ترامب: العالم في مرحلة جديدة
عامر نعيم الياس
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بما لا يدع مجالاً للشك «القدس عاصمةً لإسرائيل . الرجل الذي بُدِئ بتحليل كلمته بحرفيّتها وأنه لم يكن يقصد القدس الموحّدة أيّ الشرقية والغربية، لم يقف لا هو ولا إدارته عند هذه الأمور، «القدس باتت بالنسبة لواشنطن عاصمةً لأهمّ ولاية أميركية على مرّ العصور، الذراع الأكثر قوّة للبيت الأبيض والنخبة الحاكمة بما فيها الدولة العميقة.
هناك خلاف حول التوقيت، لكن الإعلان من جانب الرئيس الأميركي أتى على خلفية قرار للكونغرس الأميركي مجتمعاً في 23 تشرين الأول عام 1995، لذلك فاتجاهات النخب وولاءاتها وارتباطاتها بمراكز القوى الصناعية والتسليحية والمالية والنفطية، أجمعت منذ أكثر من عقدين على هذا الأمر، ومن المعروف أنّ الكونغرس الأميركي هو المرآة لمصالح كلّ الأفرقاء واللوبيات دون أيّ استثناء.
في شهر آذار من عام 2016 وخلال حملته الانتخايية قال ترامب حرفياً «عندما أصبح رئيساً، سينتهي اليوم الذي نعامل فيه إسرائيل كدولة من الدرجة الثانية، سننقل السفارة الأميركية إلى العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، القدس». الرجل الذي تبلغ نسبة تأييده في صفوف الرأي العام الأميركي 35 وفق آخر استطلاعات معهد غالوب، يحاول من خلال قراره هذا استخدام مسألة القدس في خدمة سياسته الداخلية، فالرجل يعمل وفق مسار لا متوقع فوضوي يؤدّي كما قال حرفياً إلى إحداث «صدمة ، هذه الصدمة توظّف داخلياً لتحويل الأنظار عن التحقيقات بشأن العلاقة مع روسيا، خاصةً بعد المعلومات الأخيرة التي كشفها مستشاره للأمن القومي مايكل فلين، وكذبه على مكتب التحقيقات الفيدرالي، والتي فتحت بدورها الباب على مصراعيه أمام تكهّنات تشير إلى عدم قدرة ترامب على إكمال ولايته الرئاسية الأولى، وهو احتمال لا يزال قائماً حتى اللحظة. لكن وعد ترامب يستخدم وفق معهد بروكينغز «لجذب القاعدة الناخبة من الإنجيليّين ، وهذا أمر تعزّزه ردود الفعل على قرار الرئيس الأميركي، فالقسّ المتطرف «جون هاجي رئيس المنظمة المسيحية المتّحدة مع «إسرائيل رأى أنّ «ترامب سيدخل الخلود، لأنّ 60 مليون إنجيلي ينتظرون تحقيق هذا الوعد .
أما على الصعيد الدولي فإنّ خطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كشفت ميله نحو التحرك أحادياً، على الرغم من اعتراضات حلفائه المقرّبين في الغرب، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يحاول محاكاة الخطوط الحمر للسياسة الدولية الكلاسيكية للغرب في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعطفاً على هذه الحيثية تحديداً، فإنّ ترامب يضرب عرض الحائط نمط العلاقات الدولية السائد منذ نهاية هذه الحرب، فلا وجود للقانون الدولي في سياسة الرئيس الأميركي الخارجية وهي ميزة يعتبرها شخصية تضعه خارج أطر المقارنة مع الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه.
أما على صعيد ما يسمّى عملية السلام «الخيار الاستراتيجي والوحيد للعرب منذ مسار أوسلو عام 1993، فإنه يمكن القول إنّ الرجل أنهى مسار «السلام العربي ـ الإسرائيلي بشكل عام، وذلك بخرقه لمبدأ الدبلوماسية كطريقة لحلّ الصراعات هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ المستعمرات الصهيونية في القدس تحوّلت إلى واقع وهو أيضاً بذلك يحتقر القانون الدولي، ورغم ذلك نلاحظ أنّ الانتقادات لقراره لم تخرج عن إطار الإدانات اللفظية، فالجميع يريد الحفاظ على علاقاته مع إدارة ترامب، هنا لا نقصد النظام الرسمي للربيع العربي الذي لا يستطيع حتى أن يدين، ولا يتمتع بمصداقية حتى لو حاول وأدان ما قام به الراعي الأميركي.
إنّ ما جرى يندرج في سياق محاول تغيير المشهد الدولي، وعدم اعتراف الولايات المتّحدة بدولتها العميقة بوجود تغيير على المسرح الدولي وضرورة العمل مع عالم متعدّد الأقطاب، وترامب هو رجل مرحلة الانقلاب على الاتفاقات تحت يافطة «التصرفات غير المتوقعة ، لذا فإنّ ما جرى قبل أيام بشأن القدس والقرارات الدولية وعملية السلام، هو حلقة في سلسلة بدأت منذ تولي ترامب الرئاسة العام الماضي، حيث أدار ظهره لاتفاقية التجارة الحرة بين ضفتي الباسيفيك، واتفاق باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني، كما انسحبت «إسرائيل إلى جانب الولايات المتّحدة من الأونيسكو. ورغم ذلك لا يزال حلفاء وشركاء الولايات المتّحدة غير مدركين أنّ العالم دخل في مرحلة جديدة تضع الأسس لفوضى ومواجهات لا تنتهي.