أبطال الأجساد المتفجّرة أشجار أرز شامخة تسمو بسفح الباروك «مؤسسة رعاية أسر الشهداء» تغرس شهداءنا أرزات… وتحية لسعيد فخر الدين

اعتدال صادق شومان

على الطريق صعوداً عند ثنايا السماء الواسعة والشمس شامخة تهلّ وتسطع على المطلّ الأخضر حيث وكر النسور، ورغم غيوم تشرين الرمادية لكنها أفسحت بصحوة كرمى للأعياد التشرينية، عيد التأسيس، وعيد الاستقلال، وفي اليقين إنها أعياد ما أينعت لولا إيقاع ملحمي صاغه دم قدوة، زعيماً وشهيداً، ويوم افتدى أبو السيف القاطع سعيد فخر الدين، «يلي راح وبكّر» و«صار وحده القصة اللي بتتخبّر» بيوم الاستقلال. وهناك على ضفاف بردى، وغوطة عادت وادعة، دويّ انتصار يتلو بيانه حماة الديار من الجيش و«اخوة تراب ودم»، ونسور زوبعة حمرا ء رفعوا راية الوطن فوق كلّ الرايات.. في مراسم عرس لا تنتهي، وساحات نصر لا تنتهي، مواعيدها تتجدّد، وبطولاتها لا تنضب إلا في أفياء بيسان وميسلون..

عند هضاب الغيم تجاور سفح جبل الباروك، كان موعدنا،

في بيئته المحميّة تتهادى أشجار شوح ولزاب وسنديان، وبهاء أرزٍ تضوّع على وهاد وتلال وقمم معتدّة، بدعوة «من مؤسسة رعاية أسر الشهداء» في الحزب السوري القومي الاجتماعي لنزرع أشجاراً تخليداً لذكرى صانعي فجرنا في معترك النصر أجساداً متفجّرة وقد افتتحوا عهد البطولة المؤيدة بصحة العقيدة.

نتلو سيرة فتيات وفتيان أبطال لم تكن قد ارتسمت ملامحهم بعد يومَ أعادوا الوديعة للأمة، وصار الموت لعبتهم إذا تطلّع صوب الوطن عدوان. معجزتهم أنّهم لا يملكون سوى دمهم وقد هدروه سخياً. الدم الذي جعل ملحمة الموت طريقاً للحياة، ليصبحوا الأسطورة، وباتوا يعانقون مكانة الشرف في ربى وشذا أرز الباروك عين زحلتا، وتخليداً لروح كلّ شهيد أرزة يمنحها اسمه، وطيباً من طيبه ومَن غيرُ الشهداء يضيفون إلى شموخ الأزر شموخاً، وإلى هيبته هيبة الدم، وكلاهما الأرز والشهيد باسقان في العلوّ والصمود وخالدان مدى الدهر.

وليُضحي الأرز في ظلّ قاماتهم «محمياً»، ويتغاوى فوق جبال الحرية، ليصيروا الشجر الضاربَ جذوره في الأعماق والمتصاعدَ نحو ضوءِ تليه أضواء.

فصارت الأشجار، وجدي وسناء، مريم ومحمد، ابتسام وخالد، نورما وعمار، علي وفدوى، زهرة ومالك… فتوحّدوا على مساحة الوطن في عبق شهادة لا ينطفئ زيتها، بطوق ذخيرة المقدّسة خشب من زيتون فلسطين، وحفنة من أريج ليمونها، وشتلة تبغ مجدولة من أرض الجنوب وعطر ياسمين شامي عاد فواحا.. هم طليعة انتصارانتا..

بمبادرة من «مؤسسة رعاية الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة «، وبالتكافل مع منفذية الشوف وبالتواصل مع إدارة محمية جبل البروك غابة عين زحلتا – بمهريه، أنجز مشروع غرز إثنتي عشرة شجرة أرز تحمل أسماء الأبطال الاستشهاديين في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

انطلق الموكب من منزل المنفذ العام جميل راجح في بعقلين إلى غابة عين زحلتا، وقد ضمّ عقيلة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي نهى الناشف، عميدة شوؤن البيئة ليلى حسان، رئيسة «مؤسسة رعاية أسر الشهداء» المنظّمة للمشروع نهلا رياشي، نائب رئيسة المؤسسة ثلجة زيتون وأعضاء الهيئة وعدداً من القوميين الإجتماعيين في منفذية الشوف.

عند وصول الوفد إلى مدخل غابة عين زحلتا تمّ تسلّم 12 شجرة أرز من إدارة محمية الباروك على تعداد الرفقاء الاستشهاديين مع «بلاك» خشبي يحمل أسماءهم مصنوع من خشب الأرز قادر على تحمّل تقلّب الأحوال الجوية وظروفها القاسية، وأيضاً إفادة من وزارة البيئة تفيد وتثبت وجود هذا الغرسات في الغابة المذكورة.

وقد توزّع الرفقاء «بهمة» وأجواء احتفالية على غرس «الأرزات» على إحدى تلال غابة عين زحلتا ـ بمهريه.

من منفذية الشوف.. تحية للشهداء

وبعد غرس الأشجار ألقى كلمة منفذية الشوف ناموس المنفذية أنطون حداد رحّب فيها بالحضور وبمؤسسة «رعاية أسر الشهداء» في «محمية أرز الشوف – غابة عين زحلتا»، وقد بارك الخطوة بالقول: «في أجواء الاحتفال بعيد الاستقلال التي نعيش نقول إنه ليس بالغريب علينا استذكار شهداء حزبنا وتكريمهم. فمنذ لحظات الاستقلال الأولى قدّم الحزب السوري القومي الاجتماعي شهيد الاستقلال الأوحد سعيد فخر الدين الذي قاوم الاحتلال الفرنسي يومها مقدّماً دماءه الزكية قرباناً على مذبح هذا الوطن، وحتى الأمس القريب كان رسميون يتنكّرون لاسمه ليخفوا عن اللبنانيين بطولة هذا الشهيد، الذي وقف مواجهاً الى جانب سنديانة بشامون العتيقة ثلة من مرتزقة الجيش الفرنسي».

وأضاف حداد: لسعيد فخرالدين ورفقائه الأبطال الذين استكملوا مسيرة حماية استقلال لبنان من دنس العدو الصهيوني حين قدّموا أرواحهم الطاهرة فداءً لاستقلال وطننا وحماية أبنائه، ألفُ تحية إجلالٍ وإكبارٍ، ولشموخ أرزه عالياً، فإننا اليوم نغرس معاً أرزات حاملة أسماءهم التي سينساها اللبنانيون إذا نسوا أنّ وسط علم بلادهم أرزة خضراء ستبقى خالدة مدى الأزمان مردّدين معاً قول سعاده العظيم قبيل استشهاده: يبدو أنّ الاستقلال الذي سقيناه دماءنا يوم غرسناه عاد ليستسقي عروقنا من جديد.

رياشي: كنتم الوجدان الحيّ المعبّر عن الأصالة

كما ألقت نهلا رياشي كلمة مؤسسة «رعاية أسر الشهداء» أشارت فيها إلى «أننا جئنا نغرس للاستشهادين شجر أرز بأسمائهم. فهم أبناء الأمة. هم أبناء البطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة التي جسّدوها، فكانوا الأمناء على البرّ بقسمهم فأعطوا دمهم في سبيل قضية أمتهم وكانوا شهداء. هم الآتون من كلّ صوب بإرادة قوية وعزم جبار أكبر من المسافات والأقضية والمحافظات والكيانات فأينعت أرض الجنوب زوابع تعزف لأمّتهم نشيد الخلود.

وخاطبت رياشي الشهداء بقولها: ذات يوم يا رفقائي، يا أحبائي، غدوتم فلذة من كبد الوطن والأمة والمجتمع، يا شباب الحرية المتجدّدة، أيها الجيل الراقد على دروب التاريخ الواسعة. يا رفقائي أتصوّركم بعيوني في مرتبتكم التي تريدونها مرتبة الرفقاء، مرتبة الشهداء، يا مَن انتصرتم بإرادتكم وصراعكم رغم كلّ المحاولات من البعض لردعكم، ولكن بتصميمكم كنتم أبطالاً بأجساد عبوات هزمت المؤمرات فغيّرت وجه التاريخ، رافضين الموت في معارك جانبية محلية مذهبية طائفية عشائرية، فكنتم الوجدان الحيّ المعبّر عن الأصالة.

… وشكر من منفذ عام الشوف

وفي الختام كانت كلمة لمنفذ عام الشوف جميل راجح الذي شكر باسم القوميين الاجتماعيين الحضور على المشاركة في هذه المناسبة السامية بدلالاتها الوطنية، وخصّ بالشكر المسؤولين عن محمية غابة أرز الباروك بشخص نزار هاني وبهاء فليحان وأياد حلاوي، على تعاونهم واهتمامهم بمشروعنا وحفاوتهم باستقبالنا، ونأمل أن تنمو هذه الغرسات وتعلو بعنايتكم وتسمو إلى مستوى قامة شهدائنا الأبرار.

حسّان لـ «البناء»: ها هم شهداؤنا أحياء بيننا

وكان لعميدة شؤون البيئة ليلى حسان، كلمة خاصة لـ «البناء» حول المناسبة جاء فيها: «نحن اليوم في محمية أرز الشوف، وها هم شهداؤنا أحياء بيننا نزرع لكلّ منهم أرزة خالدة كخلودهم وخلود عطاءاتهم. فكما أراد استشهاديو الحزب مقاومة العدو ورووا أرض الجنوب بدمائهم، نحن اليوم نكرّس ترسيخ أسمائهم أبناء وطن من محافظاته وأقضيته كافة، فانطلقوا ودافعوا عن الأرض وكانوا السبب في اندحار العدو الصهيوني».

وختمت بتوجيه الشكر إلى قيادة الحزب ومنفذية الشوف ومؤسسة رعاية الشهداء لدعمهم عمدة البيئة، وتأكيداً على قول سعاده: «شهدؤانا هم طليعة انتصارتنا الكبرى».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى