سيناريو بشير لن يتكرّر مع سمير…
د. سمير صباغ
بهمروجة غوغائية، رشحت الهيئة التنفيذية لحزب القوات اللبنانية رئيسها سمير جعجع. ليس معروفاً إن كان ترشّح سمير جعجع هو لـ»الزكزكة « وقطع الطريق على المرشحين الآخرين أم الاكتفاء بحمل لقب «مرشح لرئاسة الجمهورية» طوال حياته أم هو ترشح جديّ؟ إذا كانت الأولى هي المرام فعيب أن يستغلّ السباق نحو موقع الرئاسة على نحو يسيء الى أهمّيتها ودورها والتناور الهزلي للوصول إليها. أما اذا كان ترشّحه جدياً فيدلّ على عدم إدراك مواصفاته الشخصية التي يعرفها الجميع! نحن نعتقد أنّ ترشحه هو أمر للتندّر و«الزّكزكة»، كما تبيّن مختلف ردود فعل القوى السياسية.
بالأمس انتخب بشير الجميل رئيساً للجمهورية بفضل لعبة أمم جزئية جعلت من «إسرائيل» ناخباً أساسياً عام 1982، فأوصلته بحكم العلاقات السياسية معه. أما اليوم فلم يبقَ لـ»إسرائيل» أيّ دور في انتخاب رئيس الجمهورية، بل انّ الناخب الأساسي اليوم هو وضع دولي وإقليمي وعربي وكله غير مؤات لعودة ظاهرة سيّئة تهدّد الاستقرار وتؤدي الى حرب أهلية، كما حصل بعد عام 1982. فأميركا وأوروبا وبعض الدول العربية تسعى إلى تأمين الاستقرار في لبنان، فيقتصر الوحي على الوضع الداخلي فحسب، ما يجعل إمكان انتخاب رئيس للجمهورية من صنع لبنان.
أين هو الوضع الداخلي من ترشح سمير جعجع؟ إنّ الدستور اللبناني ينصّ على دور رئيس الجمهورية وانتخابه وصلاحياته، إذ تقول المادة 49 «ان رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان وسلامة أراضيه وفقاً لاحكام الدستور». فأين سمير جعجع من سيادة لبنان وسلامة أراضيه وهو الذي عرّضها في الماضي لأخطار شتى؟ وأين هو الآن من محاولات الدفاع عن سلامة أراضيه؟ وهو الذي يتعرّض بالمؤامرات اليومية للقوى الوطنية التي تناضل لأجل استقلالها وسيادتها؟
أنّ ترّشح سمير جعجع وهو على هذه الصفة السياسية والمواقف لا يشجع على الإطلاق انتخابه. فسيناريو بشير الجميّل على مساوئه بُني على شعار برّاق هو 10.452 كم، أما ظاهرته فهي تجارب تقسيمية عديدة منها «حالات حتماً» ومن «كفرشيما الى المدفون» ومن مشروعه المضمر فيديرالية أو لامركزية وغيرها. لذا نقول إن ظاهرة بشير الجميّل التي استندت الى الدبابة «الإسرائيلية» لن تتكرر حتى مع سمير، ولو رضي به حلفاء «إسرائيل» من لبنانيين وعرب.
من ناحية ثانية، إنّ رئيس الجمهورية قدوة عادة، فأين جعجع من هذه القدوة؟ عملياً سمير جعجع اليوم قدوة للإجرام، وقدوة للانحراف السياسي، فماضيه يشهد على مدى إجرامه، إذ كان يبطش بحلفائه مثلما فعل مع داني شمعون وعائلته، ومع الياس الزايك، وبـ»أعدائه» أيضاً وأبرزهم الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وقبله طوني فرنجية وعائلته، حتى ولو كان لم يقتل الأخير بيده فإنه كان مشاركاً في فريق القتل.
شملت «فضائله الإجرامية» عدة مناطق من لبنان، خاصة بيروت التي قاومت الاحتلال «الإسرائيلي»، ولا يمكن أن ننسى المجازر التي ارتكبها، خاصة اختطاف أبنائها الأبرياء، وبينهم عناصر من الدرك الذين كانوا يعزفون نشيد الموتى في جنازة بشير الجميّل، ولا تُنسى أيضاً مجازر صبرا وشاتيلا التي شنتها قواته وأنصاره ومحازبوه بغطاء صهيوني، وراح ضحيتها عدد كبير من اللبنانيين والفلسطينيين القاطنين في هذين المخيمين.
أما تلاعبه بتصريحاته الأخيرة حول حزب الله، فتارة يقول إنه إذا انتخب رئيساً للجمهورية فسيجبر حزب الله على الانسحاب من سورية، وتارة أخرى يقول عكس ذلك، وهذا كله دليل على أنه يريد تدمير لبنان ومقاومته.
أنّ بيروت التي عانت شروره لا يمكن أن تقبل به مرشحاً لا لمنصب رئيس جمهورية، ولا لأيّ منصب آخر، مهما يكن عدد الأصوات الذي يمكن أن يحصل عليها. فبشير الجمّيل استطاع تأمين النصاب الدستوري لعملية انتخاب أوصلته الى حتفه، ثم إن رئاسة الجمهورية ليست مجرّد تأمين نصاب دستوري بل تأمين ثقة شعبية تؤيده وتلتف حوله، فأكثرية اللبنانيين من المناطق والقوى والطوائف لا تثق به. إنّ مختلف مكوّنات الشعب اللبناني تقف منه موقف الرفض ولا يحظى إلاّ بأقلية منها لا تجعله حتى مرشحاً قوياً. فالرئيس يجب أن يكون حكماً بين الفرقاء وليس طرفاً من الأطراف، وكما قال غبطة البطريرك مار أنطونيوس بشارة الراعي: «الرئيس يجب أن يكون قوياً بأخلاقه وتاريخه»، وسمير جعجع لا يتمتع بهذه ولا بتلك.
لذلك نقول إنّ ترشح سمير جعجع ليس ترشحاً جدياً، فهو يعرف أنّ رئيس الجمهورية يجب ألا يكون له ملفّ قضائي يدينه ويحكم عليه بعقوبة الإعدام، ولو كان صحيحاً أنّ محاكمته مفبركة فلماذا يا ترى لم يطالب بإعادتها أو ردّ الاعتبار له؟
رئيس الاتحاد الوطني البيروتي