إلا أنه لم يحصل معها أيّ تجاوب، لذلك توجّهنا الى المراجع الدولية». غير أنّ مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدولية الوزير السابق الياس بو صعب نقل عن عون بعد لقائه به حرصه على متانة العلاقات اللبنانية السعودية ولا يريد أن يستغلّ أحد غموض وضع الرئيس الحريري للإساءة إليها.
وقد أفادت معلومات صحافية، أنّ المجلس الأعلى الأمني السياسي السعودي سيجتمع، وسيكون له ردّ قاسٍ على مواقف الرئيس عون .
في حين أعرب دبلوماسي رفيع في مجلس الأمن عن قلقه من الوضع في لبنان، وقال في حديث صحافي: «نريد أن يعود الحريري إلى لبنان من دون أي تأخير». وأضاف: أرى بعض المنفعة في مناقشة الأمر في مجلس الأمن، لا سيما أنّ الأوضاع تدعو الى القلق، ليس فقط الأوضاع في لبنان بل في المنطقة كلها».
بري يتحدّث عن احتمالين لما بعد العودة!
وكرّر رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، في لقاء الأربعاء النيابي، دعوته الرئيس الحريري الى العودة عن قرار الاستقالة، فقال: «حتى بعد عودة الرئيس الحريري فإنه امام السيناريوات المرتقبة أكرّر أنّ العودة عن الاستقالة فيها عدالة واستقرار، لبنانياً وعربياً، وليس فيها استفزاز لأحد».
وتحدث رئيس المجلس بحسب ما نقل زواره لـ «البناء» عن احتمالين لما بعد عودة الحريري: الأول هو تقديم الحريري استقالته الى رئيس الجمهورية واستشارات نيابية جديدة تفضي الى اعادة تكليف الحريري، لكن من دون تشكيل حكومة حتى الانتخابات النيابية ما يُبقي على الحكومة الحالية كتصريف أعمال، أما الاحتمال الثاني والأقلّ ترجيحاً فهو تقديم الحريري استقالته ورفضه إعادة تكليفه، الأمر الذي سيتسبّب بأزمة سياسية وحكومية».
وفي حين أشارت مصادر «البناء» الى أن الحريري قد يحاول بعد عودته الى لبنان إقناع الرئيس عون قبل تقديم استقالته بتعديل شروط التسوية السياسية لجهة تدخل حزب الله في شؤون الدول العربية وموقف وسياسة لبنان الخارجية تجاه إيران والنظام في سورية». لفتت المصادر الى أنّ أيّ تعديل على هذه التسوية بناء على شروط السعودية لن يقبل به الرئيس عون ولا حزب الله وإنْ أدّى ذلك الى تقديم الاستقالة وإعادة تكليفه تصريف الأعمال، لأن لا يمكن للبنان أن يتحمّل إدخاله في المحور السعودي المعادي لسورية وإيران وهذا ما يخالف بيان الحكومة الوزاري لجهة الابتعاد عن صراع المحاور».
من جهته، اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أنّ «ما حدث مع الحريري استثنائي وغير مألوف والمعالجة برأيي يجب أن تكون هادئة ضمن الأصول وهو عائد كما أكد، لكن لا لإعلان الحرب على المملكة».
«المملكة» تدفع بالعلاقة مع لبنان إلى حافة الهاوية
وتوقّع دبلوماسي سابق في واشنطن مزيداً من التوتر في العلاقات اللبنانية السعودية وأن تنتقل المواجهة الى المحافل الدولية، إذا استمرت الازمة على حالها، وأوضح المصدر الدبلوماسي لـ«البناء» أنّ «المملكة تدفع بالعلاقة مع لبنان الى حافة الهاوية، إما يتمّ إنقاذها وإعادتها الى مجاريها وإما سقوطها في الهاوية».
لكن الدبلوماسي أكد أنّ «القرار في السعودية اتخذ بعودة الحريري لكن ما يتمّ التفاهم عليه هو ترتيبات تتمحور حول أسس العودة والاتفاق على تحديد المرحلة المقبلة ووظيفة الحريري بعد عودته لا سيما النأي بالنفس وحدوده وآليات تطبيقه، وإذا ما كان يستطيع رئيس الحكومة الفرض على الدولة اللبنانية تقليص تمدّد حزب الله في المنطقة». ولفت المصدر الى أنّ «الخطوات السعودية تجاه لبنان غير طبيعية متوقعاً مزيداً من الضغوط الدولية على السعودية لأنّ اسقرار لبنان الأمني والاقتصادي أولوية لدى الغرب الأميركي والأوروبي»، مشيراً إلى «العمل الأميركي الدؤوب كي لا يطال قرار العقوبات على حزب الله النظام المصرفي اللبناني».
واستبعد الدبلوماسي شنّ حرب سعودية على لبنان، لأن لا أسباب موضوعية لهذه الحرب، وأشار إلى أنّ «تصاعد وتيرة التصعيد بين طهران والرياض نتيجة السياسات الأميركية الجديدة التي وضعت المواجهة مع إيران وضرب حلفائها في المنطقة أولوية كبديل عن عجز الرئيس الأميركي عن نسف الاتفاق النووي».
ولفت الى أنّ «ما يحدث في السعودية من أحداثٍ داخلية وتغييرات في الحكم يشير الى ترهّل وضعف السعودية بعد توسيع نطاق مواجهاتها وتدخلاتها في الخليج والشرق الأوسط وخرجت أضعف من حرب سورية والعراق واليمن ودول أخرى والآن وضعتها الأزمة اللبنانية في إحراج شديد أمام العالم». واعتبر أنّ «القيادة السعودية الحالية أقلّ خبرة وحنكة وحكمة بكثير من الحكام والملوك والأمراء السعوديين السابقين»، ولفت الى أنّ «مستقبل الوضع في السعودية مجهول، لأنه مرتبط بسياسات الولايات المتحدة والوضع في الخليج والمنطقة والتسويات التي لم تتضح بعد بين موسكو وواشنطن».
روحاني: التدخل السعودي السافر غير مسبوق
وردّت إيران أمس، بقوة على الرياض على لسان رئيسها الشيخ حسن روحاني الذي اعتبر أنّ «التدخل السعودي السافر في بلد كلبنان ودفع رئيس حكومته للاستقالة أمر غير مسبوق في التاريخ… ومن المعيب والمخجل أن يترجّى بلد مسلم الكيان الصهيوني لكي يقوم بقصف الشعب اللبناني».
باسيل: فلتحلّ السعودية مشكلتها مع إيران
وعشية اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الأحد المقبل، زخّم وزير الخارجية جبران باسيل من حركته الدبلوماسية في عواصم دول القرار في العالم، لنقل موقف لبنان الرسمي من قضية احتجاز الحريري، وانتقل أمس الى روما حيث التقى نظيره انجيلينو الفانو، وقال بعد اللقاء: «الحريري ليس حزب الله وأنا واللبنانيون لسنا حزب الله، واذا كانت لدى السعودية مشكلة مع إيران وحزب الله فلتحلها معه أو مع إيران لا مع اللبنانيين».
وكان باسيل زار بريطانيا والتقى وزير خارجيتها بوريس جونسون الذي أكد «حرص بلاده على استقرار لبنان وإبعاده عن ايّ تصفية حسابات إقليمية». كما التقى وزير خارجية الفاتيكان بول ريتشارد غلاغير .
ويتوجّه باسيل الى موسكو غداً الجمعة، للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي أكد «ضرورة تسوية القضايا الحساسة في لبنان من دون تدخل خارجي».
كما التقى باسيل في روما البطريرك مار بشارة الراعي الذي حمّله رسالة الى الرئيس عون.
توقيف «أبو طاقية»
أمنياً، وبعد توقيف الإرهابي الفلسطيني يحيى عماد ياسين، نجل الموقوف الفلسطيني البارز عماد ياسين، أوقفت قوة من مديرية المخابرات أمس في بلدة عرسال، المدعو مصطفى الحجيري الملقب بـ «أبو طاقية». وقد «بوشر التحقيق معه بإشراف القضاء المختص».