قمة سوتشي تنبئ بانتهاء الأزمة السورية

أسامة العرب

تؤشر المعطيات الإقليمية والدولية كلّها بأنّ الأزمة السورية قد شارفت على الانتهاء، خصوصاً بعد هزيمة تنظيم «داعش» والاستدارة التركية نحو موسكو، ونضوج التفاهمات الأميركية الروسية التي أعلنت منذ فترة وجيزة وأكدت أولوية الحلّ السياسي. وقد انعقدت القمة الثلاثية بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا، في منتجع سوتشي الأربعاء الماضي، وذلك لمناقشة الحلّ السياسي في سورية. حيث أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في افتتاح القمة، أنّ الجهود الدولية المبذولة أسّست لمرحلة جديدة لإنجاز التسوية السياسية الحقيقية في سورية. وشدّد الرئيس الإيراني حسن روحاني على مسألة أنّ الأزمة في سورية منذ البداية كانت مصحوبة بتدخّلات أجنبية ودعم للمسلحين من الخارج وهذا ما أخّر إيجاد حلّ للوضع، أما اليوم فإنّ لقاء سوتشي يفتح آفاقاً جديدة لإنجاز التسوية في سورية. فيما بدت تركيا كالمهرولة باتجاه حلحلة الأمور لأسباب تتعلق بوحدات حماية الشعب الكردية، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، خاصة في عفرين، والذي يشكل تهديداً لأمنها القومي. كما أشاد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بمسار المباحثات الدولية حول سورية في أستانة، معتبراً أنها كانت في مصلحة منطقة الشرق الأوسط بأكمله.

وتختلف هذه القمة عن سابقاتها في ظروفها وملابساتها، لكونها تأتي مع انتهاء سيطرة تنظيم «داعش» في كلّ معاقله الرئيسية في سورية كما في العراق، وهو ما يجعل الحديث عن حلّ سياسي في سورية وبلورة خطوطه العريضة حاسماً. لا سيما أنّ البيت الأبيض أصدر بياناً قبيل قمة سوتشي أفاد فيه بأنّ ترامب أكد في اتصال مطوّل مع بوتين ضرورة ضمان الاستقرار في سورية موحّدة بعيداً عن التدخلات، وإيجاد حلّ سلمي للحرب وإنهاء الأزمة الإنسانية والسماح للاجئين السوريين بالعودة إلى بلدهم. كما أنّ هذه القمة تأتي بالتزامن مع تحضيرات لافتتاح الجولة الثامنة من المفاوضات السورية في جنيف في 28 تشرين الثاني الحالي، وقبيل مؤتمر الحوار الوطني السوري في 2 كانون الأول المقبل في سوتشي.

وفي مقال نشرته صحيفة «يسرائيل هيوم» الخميس الماضي، أشار المعلّق «الإسرائيلي» إيال زيسير إلى أنّ «إسرائيل» قلقة من نتائج قمّة سوتشي، لأنّ الإيرانيين والروس يرغبون بإنجاز تسوية طويلة المدى في سورية، وأنّ الروس يريدون من «إسرائيل» أن تسلّم ببقاء التعاون الإيراني السوري مقابل إبعاد القوات الإيرانية وقوات حزب الله عن حدودها، وخاتماً بأنّ «إسرائيل» تدفع ثمن عدم وجود حليف لها في قمة سوتشي. وفي مجلة «مباط عال» «الإسرائيلية» أشار الباحثان «الإسرائيليان» أودي ديكل وتسفي مغين إلى أنّ ما يقلّص هامش المناورة أمام «إسرائيل» ويجعلها تنصاع لضغوط الروس أنّ إدارة ترامب لا تملك استراتيجية للتعاطي مع الأوضاع في سورية، ذلك أنّ الهدف الوحيد الذي وضعته إدارة ترامب يقتصر على إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» فقط.

وبالتالي، يظهر واضحاً كيف أنّ ترامب يواصل تطبيق سياسة أميركا أولاً، ومواصلة تقليص التواجد الأميركي في الشرق الأوسط الذي بدأه أوباما. وكيف أنّ موازين القوى في الشرق الأوسط قد تبدّلت، لا سيما بعد توجّه دول منطقة الشرق الأوسط نحو الشرق، عوضاً عن الغرب. حيث بات النموذج الروسي الصيني الأكثر جذباً لاهتمام دول المنطقة، منه إلى النموذج الأميركي الأوروبي. وما أدلّ على ذلك، سوى أنّ المكالمة التي سبقت قمة سوتشي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب، أظهرت بشكل واضح للعيان أنّ واشنطن قد تركت حلّ الأزمة السورية لموسكو. وهذا ما أكدته صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية، التي اعتبرت أنّ الولايات المتحدة انسحبت تماماً من التسوية السورية، وتركت مصير البلاد لمرحلة ما بعد الحرب في أيدي موسكو وطهران وأنقرة. واللافت حقيقة أنّ الصين قد أصدرت مؤخراً الكتاب الأصفر للشرق الأوسط، الذي يتناول منطقة الشرق الأوسط في أعتاب «عصر ما بعد أميركا»، والذي يركز على ثلاثة محاور رئيسية وهي تراجع النفوذ الأميركي، وصعود الدور الروسي، ومستقبل التنمية. وربما لذلك، بتنا نرى الاستياء «الإسرائيلي» من الإدارة الأميركية، التي اضطرّت أن تسلّم زمام الأمور في الشرق الأوسط إلى روسيا منذ السنة الأولى لولاية ترامب. حيث بدأت دوائر القرار في «إسرائيل» تتململ من حملة التهرّب الأميركية من الالتزام تجاه أمنها، وتعزو ذلك إلى الانقسام الذي بات يعصف بالسياسة الأميركية الداخلية والخارجية.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الدور الروسي في إنهاء الأزمة في سورية قد شكّل نقطة تحوّل مفصلية أعادت روسيا لمكانتها المعهودة كقوة دولية مؤثّرة في شؤون منطقة الشرق الأوسط، وبدت روسيا وكأنها تقود مسار الأحداث بعد أن سلّمت القوى الدولية والإقليمية الأخرى بنفوذها. كما شكّلت إيران لاعباً دولياً هاماً في صنع عملية الاستقرار في الشرق الأوسط، ابتداءً من العراق وسورية ووصولاً إلى لبنان، ذلك أنّ إيران لديها كلّ المقوّمات والإمكانيات لتمارس هذا الدور المسؤول، لا سيما بسبب قدرتها على فرض نمط جديد من العلاقات مع الدول الكبرى تقوم على أساس الندّية واحترام الحقوق والسيادة. في ما يبدو واضحاً أنّ الولايات المتحدة الأميركية سوف تتجه من الآن فصاعداً إلى خيار جديد للتعامل مع الخلافات والصراعات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، ألا وهو أسلوب القوة الناعمة والدبلوماسية عوضاً عن الوجود المباشر، وهو ما فتئ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصرّح به، مشدّداً على أنّ الولايات المتحدة لن تحارب بالنيابة عن أحد، وبأنّ دورها سيقتصر على القيام بإصلاحات تدريجية في دول الشرق الأوسط، لكنها لن تقوم بأية تدخّلات مباشرة.

إنّ الدور البنّاء لمحور المقاومة ساهم في القضاء على فتنة الإرهابيين في سورية والعراق ولبنان، الأمر الذي يؤكد مدى صوابية خيار المقاومة في مواجهة المشروع الصهيو – التكفيري وقوى الاستكبار والإرهاب انتصاراً على العدوان والاحتلال والحصار والهيمنة، وتمسكاً بوحدة كلّ بلد مستهدَف بالتجزئة والتقسيم لاستعادة الحقوق المسلوبة وصون القضايا وعلى رأسها قضية فلسطين. ولذلك، لا بدّ من تعميم المعادلة الذهبية «الشعب والجيش والمقاومة» في جميع الدول المستضعفة لمواجهة الإرهاب المنظم والعصابات التكفيرية وللحفاظ على وحدة الأوطان وهويتها الممانعة والمقاومة.

أخيراً، نحن نشهد الآن نموذجاً جديداً على مستوى نظام الشرق الأوسط، فبدلاً من تقسيم سورية والعراق، وهو التقسيم الذي كانت تزدهي به الولايات المتحدة وتقدّمه على أنه واقع لا محالة، فإنّ التاريخ أخذ اتجاهاً معاكساً تماماً، خصوصاً بعدما دخلت دول الممانعة والتحرّر في منطق وحدة لا سابق لها لجهة توجهاتها التحرّرية المناهضة لأطماع الهيمنة الخارجية، ولجهة القدرة على صون هذه الوحدة والدفاع عنها وعن المصالح الحقيقية لشعوب المنطقة. كلّ هذا وسط غيظ المحور المقابل الذي تبخرت آماله وأحلامه بمشروع الشرق الأوسط الجديد وبتقسيم المقسّم ورسم سياسات المنطقة، وفقاً لما تقتضيه مصالحه، وبعدما سقطت فزاعة التكفير والإرهاب، وسقطت معها الأقنعة المزيّفة وخرجت إلى العلن مشاريع التطبيع المجاني مع العدو، على حساب القضية الفلسطينية والمقدسات وحق العودة. ونختم بالقول إنّ البيان الختامي لمؤتمر سوتشي، والذي تمّ التأكيد فيه على سيادة سورية ووحدة أراضيها، والمساهمة الفعّالة بهدف إحلال السلام والاستقرار في سورية، ينبئ بأنّ الأزمة السورية انتهت، وما بقي إلاّ الصياغة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى