مشاورات رئيس الجمهورية.. تفاءلوا بالخير تجدوه
لا يزال قصر بعبدا منذ استقالة الرئيس سعد الحريري في 4 تشرين الثاني محور اللقاءات والاهتمامات الداخلية. فكما فتح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ابواب القصر امام القوى السياسية كافة للبحث في ترددات الاستقالة وفي كيفية إيقاف مفاعيلها السياسية والأمنية والاقتصادية، أعاد أمس فتح الأبواب مجدداً، وعقد سلسلة لقاءات تشاورية مع الكتل السياسية الممثلة في الحكومة وعدد من الأحزاب اللبنانية، وذلك للوقوف على آرائها في عدد من المواضيع التي طرحها الرئيس الحريري لدى إعلانه التريث في استقالته، والتي حدّدها بثلاث نقاط: التزام اتفاق «الطائف»، الحفاظ على علاقات لبنان بالدول العربية وتنفيذ سياسة «النأي بالنفس» عن الصراعات والمحاور الإقليمية قولاً وفعلاً، قبل أن يضع الرئيس عون رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس الحريري في لقاء ثلاثي جمعهم في نتائج المشاورات التي استمرّت طيلة فترة قبل الظهر، خرج بعدها بري والحريري من دون الإدلاء بأي تصريح، حيث اكتفى الرئيس بري بالقول لدى خروجه تفاءلوا بالخير تجدوه. أما الحريري الذي التقط السلفي بنفسه مع الصحافيين بعد مغادرة بري قصر بعبدا، قال رداً على سؤال عن موقفه: «شايفين ضحكتي شو كبيرة».
صدر بيان عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، أشار إلى أن «الرئيس عون عرض مع رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، نتائج المشاورات مع رؤساء وممثلي عدد من الكتل النيابية، التي كانت إيجابية وبنّاءة، وقد توافق خلالها المشاركون على النقاط الأساسية التي تمّ البحث فيها، والتي ستعرض على المؤسسات الدستورية بعد استكمال التشاور في شأنها، إثر عودة الرئيس من زيارته الرسمية الى ايطاليا، والتي تبدأ يوم الاربعاء المقبل وتستمر حتى يوم الجمعة.
وقد أشاد الرئيس بالتجاوب الذي لقيه من رؤساء وممثلي الكتل السياسية الذين شددوا على أهمية المحافظة على الوحدة الوطنية والاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي وتذليل العقبات امام ما يعيق مسيرة النهوض بالدولة التي بدأت قبل سنة».
وكان معظم رؤساء الكتل النيابية والأحزاب السياسية أجمعوا على «أهمية الالتزام بالنأي بالنفس باستثناء النائب محمد رعد الذي لم يُشر اليه وتفعيل العمل الحكومي المُجمّد منذ الاستقالة، علماً أن هناك انقساماً حول النأي بالنفس تمثّل برأيين: الأول بدعوة البعض إلى تحديد مفهوم هذا النأي لأنه «مطاطي»، وألا يشمل الأزمة السورية والتهديدات الإسرائيلية والارهاب، في حين شدد اصحاب الرأي الثاني القوات اللبنانية والكتائب على ضرورة الالتزام فعلياً بالنأي والحياد الإيجابي عن أزمات المنطقة.
وافتتح الرئيس عون المشاورات باستقبال وزير المال علي حسن خليل ممثلاً حركة أمل الذي قال بعد اللقاء «سألنا رئيس الجمهورية حول مجموعة من النقاط التي هي مدار بحث، وكان واضحاً تقارب وجهات النظر مع فخامته حول معظم القضايا المطروحة والتي فيها تأكيد على التزام لبنان وحكومته بالثوابت التي تم الاتفاق عليها وصياغتها في البيان الوزاري وتأكيد التزامنا بميثاقنا الوطني. كما تمّ التطرق، في معالجة الأزمة، إلى كيفية متابعة المشاورات وانضاجها حتى إعادة الانتظام الى عمل المؤسسات لا سيما مجلس الوزراء».
وأشار إلى «أننا متفائلون بالوصول الى تفاهم يُعيد العمل في مجلس الوزراء ويُجنّب لبنان أي خضة باستقراره السياسي والأمني».
ثم استقبل رئيس الجمهورية الوزير السابق نقولا الصحناوي ممثلاً «التيار الوطني الحر» الذي لم يدل بأي تصريح.
كذلك، التقى الرئيس عون وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس عن رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الموجود خارج لبنان. وقال فنيانوس «نحن نعتبر أن ما قام به الرئيس وكل طرف في الجمهورية اللبنانية في هذا الموضوع يُعبّر عن الوحدة اللبنانية التي تجلّت في شكل واضح إثر هذه الازمة التي مرّت فيها البلاد. ومن ناحية ثانية، تمنينا على الرئيس استمرار عمل هذه الحكومة ملتزمين التزاماً مطلقاً ببيانها الوزاري، وطبعاً تحت مظلة اتفاق «الطائف» ووثيقة الوفاق الوطني.»
وأضاف «أن البحث الذي يجري اليوم في مختلف الدوائر المعلنة وغير المعلنة، هو حول موضوع النأي بالنفس، واطّلعتم جميعاً في هذا الخصوص على التغريدة التي نشرها فرنجية خلال الأزمة، وهي انه في ما خص موضوع الثوابت نحن لا نغيّر موقفنا ولا نتغير. فهذه ثوابتنا ومستمرون عليها. وابلغنا الرئيس هذا الموقف، واعلنا بصورة صريحة بأننا في هذا الموضوع بالذات وفي المواضيع الاستراتيجية، وموضوع النأي بالنفس هذه هي مواقفنا منذ أن بدأنا بالعمل السياسي، وهي تستمر حتى نهاية عمل هذه الحكومة وما بعدها.»
واستقبل رئيس الجمهورية رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ممثلاً حزب الله وصرّح قائلاً «ان التشاور مهم في هذه المرحلة، خصوصاً في حضرة رئيس الجمهورية القوي وأطراف متفهمين لدقة الظرف وحساسيته. بحثنا في ما يتصل بحماية لبنان وضمان استقلال قراره واستئناف عمل حكومته وعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها وكانت الآراء متطابقة ونأمل ان ننتقل إلى الفعل».
واستقبل الرئيس عون النائب سامي الجميل عن حزب الكتائب الذي قال بعد اللقاء «لقد طرح علينا رئيس الجمهورية موضوعين، الأول ويتعلق برأينا ومفهومنا للنأي بالنفس، وأكدنا في هذا الإطار أن ما نؤمن به هو الحياد الكامل للبنان وليس النأي بالنفس ذي المفهوم المطاط، والذي ليس له اية مرتكزات قانونية او دستورية. إننا مع إقرار حياد لبنان الكامل، وهذا الحياد ليس في الدفاع عن لبنان، لكنه حياد عن الصراعات التي لا علاقة له بها، ذلك أن الدفاع عن لبنان هو شأن لبناني لا يمكن للبنان لا ان يُحيّد نفسه ولا أن ينأى بنفسه عنه. فالدفاع عن لبنان شيء والحياد عن الصراعات الإقليمية التي لا علاقة لها بلبنان شيء آخر».
واستقبل رئيس الجمهورية رئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني وزير المهجَّرين طلال ارسلان الذي أشار إلى أن «موقفنا واضح وصريح في مسألة النأي بالنفس، فكلمة النأي بالنفس عامة ومطاطة وفخامة الرئيس يحاول أن يوحّد الآراء حولها. إننا في هذه المسألة منفتحون على الحوار ومتجاوبون مع اي مسألة ضمن المنطق والمعقول، إنما على المستوى السياسي، فإني لا أفهم ما معنى النأي بالنفس في مواجهة الإرهاب. نريد جواباً على ذلك، او النأي بالنفس بالنسبة الى الاعتداءات «الإسرائيلية» المتكررة على لبنان، فهل هذا ينطبق عليها مبدأ النأي بالنفس؟ هل الإرهاب ومحاربته ينطبق عليهما كلمة النأي بالنفس؟ والنقطة الأساسية في هذه المسألة مثل مسألة الحياد عندما نتكلم عن الحياد. ليس المهم ان نقرر نحن فقط ان ننأى بأنفسنا او نقرر الحياد، فالمهم، أيضاً، ان ينأى الآخرون بأنفسهم عنّا». وتابع المسألة ليست من طرف واحد بل متكاملة. من هذا المنطلق نحن في هذه الساعة نؤيّد موقف فخامة الرئيس ومنفتحون على الحوار مع القوى كلها، وندعم توجهاته للمّ شمل اللبنانيين، لكننا نريد أجوبة واضحة حول مفهوم كلمة النأي النفس عند الجميع وعلى ضوء هذا الأمر كل شخص يدلي بموقفه».
والتقى الرئيس عون الامين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان الذي قال «اكدنا للرئيس وقوفنا الى جانب هذه المبادرة، وهي لإعادة الانتظام الى العمل السياسي الرسمي في البلد. وتمنينا الاستمرار في هذه المبادرة للخروج من الأزمة ونأمل ان يعود الرئيس الحريري الى الحكومة وان يدعو الى جلسة حكومية، ونستمر في العمل حتى إجراء الانتخابات النيابية بناء على البيان الوزاري وعلى التسوية التي تمت مع انتخاب الرئيس ومجيء الرئيس الحريري الى لبنان».
واستقبل الرئيس عون رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي قال «أنا أرى في مكان ما ان هناك من يحاول ان يُقزّم الازمة او ان يأخذها في شكل سطحي، والواقع ليس كذلك. فجميعنا متمسكون بالتسوية وهذا ما أريد أن أؤكد عليه، ونريد الاستقرار الذي له مقوّمات. فليس عبر المزاح يحصل الاستقرار ونحافظ على التسوية، واكبر دليل ان التسوية كانت موجودة، فما هو سبب الأزمة التي نعيش؟ هناك من يلبس التسوية ثوباً ليس لها بالفعل». وأضاف تطرقت مع الرئيس إلى ثلاث نقاط رئيسية، وتناولنا على هامش اللقاء أيضاً موضوع النازحين. ورأينا واضح جداً في هذه المسألة، وهو أنه حان الوقت لأن يعود النازحون السوريون إلى بلادهم بكل كرامة وعزّة. لأنه أصبح هناك حد أدنى من المناطق الآمنة، بقدر الأمن الموجود في لبنان، وبالتالي ليست هناك أي ضرورة لاستمرار وجودهم هنا. ومن يستطيع منهم العودة الى سورية من خلال معبر المصنع فليفعل، وليس لدينا أي مشكلة بذلك، ومن لا يستطيع أن يعود عبر المصنع، فيمكن لن يعود الى المناطق الآمنة في الشمال من خلال تركيا او المناطق الآمنة في الجنوب من خلال الأردن. لذلك فإن على لبنان وبالتحديد وزارة الخارجية أن تنسّق مع الوكالات المعنية في الأمم المتحدة من جهة، ومع الدول المعنية بالأخص تركيا والأردن وروسيا واميركا. وهذا في ما يتعلق بموضوع النازحين الذي لا اعتقد أن هناك احداً في لبنان يختلف حوله».
وتابع جعجع «أما النقطتان الأخريان اللتين يوجد خلاف حولهما، فهما موضوع النأي بالنفس، إذ ان النأي بالنفس يعني الخروج الفعلي من ازمات المنطقة. وانا لا اعتقد اننا كلبنانيين نطلب الكثير إذا طالبنا جميعنا الخروج من ازمات المنطقة وفي شكل عملي. ولنا جميعاً الحرية بأن يكون لنا رأي في هذا الموضوع.
اما النقطة الثانية، فأشار رئيس القوات، إلى أن الدولة إذا لم تكن تريد أن تكون دولة فعلية، فسنبقى معرّضين. فموضوع سلاح حزب الله، مطروح شمالاً ويميناً. ومن الممكن أن يقول البعض إن في ظل هذه الأزمة تطرحون هذا الموضوع، لكننا نرى بدورنا أننا نستطيع ان نذهب الى مرحلة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم». ونحن نرى انه يمكننا ان نترك الأمور على حالها في الوقت الحاضر، لكن القرار العسكري والأمني يكون بيد الدولة، لا سيما ان كل الفرقاء بمن فيهم «حزب الله» موجودون في الدولة».
والتقى الرئيس عون رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد حنبلاط الذي قال بعد اللقاء «في هذه الأزمة التي سنسمّيها عابرة، لكن الصعبة والدقيقة التي مرّرنا بها أثبت الرئيس عون شجاعة هائلة وحكمة كبيرة جداً في كيفية الدوزنة السياسية من أجل الخروج من هذا المأزق. ولا شك أنه كان صوته ومواقفه مهمة جداً في تصويب الأمور واستطعنا من خلالها ان نصل إلى شاطئ الأمان، لذلك، في المحادثات التي جرت اليوم أوكلت له معالجة الأمور الباقية ونثق به وبحكمته».
وأضاف «أعتقد أن من الأفضل ومن الحكمة ان لا نشير في اية محادثات لاحقة إلى قضية السلاح. لأننا إذا اردنا ان ندخل في سجال حول قضية السلاح في الداخل نعود إلى الحوارات السابقة على ايام الرئيس بري في الـ2006 وعلى ايام الرئيس السابق ميشال سليمان. اعتقد هذا الأمر غير مجدٍ. هذا رأيي. فلنتحدّث عن الأمور التي تحدثوا عنها أي النأي بالنفس وكيفية تطبيقه، وعلينا الا ننسى جميعاً ان من المهم جداً ان نهتم بقضية الاقتصاد، صحيح أن حاكم المصرف المركزي أنقذنا او أنقذ الأسواق، لكن نحن بحاجة لمعالجة أكثر، وحتى قضية رفع الفائدة تسبب جموداً في الأسواق لا بد من معالجته».