«عصر المقاومة.. صناعة النصر» لحسن حردان مرجع غنيّ موثّق يواكب التحوّلات لبزوغ النصر
معن حمية
ثلاثة عقود ونصف عقد من الزمن 1982ـ 2017 لخّصها الكاتب حسن حردان في مؤلفه الجديد الصادر حديثاً عن دار بيسان، في 445 صفحة من القطع الكبيرة، تحت عنوان «عصر المقاومة.. صناعة النصر».
الكتاب يتضمّن إلى التقديم من رئيس الجمهورية الأسبق العماد إميل لحود ونائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم والمقدّمة، ثلاثة أجزاء ولكل جزء خلاصته، ويتضمن الجزء الثالث خمسة فصول إضافة إلى مجموعة كبيرة من الوثائق.
ما يميّز الكتاب أنه يقدّم مشهدية متكاملة تكشف بالتسلسل الزمني والمحطات خفايا المخطط الصهيوني ـ الأميركي الذي يستهدف عموم المنطقة، وما واجه هذا المخطط من عثرات جراء نشوء المقاومة وتحقيقها الإنجازات والانتصارات، التي قوّضت كل الاستراتيجيات الصهيونية الأميركية لصناعة الإرهاب تحت عناوين «إسلامية»، وبهدف تدمير المنطقة من الداخل في ترجمة عملية لمفهوم «الحرب الناعمة»، والتي ترتكز على ضرب المجتمعات من داخلها من دون أن تضطر واشنطن لخوض الحروب مباشرة، على غرار غزو العراق واحتلال أفغانستان.
إغفال 3 محطات مقاومة قومية أسّست النصر
صحيح أن الكتاب أغفل ذكر بعض المحطات والأحداث المفصلية التي أدّت إلى إعاقة المخطط المعادي، كتلك التي حصلت في 21 تموز 1982 «عملية إسقاط شعار سلامة الجليل» الذي رفعه العدو الصهيوني ذريعة لاجتياح لبنان، وهي العملية النوعية التي جرى خلالها إطلاق صواريخ الكاتيوشا من محلة سوق الخان جنوب حاصبيا باتجاه مستوطنات «كريات شمونة» ـ الجليل، وشكّلت الانطلاقة الفعلية لجبهة المقاومة الوطنية في لبنان. بالإضافة الى الحدث الكبير في 14 أيلول 1982 الذي تمثل بالعمل البطولي الذي نفّذه حبيب الشرتوني، والذي أدّى إلى قتل رأس العمالة في لبنان بشير الجميل الذي نصبّه الاحتلال رئيساً على لبنان، وتُضاف الى ما سبق عملية الويمبي في 24 ايلول 1982 التي نفّذها البطل خالد علوان، ضد ضباط وجنود الاحتلال الصهيوني وكانت فاتحة تحرير العاصمة بيروت من الاحتلال والتي أسست لعمليات المقاومة على امتداد لبنان. ورغم عدم الاشارة الى هذه المحطات التأسيسية لعصر المقاومة وصناعة النصر، إلا أن الكاتب نجح في أن يُغني الكتاب بالمحطات الكثيرة، التي تعبّر عن جدية هذه المقاومة وصلابتها.
يشير الكاتب إلى مرحلة ما بعد الاجتياح الصهيوني للبنان حيث امتلكت قيادة المقاومة مشروعاً ورؤية بمواصفات حركات التحرّر في العالم لكن بخصائص لبنانية، وخاضت المقاومة المواجهة ودحرت الاحتلال محققة النصر الفعلي والوحيد في تاريخ المنطقة الحديث، كما يبيّن الكاتب أيضاً أن المقاومة استندت إلى عامل ذاتي وإلى حاضنة على المستوى القومي، وتحديداً مع سورية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد وإيران الثورة الإسلامية.
وإذ يعدّد الكاتب المراحل التي مرّت بها المقاومة منذ الاجتياح وصولاً إلى الحرب على سورية مطلع العام 2011، مروراً بمرحلة النصر في أيار من العام 2000 ومن ثمّ إلى الانتصار بعد عدوان تموز 2006، فإنه يعرض عوامل النصر، فيخلص في الجزء الأول إلى نتائج تمثلت بإسقاط اتفاق 17 أيار ولاحقاً إفشال مشروع القرار 1559 الذي شكّل أولى شرارات استهداف المنطقة تحت مسمّى «الربيع العربي».
إسقاط عناصر القوة «الإسرائيلية»
أما في الجزء الثاني فيتحدّث الكاتب عن كيفية إسقاط عناصر القوة «الاسرائيلية»، ويلفت إلى دور سورية الأبرز في الانتصار الذي تحقق في جنوب لبنان إبان عدوان تموز من العام 2006، ويربط بينه وبين الحرب التي تشّن على سورية منذ ست سنوات وحتى يومنا هذا، بعدما تيقن العدو الصهيوني أن سورية لعبت الدور الأبرز في صناعة انتصار تموز 2006، كذلك يربط الكاتب بين الحرب على سورية ومشروع الهيمنة على المنطقة، لأن سورية تشكّل ممراً لأنابيب الغاز القطرية إلى أوروبا، في خطوة للاستغناء عن روسيا ودورها في مجال تزويد أوروبا بالنفط، بما يساهم في تثبيت الهيمنة الغربية على النظام الدولي، وما يعزز الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. بالمقابل فإن الانتصار الذي يتحقق على الإرهاب في سورية، سينعكس إيجاباً على روسيا ودورها التي فرضت نفسها لاعباً أساسياً على الساحة الدولية. وهذا هو السبب الرئيس الذي يكمن خلف دعم روسيا للجيش السوري ووقوفها الى جانب دمشق في حربها على الإرهاب إضافة الى خشية موسكو من أن يطالها مشروع الإرهاب الذي يستهدف سورية والعراق، والذي وصل إلى دول أوروبا وحتى إلى الولايات المتحدة الأميركية.
نتائج هزيمة المشروع الأميركي
يستعرض الكاتب في الجزء الثالث نتائج هزيمة المشروع الأميركي في المنطقة بعد فشل مخطط الإرهاب في سورية والعراق، مقابل انتصار الجيش السوري ومحور المقاومة على العصابات التي جاءت لتخريب سورية، ويؤكد في هذا الصدد أنه لا توجد في سورية «ثورة إصلاحية»، بل استخدم مصطلح الإصلاح كغطاء لتبرير دور التنظيمات الإرهابية، التي عاثت تدميراً وتخريباً للدولة السورية ومقدراتها.
كذلك يصوّب الكاتب بشكل مباشر على الدور السعودي في التخطيط لهذا التخريب الممنهج الذي طال بنية الدولة السورية، والذي تمثل بخطة رئيس الاستخبارات والسفير السابق للسعودية في الولايات المتحدة الأميركية بندر بن سلطان، والتي اعتمدتها الجماعات الإرهابية لإثارة الاضطرابات والفوضى من خلال التفجيرات الإرهابية وإغراق سورية في حمام من الدم. وهذه الخطة التي وضعها بندر بن سلطان بالتعاون مع السفير الأميركي السابق في لبنان وعرّاب معسكر 14 آذار جيفري فيلتمان عام 2008 بتمويل وصل إلى ميزانية قدّرت بنحو 2 مليار دولار، وكان اعتمادهما الاستراتيجي على الشعارات البراقة والمصطلحات الخادعة للناس في ترجمة فعلية لمفهوم «الثورات» الملوّنة التي تعمل المعاهد الأميركية بالتنسيق مع أجهزة الاستخبارات على تدريب ما يُطلَق عليهم تسمية «نشطاء مجتمع مدني» و»تنسيقيات» ولا يغفل الكاتب الإشارة الى الدور «الإسرائيلي» المباشر في دعم الإرهابيين من خلال قصف مواقع ومنشآت الجيش السوري، للإخلال بموازين القوى لمصلحة الجماعات الإرهابية، ما يشكّل دليلاً على تقاطع الأهداف المراد تحقيقها «إسرائيلياً» وأميركياً، والتي يدركها كل مَن يقرأ التاريخ بشكل حقيقي وصحيح.
فرادة الانتصار السوري بثبات القيادة وصلابتها
أمّا عن فرضية المقارنة بين الساحات العربية التي ثارت ضد الأنظمة يعالج الكاتب المشهد بقراءة موضوعية، مؤكداً أن ما حصل في سورية يختلف تماماً عمّا حصل في مصر وتونس، من خلال الإشارة إلى طبيعة السياسات الاجتماعية المتبعة من قبل كل نظام ومسألة استقلاله الاقتصادي أو تبعيته للخارج اقتصادياً، يُضاف إلى ذلك سياسته الوطنية والقومية والموقف من قضية فلسطين والمشاريع الاستعمارية.
ويتحدّث الكاتب عن العوامل التي مكّنت سورية من الصمود وإسقاط أهداف الحرب، وبالتالي منع واشنطن من شنّ الحرب المباشرة، والتي تتمثّل بصلابة وثبات القيادة السورية وتماسك الجيش السوري، والتفاف غالبية السوريين حول قيادة الرئيس بشار الأسد والجيش السوري، وقد تجلى ذلك الالتفاف والتأييد، من خلال المشاركة الكثيفة في الانتخابات الرئاسية لا سيما خارج سورية، مما شكّل انتفاضة شعبية سورية بكل ما للكلمة من معنى.
أما في ما يتصل بالوجود العسكري الروسي في سورية والذي تمّ بطلب من الدولة السورية، فيستفيض الكاتب في الشرح ليؤكد أن لروسيا ايضاً مصلحة في هذا الوجود لاستعادة مكانتها الدولية، فهي تدرك بأن وحدتها واستقرارها وامنها القومي، عرضة لتهديد حقيقي جراء الحرب الإرهابية التي تتعرّض لها سورية، ذلك أن العمود الفقري للجماعات الإرهابية المسلحة هم المسلحون الذين استقدموا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً ومقاطعات روسية في القوقاز، وحين يعود هؤلاء إلى بلدانهم سيشكلون خطراً حقيقياً على وحدة روسيا وأمنها واستقرارها، لأنهم سيبدأون حربهم ضدها تحت عنوان تحقيق استقلال المقاطعات الروسية، عدا ذلك فإن روسيا بحاجة إلى قواعد ثابتة وميناء للاسطول الروسي في المياه الدافئة في المنطقة للحفاظ على مكانتها الدولية ومصالحها الاقتصادية في العالم. وهذا لا يتوفر إلا في سورية والأهم أن روسيا تريد ترسيخ نظام دولي متعدّد الأقطاب من أجل وضع حدّ للهيمنة الأميركية وكفّ يدها عن التحكم بمصير دول العالم، من خلال تفردها بتقرير مصير الدول والأنظمة وفقاً لأهوائها السياسية.
سقوط الأحلام الغربية والتركية
ويشير الكاتب إلى أن المؤازرة الروسية للجيش السوري ساهمت في إحداث تغيير جذري في مسار الحرب ضد المجموعات الإرهابية، وأن ما حققته سورية من إنجازات وانتصارات أسقط الأحلام الغربية والتركية بإقامة منطقة أمنية في سورية، وعزز موقف سورية التفاوضي، بمواجهة سياسة الإبتزاز الأميركي.
ويصل الكاتب إلى النتائج الناجمة عن صمود وانتصار سورية وحلفائها، والتي أدت إلى تغيير المعادلات الدولية والإقليمية وتعزيز قوة حلف المقاومة، مؤكداً أن سورية بعد خروجها من هذه الحرب، سوف تصبح أكثر قوة ومناعة ووحدة، وسيؤدي انتصارها إلى تحوّلات كبرى عربية وإقليمية ودولية، فالحرب عليها لم تكن حرباً محلية إنما حرباً عالمية، أرادتها أميركا سبيلاً لفرض مشروعها «الشرق أوسطي» بهدف الهيمنة على المنطقة والعالم. بيّد أن انتصار حلف المقاومة وروسيا والصين وغيرهما من الدول الرافضة لهذه الهيمنة يمكن من إسقاط هذا الهدف الأميركي بالكامل.
أفول الهيمنة الأحادية وظهور تعدّد الأقطاب
ويخلص الكاتب إلى واقع أفول عصر الهيمنة الأحادية وظهور عالم متعدّد الأقطاب والمراكز، وعودة الحرب الباردة بسمات جديدة، حيث يستعرض الأزمة الاقتصادية الأميركية في أسواق المال والشركات والبنوك وأسبابها، والتي من أبرزها التوسّع والتورّط في مغامرات حربية في أكثر من مكان مما أدّى إلى إضعافها اقتصادياً ودبلوماسياً وعسكرياً.
ويشرح الكاتب بإسهاب تفاصيل التراجع في النفوذ الأميركي الذي قابله نشوء مركزين للقوة الاقتصادية في العالم، وقد تمثل ذلك أولاً في قمة شنغهاي التي ضمّت دول منظمة شنغهاي للتعاون، وهي الصين وروسيا وطاجيكستان وقرغيزستان وكازخستان وإيران بصفتها عضواً مراقباً، وتوقيع اتفاقية القرن بين موسكو وبكين، وثانياً انعقاد منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، بحضور كبرى الشركات الاقتصادية من دول منظمة شنغهاي وشركات أوروبية.
ويرى الكاتب أن بوادر الحرب الباردة كثيرة والنقطة الأبرز هي تأكيده أن «إسرائيل» أكبر الخاسرين من نشوء التوازن الدولي الجديد، لكونها لم تعُد قادرة على شنّ الحروب بتمويل أميركي من جهة، ولم تعُد تحظى بالغطاء الدولي الذي كانت توفره لها الهيمنة الأميركية على القرار الدولي من جهة ثانية، والأمر الأهم أنها باتت محاصرة ببيئة جديدة للمقاومة، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1948. ومن هنا يؤكد الكاتب أن التوازنات الجديدة التي تمنع التدخل الخارجي توفر للمقاومة كل الظروف المناسبة لتزخيم نضالها ضد الاحتلال الصهيوني.
كثيرة هي المحاور التي تناولها الكاتب في مؤلفه الذي يشكل منطلقاً للبحث الجاد في مفهوم إعادة كتابة التاريخ على قواعد ثابتة وواضحة، ويمكن تصنيف هذا الكتاب كمرجع غني بالوثائق والتحليل الموضوعي لما شهدته وتشهده منطقتنا والعالم العربي، منذ بدء عصر المقاومة وصولاً الى بزوغ أولى بشائر النصر.