السيد… دعوة ضمنيّة لحماس للعودة إلى حضن المقاومة

هتاف دهام

أفرز قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الاعتراف بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل» تكاملاً دقيقاً بين مكوّنات محور المقاومة. تعمّد المعنيون في هذا الحلف انتهاج سياسة استخدام المصطلحات الواحدة. وتمظهر ذلك في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وتصريحات المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لجهة تأكيد أن القرار سيعجل من دمار «إسرائيل» وسيكون بداية النهاية لها. وترافق ذلك مع الدعوة إلى إعلان انتفاضة فلسطينية ثالثة على الأراضي الفلسطينية المحتلة كاملة.

جاء خطاب القدس أمس، من الشخصيّة الأكثر ثورية ربطاً بالقضية الأمّ. فالأمين العام لحزب الله يمثل بشخصيّته الحكيمة الرافعة الحقيقية لمشروع المواجهة. ويكمن التحدّي التاريخي الذي يمثّله الخطاب أنّه يأتي بعد ست سنوات من الحروب الداخلية في العالم العربي. فمثّل أول اختبار جوهري لاكتشاف أن قضية فلسطين لم تُجهَض ولم تُمحَ من الضميرين اللبناني والعربي.

رفع السيد نصر الله أمس، في خطابه من وتيرة التحدي ليقول إن هذه القضية ليست حاضرة فقط في الوجدان، إنما مرتبطة بخطة مواجهة. أعطى دفعاً معنوياً تأثيرياً تعبوياً. استخدم كلمات رددها الراحل ياسر عرفات «على القدس رايحين شهداء بالملايين». فهذا الشعار يمثّل إرادة التفاعل مع آمال الفلسطينيين ومحاولة سحب رمزية هذه الشعارات من حقبة مضت لإعادة ضخّها في الجيل الجديد.

كان لخطاب الأمين العام لحزب الله وجه آخر أيضاً عبّرت عنه اللغة العملية التجسيدية بإعطاء الدور للأنظمة والحكومات العربية وللسلطة الفلسطينية التي ليس لديها خيار إلا التفاوض مع «إسرائيل» بأن من الممكن أن يكون لها دور بحدود ما تستطيع مع تأكيد السيد نصر الله في الوقت نفسه، أن محور المقاومة مستعدّ لتحمل المطلوب منه، من ضمن خطة المواجهة الشاملة، لا سيما أنه شارف على إنهاء معاركه في الإقليم في مواجهة الإرهاب، وسيعود لتكون القدس وفلسطين والمقاومة الفلسطينية في رأس أولوياته فهو يخرج من تلك المعارك أكثر قوة ليؤدي دوره في معركة القضية الأساس، داعياً إلى التئام صفوف المقاومين جميعاً لوضع استراتيجية موحّدة ولوضع خطة ميدانية تتوزّع فيها الأدوار وتتكامل في الحرب الكبرى. فهو حاول الربط بين محور المقاومة والانتفاضة الثالثة في قلب فلسطين، بإشارته إلى أن هذا المحور – عندما تُوزّع الأدوار والمهام – فسيكون جاهزاً لمواكبة الانتفاضة، بغض النظر عن الآلية والأسلوب.

لم يتحدّث الأمين العام لحزب الله كـ «حسن نصر الله» اللبناني إنما كـ «حسن نصر الله» الناطق باسم دول وقوى محور المقاومة. وهذا يترتّب عليه وزن وفعل ومسؤولية، تؤكد مصادر على صلة بحزب الله لـ «البناء».

لقد وضع السيد في خطابه خطة عمل من عنوانَيْن:

العنوان الأول يتّصل بكيفية محاربة «إسرائيل» ومواجهة الولايات المتحدة من خلال المقاطعة الديبلوماسية والاقتصادية ووقف «مبادرة السلام» لحين رجوع أميركا عن هذا القرار، وإن كان حزب الله لا يؤمن بمسار المفاوضات على الإطلاق.

العنوان الثاني يتعلّق بإعادة تنظيم محور المقاومة، حيث خاطب السيد الفصائل المقاومة كلها للانضمام إلى هذا الحلف وتضميد الجروح في إشارة ضمنية لحركة حماس للعودة إلى «حضن المقاومة»، وإلى ما كانت عليه قبل الأزمة السورية ووضع استراتيجية عملية للتصدّي للخطوة الأميركية. علماً أن تباشير هذه الدعوة الآن تأتي، بحسب المصادر نفسها، في توقيت ملائم لا سيما أنها بدأت منذ ما بعد الاتفاق بين حركتي فتح وحماس.

تكمن أهمية كلام الأمين العام لحزب الله، أنه أوحى بشكل دقيق أن هذه الجبهة بصدد المواجهة الميدانية كمحور متماسك يعمل على جهات متعدّدة ولا يمكن أن يُستفرَد. وتربط المصادر ما تقدّم، بزيارة قائد عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الأسبوع الفائت جنوب لبنان، بخاصة أن الجولة هي في سياق تأكيد وحدة الجبهة والتحضير لمواجهة أي خطوة قد تُقدم عليها «إسرائيل». فـ «الإسرائيلي»، بحسب المصادر، يدرك معنى زيارة الخزعلي ومَن كان برفقته من قياديي حزب الله، وربما تكون هذه الزيارة فاتحة لزيارات أخرى من محور المقاومة قد يعلَن عنها في وقت لاحق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى