مسؤوليتنا حفظ الذاكرة ضمن الهامش المتاح

عبير حمدان

دُحر الاحتلال إنّما لم تنته الحرب. صمدنا وانتصرنا بعد عدوان تموز 2006 ولكن لم تنته الحرب. نتمسك بمقاومتنا بمختلف رموزها ونركّز على هويتها الوطنية قبل أيّ شيء آخر ونرفض أن يُقال إنها فئوية… ولكن لم تنته الحرب. العدوّ حاضر ويسعى إلى التوغل أكثر في النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي ظناً منه أنه قادر على تحقيق أهدافه التي لم يبلغها من خلال ترسانته العسكرية.

«العملاء»، الوجه الحاقد للمحتل الذي لم يتقبل الهزائم المتتالية، والأيادي السوداء والضمائر المؤجرة، وإن كان السعي إلى الإضاءة على هذا الملفّ ضمن إطار توثيقيّ فيه الكثير من الجهد والسير بين ألغام التركيبة اللبنانية المعقّدة، حيث لكلّ طرف نظرته الخاصة إلى هذا الملف المفتوح على كافة الاحتمالات.

ورغم وجود الكثير من علامات الاستفهام حول هذا الملفّ، لم يثن ذلك الزميل عباس فنيش من تسليط الضوء على شبكات العملاء التي تهاوت تباعاً بجهد كل من حمل راية المقاومة بالتنسيق مع القوى الأمنية المعنية وعن هامش النقاش المسموح في هذا الإطار يقول فنيش: معالجة الملف تحتّم علينا مسؤولية قانونية. وهناك هامش كبير لنقول ما لدينا من تفاصيل لم تعد خافية على أحد. وأعطيك مثالاً «زياد الحمصي» و«طارق الربعة» اللذين خرجا رغم أنهما كانا مدانَين في محكمة التمييز. لذلك تركت المجال لهيثم زعيتر الذي أصدر كتاباً عن العملاء ليقول جملته «هناك عملاء خرجوا من السجن ولكنهم مدانون». إذاً المطلوب منا كإعلاميين السير بين ألغام التركيبة اللبنانية لنوضح الصورة ضمن الممكن.

ويضيف في إطار متّصل: أردت الإضاءة على الإنجاز غير المسبوق للمقاومة وأجهزتها الأمنية واستخبارات الجيش اللبناني، وهذا الإنجاز كان له أثره المباشر على العدو، والأهم الإضاءة على الخطر الحقيقي للعمالة، وكما سيلاحظ المشاهد أن هناك تصنيفاً للعملاء. فلكل منهم دوره، العملاء أخطر وجوه العدو فهم يتغلغلون ضمن النسيج الاجتماعي وخير مثال على ذلك «زياد الحمصي» من موقعه كرئيس بلدية كان يجاهر يوماً ما في مقاومة الاحتلال وفي النهاية يتمكّن «الموساد» من تجنيده.

ويؤكد فنيش أنه تعمّد الإضاءة على دور الحزب السوري القومي الاجتماعي في الكشف عن شبكة العميل محمود رافع وعن ذلك يقول: شخصياً تعمدت إظهار دور الحزب القومي في الكشف عن شبكة محمود رافع من خلال العميد وائل حسنية الذي يتحدّث عن تلك المرحلة وتفاصيلها. أولاً لحفظ الحقوق حيث أن التاريخ يحاسب من لا يكتبه بإنصاف وأمانة، وثانياً أنه لا يمكن عزل الأحزاب الوطنية عن المقاومة بشكلها الآني. ويجب أن يعرف الجمهور أن دُرة الإنجاز في كشف شبكات العملاء تمثلت في سقوط محمود رافع وشبكته على يد القومي الذي لا يحتاج إلى شهادة من أحد في ما يتصل بموقفه الواضح والمبدئي ضد العدو، ومن هنا أنا أدعو جميع من حمل ويحمل راية التصدي للعدو أن يقول كل ما لديه، الجميع معني بإظهار التاريخ النضالي وتقديمه للناس، الذاكرة نبض المجتمع ويجب أن تبقى ناشطة وحاضرة كي نحافظ على ما حققناه من انتصارات.

ويجزم فنيش أننا حاضرون إعلامياً وبشكل قوي ومسؤوليتنا تكمن في حفظ الذاكرة، مشيراً إلى أن كل معلومة ستذكر في الوثائقي مأخوذة من محاضر رسمية.

في عامَي 2009 و 2010 شهدت الساحة اللبنانية زلزالاً أمنياً تمثّل بتهاوي عشرات شبكات التجسس «الإسرائيلية»، التي عملت لسنوات طويلة ضدّ لبنان ودولته وجيشه وشعبه ومقاومته.

فتح هذا الزلزال باب التحقيقات الرسمية المكثّفة مع عملاء «إسرائيل»، لتُكتشف درجة الاستباحة، بحيث إنها لم تترك أيّ قطاع إلّا جنّدت فيه عملاء لها.

من هنا يأتي توثيق «عملاء… تهاوي الشبكات الإسرائيلية بعد حرب لبنان الثانية»، ليسلّط الضوء على ذلك الزلزال. العمل الذي يقع في خمسين دقيقة تلفزيونية لا يدخل في تفاصيل كل العملاء، الذين فاق عددهم 140 شخصاً حينذاك، بل يستهدف نماذج أساسية كانت رأس الحربة، وأدّت أفعالها إلى نتائج كارثية.

يسير العمل وفق سياق ينتقل من الخاص إلى العام، فيأخذ عملية اغتيال القياديَّين في حركة الجهاد الإسلامي نضال وجهاد المجذوب، وعملية اغتيال القيادي في حزب الله غالب عوالي نموذجاً، حيث يُكشف عن فصول العمليتين، ومنهما يجري التطرق إلى أدوار العملاء مع تسليط الضوء على نحو أساسي على أدوار العملاء: محمود رافع أوقفه الحزب السوري القومي الاجتماعي بعد ملاحقة طويلة أديب العلم و ناصر نادر.

من هاتين القصّتين تتفرّع الجوانب التقنية لعمل الموساد على الساحة اللبنانية، الذي كان عام 1976 أساسياً فيها، بحسب ما يروي قائد المنطقة الشمالية في وحدة تجنيد المصادر البشرية في «الجهاز 504» يائير رافيد، وبعدها توسّع العمل ليتّخذ شكل جيش حداد، وبعده جيش لحد، ليكون ما بعد عام 2000 مفصلياً بعد الأحكام المخفّفة التي صدرت بحق العملاء، حيث كان لها أثر بالغ لاحقاً في تجنيد الكثيرين.

في التوثيق حديث عن الجغرافيا والبيئة اللبنانية، التي سهّلت حركة العدو وعملائه، إضافة إلى عرض لوسائل العمل كالبريد الميّت و غيره، وأدوات العمل التي عرضت بعد توقيف هذا العدد الهائل من العملاء.

يحضر العملاء التقنيون والاستباحة التقنية لقطاع الاتصالات، وتطوّر هذه الاستباحة مع تطوّر القطاع، حيث يبرز على نحو أساسي اسم شربل قزي، المهندس في شركة «ألفا».

زياد الحمصي يحضر بدوره كنموذج عن العملاء الاجتماعيين. فرئيس بلدية سعدنايل السابق مثّل هذا النموذج بانتقاله من المقاوم العروبي إلى المستدرج عبر اغراءات مالية و وعود بمناصب اجتماعية، لينتهي به الأمر باحثاً عن أشلاء جنود «إسرائيليين» قُتلوا في معركة بيادر العدس في السلطان يعقوب عام 1982.

الوثائقي يناقش أسلوب عمل المشغّل «الإسرائيلي» من خلال مقابلات ذات صلة. وتتوسّع الصورة مع رئيس المحكمة العسكرية السابق في لبنان العميد الركن نزار خليل، الذي أصدر أول حكم إعدام بحق عميل وهو محمود رافع. وفي النقاش التقني سيحضر المحامي صليبا الحاج، وهو المتابع لملف العملاء في المحكمة العسكرية، والصحافي هيثم زعيتر، مؤلّف كتاب «زلزال الموساد» بالتعاون مع قيادة الجيش اللبناني، إضافة إلى كل هذا النقاش التقني يدخل الخط الانساني من خلال والدة الشهيدين جهاد ونضال المجذوب، وعائلة الشهيد غالب عوالي زوجته وابنه .

«عملاء»، وثائقيّ من إنتاج الميادين يُعرض الأحد 3 كانون الأول 2017 الساعة التاسعة بتوقيت القدس وبيروت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى