في إعادة الإعمار – 6

في إعادة الإعمار – 6

المَشروع المَشروع والمَشروع غير المَشروع

في المَنهَجْ، والأنْموذَجْ، والمُنْتَجْ..

كيف، متى، ومن أين المدخل لمقاربة موضوع الإعمار بشكل عملانيّ، تطبيقيّ، وتنفيذيّ متى آن ما بعد انتهاء فعل التحضير وعصف التفكير والتنظير المُمنهَج والمُبرمَجْ، الذي لمّا يحصل بعد ؟؟

هل بالعمل على مشاريع عدّة في آن، أم على واحدٍ محدّد، كأنموذجٍ اختباريٍّ رياديّ، لا كمشروعٍ مفردٍ يختزلُ كلَّ مشروعِ الإعمار الوطنيّ الواعد والموعود، ويستنزفُ كلّ موارده العامّة والخاصّة، ويستأثرُ دون سواه، بالرّعاية والاهتمامْ والإعلامْ ؟؟..وإذّاك، ألا يُفترضُ أن يحوزَ كامل أو بعض المشروعيّة أمام علاماتِ الاستفهامْ المشروع ، فلا يتحوّل مشروع الإعمار الوطنيّ الكبير برمَّتهِ إلى نوعٍ من الانتِحارْ في المعمارْ، وإلى سقطةٍ ونُقطةٍ تلوّثُ وجه الوطنِ، وتسيء لانجازاتِ وإعجازاتِ حُماة الدّيار، وتزيد من تكلفة الانتصار، وتذهبُ ولو ببعضٍ من البريق الذي توهّج؟..

ألا يُفترض مساءلةُ المعيار لدى اختيار موقع، وموضوع، وتوقيت الشّروعِ في مشروع إعمار الدّيار، بحيث يحوز القيمة المعنويّة، والأسباب الموجبة التي تمنحه الأسبقيّة، وأولويّة الزخم والدعم المعنويّ والماديّ الاستثنائيّ؟

فهل من المقبول أن يكون متواضعاً من النواحي التخطيطيّة التنظيميّة، والتصميميّة، وحافلاً بالثقوب والعيوب، ومثالب الخلل والزلل الفادحة، إن على مستوى المنهجْ الآليّة الإجرائيّة ، أو الأُنموذجْ المثال المُحتذى ، أو المُنتَجْ القيمة الفنيّة ؟

هل يكون في العاصمة تحديداً، أم في مدينةٍ عانت ويلات وتبعات الحرب وارتبطت برمزيّة الانتصار على مشروع الاستعمار والاستثمارفي التدمير والتكفير؟

وهل يكون على أحد الأطراف والهوامش، أم في مركز وقلب من المدينة، وهل من المقبول ألاّ تكون له قيمةٌ جغرافيّة، أو تاريخيّة خاصّة، وأن يفتقر لما يجعله دون سواه، الأنسب لتدشين وإطلاق حملة النهوض بالإعمار؟

وهل من المقبول أن يكون من حيث المحتوى والموضوع، مجرّد مشروعٍ استهلاكيّ تصحبه مادّة تسويقيّة دعائيّة شعبويّة سطحيّة واستعراضيٍّةٍ حافلةٍ بالطروحات المتناقضة والمفاهيم المغلوطة؟

وإذا كان لا بدّ من مقارنةٍ تشبيهيّة، ومن أنُموذجٍ خارجيٍّ يُحتذى مع التحفّظ المشروع ، فهل يكون مدينةً بلا تاريخ، وبلا جغرافيا، وبلا عُمقٍ حضاري، وبلا تجربةٍ في عُمران ما بعد الحروب على شاكلة دبيّ مثلاً، وهي المغرقة والغارقة برموز النيوليبراليّة والرأسماليّة المتوحّشة وأوثانها، وهي ومثيلاتها من مدائن النفط والقحط، من بين منصّات الهجوم على الأرض السوريّة؟!!..وهل يليق بدمشق أو حلب مثلاً اتّباع أنموذج «الفيلم المدبلج» والتشبّه بذلك بمدن الملح والغبار، واتبّاع كعبة القِمار لاس فيغاس، ومراكز المال والأعمال في أقلِّ المُدن إنسانيّة؟!!! أم يكون مشروعَ وسط بيروت التجاريّ، الخاوي اليوم من كلّ حياة ومن أي نجاحٍ إنسانيّ، أو عمرانيّ، أو اقتصاديّ، أو سياسيّ رغم نجاحهِ المعماريّ تصميماً وتنفيذاً، وما توفّر له من مُنظِّمين ومصمّمين عالميّين لا يتوفّر لنا أيٌّ منهم، وميزانيّاتٍ وموارد شبه خرافيّة غير مُتاحةٍ لنا، راهِناً، ورغم موقعه الجغرافيّ المميّز في قلب المدينة، ورغم قيمته التاريخيّة كذلك ؟!! بمطلق الحال، ها هو مشروع شركة «إعمار»، أنموذجٌ نموذجيٌّ في إعادة الإنتاج الرديء لأنموذجٍ رديء، شاخصٌ وماثلٌ للعيان إلى الغرب من دمشق ، شاهِدٌ على رداءة المنهَجْ والأنموذجْ والمُنتَجْ…

في الختام، إن مشروعيّة المشروع، أيّ مشروع، يا سادة يا كرام، لا تتأتّى فنيّاً ومهنيّاً، أخلاقيّاً ووطنيّا، وريعيّاً ومجتمعيّاً ممّا يُروّجْ، وإنّما ممّا يَتّبع من مَنهج، ويَتْبَع من أُنموذَجْ، وما يكون عليه بالنتيجة كمُنتَج، وهذا هو بالمحصّلة ما يصنعُ الفارق بين المشروعِ المشروع والمشروعِ غير المشروع…

سنان حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى