لا يحمي الوطن إلا الإيمان والكفن… وما أخذ بالسيف بالسيف يُستردّ

اياد موصللي

في 2 تشرين الثاني 1917 أعلن وعد بلفور بإعطاء فلسطين لليهود…

وفي 7 كانون الأول 2017 أعلن رئيس الولايات المتحدة القدس عاصمة لـ«سرائيل»…

بين وعد بريطاني ووعد أميركي مئة عام..

وفي 29 تشرين الثاني 1947 صدر قرار تقسيم فلسطين بين أهلها واليهود لم يبق شيء لأهلها وسلب اليهود كلّ شيء..

نقف الآن صادقين مع أنفسنا ننظر إلى حاضرنا ونقارنه بماضينا فلا نجد فارقاً يبشر بالتغيير ولا تبدّلاً في المسار والمصير..

ونقارن المواقف والمخططات بيننا وبين عدوّنا فلا نجد في النتيجة ما يبعث على الطمأنينة والأمل بالمستقبل..

فالطريق التي رسمها العدو وحدّد مساره عليها لم تتغيّر وطبّقت كافة أسسها وبقينا نحن كما كنا ولا زلنا.. واذا نظرنا لواقعنا وما يجري اليوم لوجدنا ترجمة واضحة لما حدّده بن غوريون قبل قيام «إسرائيل» ومنذ عام 1919، حيث حدّد ثلاثة عناصر لضمان قيام دولة لليهود وضمان سلامتها وأمنها، وهذه العناصر هي:

«1 ـ علاقات متينة مع الدول القوية التي تؤمّن الحماية لإسرائيل.

2 ـ جيش قوي يضمن الحماية لدولة إسرائيل من أيّ خطر يتهدّدها.

3 ـ العمل على تفتيت الدول المجاورة وخلق دويلات طائفية صغيرة حول إسرائيل.. وإذا ما حققنا ذلك نضمن أمننا وسلامنا الى الأبد».

وقد حققت «إسرائيل» الكثير من مخططاتها.. بفعل تطبيق النظرية اليهودية الصهيونية التي تؤمن بأنّ هيمنة «إسرائيل» الإقليمية وسيطرة الولايات المتحدة على النفط يمكن تحقيقهما من خلال إحداث انهيار اجتماعي وسلسلة حروب أهلية وتجزئة الدول العربية.. والتي وردت تفاصيلها في كتاب صراع الحضارات.

انّ ما أعلن بشأن القدس هو تطبيق لما رسم وحدّد في السياسة الأميركية وغير المخفية والمعلنة بوضوح، فما يحدث ليس جديداً ولا مفاجئاً، بل كلّ ما صدر هو من المخططات المرسومة.. وكلّ ما يحدث معروف إنما الذي نريد معرفته هو موقفنا نحن وإرادتنا نحن ووسيلة مجابهتنا له.. فالاتكالية لا تؤدّي لنتجية.

من سرق فلسطين واغتصبها وشرّد أهلها لا يقف أمام حجر يقذفه مؤمن بأرضه وشعبه ولا مؤتمرات احتجاج ولا الخطب الحماسية لن يمنعه كلّ هذا من إتمام مخططه.. العدو خطط وقرّر وفعل مستعملاً كلّ الوسائل لجعل فلسطين «دولة يهودية» عاصمتها القدس، لذلك لا مكان فيها لدين آخر أو لعنصرية أخرى واستكمالاً لهذا وتحقيقاً لذلك يتوجب إزالة كلّ ما يرمز عكس الشكل والمضمون.. ومن أجل أن يكتمل تهويد القدس بشكل كامل يجب إزالة كلّ المعالم التي تخالف هذا الشعار.. والمسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيستا المهد والقيامة الرموز الحية المتبقية من تاريخ فلسطين الحقيقي وتكوينها السوري.. وإزالة كلّ أثر لانتمائها وتاريخها..

«إسرائيل» لديها رمز ديني هو حائظ المبكي.. ما زال في مكانه يؤمّه اليهود لأداء مناسك عبادتهم، لم يُزله الفلسطينيون ولم يمنعوا اليهود من زيارته وأداء واجباتهم الدينية طيلة وجوده تحت سيطرتهم.

«إسرائيل» اليوم قائمة بالشكل الذي هو امامنا وصِلاتها بالعديد من دول المنطقة التي تحمل الهوية العربية تتمدّد سراً وعلناً وتلقى غضّ النظر عن تصرّفاتها مما يعكس اللامبالاة والتشجيع..

أقولها بكلّ صراحة ووضوح… هذا البكاء والنحيب والعويل والصراخ ورمي الحجارة لن يجعل «إسرائيل» تحجم عن إتمام مخططها بالاستيلاء على القدس والأقصى وقبة الصخرة، فهي تقضم قطعة قطعة تثير الضجيج والصراخ ليصبح الأمر اعتيادياً وروتينياً ويعتاد العالم على هذا الأمر..

علينا ان نبدّل الأسلوب والوسيلة، فمنذ أن نشأت المسألة الفلسطينية وبدأ الزحف اليهودي الصهيوني ونحن نتظاهر ونقذف الحجارة.. ولكن ما أخذ بالسيف بالسيف يستردّ..

إعلان الرئيس الاميركي ترامب القدس عاصمة لـ«إسرائيل» نجابهه بالمواقف الحازمة العازمة على تنفيذ أمر خطير يساوي وجودنا، التظاهرات والتجمعات هي ردة فعل وتعبير عن موقف آني يسبق الردّ الحازم العازم على إثبات حقنا ووجودنا..

نريد أفعالاً نريد مواقف عزّ تثبت هويتنا وحقنا في أرضنا.

قال سعاده: «إننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا فنحن أمام الطامعين والمعتدين في موقف تترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت وأية نتيجة حصلت كنا المسؤولين عن تبنّيها».

انّ تهويد القدس وإعلانها عاصمة لدولة «إسرائيل» هو رغم مخالفته القرارات الدولية إمعان في إتمام ما بدأته الصهيونية من إقامة دولتها على أرض فلسطين وطرد أهلها والعمل على توطينهم في أماكن اللجوء متواطئة في هذا المشروع مع أميركا والسعودية ودول الخليج… القرار الأميركي الأخير أثار غضب الحكومات والشعوب في القدس وعموم بلدات فلسطين وفي الشام ومدنها والعراق واليمن ولبنان وطهران واسطنبول وتونس والجزائر وموريتانيا وأندونيسيا.

أخبروني عما فعلت السعودية حامية الحرمين الشرفين للدفاع عن المسجد الأقصى أولى القبلتين ومهد الإسراء والمعراج وثالث الحرمين ماذا فعلت؟ وهي من أجل استقبال الرئيس الاميركي ترامب جمعت 54 دولة عربية وإسلامية في قمة السيف والترس ودفعت أكثر من 500 مليار دولار، أما من أجل حماية الأقصى سكتت وصمتت ومعها دول الخليج. السعودية تحارب في اليمن تقتل وتدمّر عرباً ومسلمين وتزرع الفتن في الشام والعراق أما بالنسبة لفلسطين فهي شاهد ما شفش حاجة . ترامب الذي رقصوا له بالسيف والترس.. يرقص الآن على كرامة الأمة..

هؤلاء الأعراب وجدوا في إيران عدواً ووجدوا حزب الله إرهابياً وجامعة الدول العربية بَصَمَت لهم ووافقتهم، أعرابنا توافقوا وتشاركوا الرأي مع «إسرائيل».

إذا نظرنا لما جرى ويجري اليوم وقد سبق لنا ان توقعناه في مقالات سابقة انهيناها بكلمة وداعاً يا أقصى. لأنّ مواقف الأذلاء تؤدّي إلى هذه النتيجة، والدفاع عن الحقوق والأوطان لا يتمّ بالبكاء والنحيب والتظاهرات بل بوقفة العز وبالدماء التي أودعتها الأمة فينا والتي علينا إعادة الوديعة والجهاد وعدم التقاعس لأنّ من تقاعس عن الجهاد مهما كان شأنه فقد أخّر في سير الجهاد.

وأنقل هنا للتاريخ هذه الواقعة…

في عام 1981 بعد أن أعلنت بعض الدول الغربية نيتها في نقل سفاراتها إلى القدس الشريف، كان العراق مشغولاً في الحرب وكانت هناك معارك شرسة في شرق البصرة.

طار الرئيس الراحل صدام حسين إلى الرياض، وفي المطار استقبله الملك خالد بن عبد العزيز وطلب الملك اصطحابه إلى القصر الملكي كما هو معتاد في استقبال ضيوف المملكة، لكن الرئيس العراقي اعتذر بسبب الوضع الحرج في جبهة القتال على تخوم البصرة. وتناول في صالة تشريفات المطار فنجان قهوة وكأساً من الماء ومرّر أمامه البخور المكي المعطر، ثم طلب صدام حسين ورقة وقلماً، ودوّن بخط يده الآتي :

اجتمع ملك المملكة العربية السعودية ورئيس الجمهورية العراقية وتباحثا في موضوع نية بعض الدول نقل سفاراتها الى القدس، وقرّر البلدان ما يأتي:

1 ـ قطع العلاقات الدبلوماسية فوراً مع أيّ دولة تنقل سفارتها.

2 ـ إيقاف إمدادات النفط فوراً وإلغاء كلّ العقود المبرمة، وطرد كلّ رعايا تلك الدول العاملين في المجال النفطي بكلا البلدين.

3 ـ تجميد كلّ العقود الاقتصادية مع تلك الدول.

4 ـ سحب كل الاموال المودعة في بنوك تلك الدول.

سأل الملك خالد الرئيس صدام حسين هل سيبث البيان من بغداد أم الرياض؟

فأجاب صدام: من الرياض وبالتلفزيون الرسمي ووكالة الأنباء السعودية.

نهض الرئيس العراقي وسلّم على الملك الذي ودّعه إلى سلّم الطائرة بحرارة، و حال إذاعة البيان أذعنت جميع الدول للقرار الذي كان صدمة لها وتراجعت عن التفكير فيه.

موقف مماثل وقرار مماثل نريده اليوم من القادة والدول.

انّ إسرائيل تعرف جيداً انّ العرب لن يصدر عنهم اليوم ايّ موقف يقلقها والتاريخ يعيد نفسه وهذا الموقف وهذه القناعة هي نتيجة إيمان بما ورد في الصفحة 205 من البروتوكول الخامس الذي يقول:

«إذا قام في وجهنا غوييم العالم جميعاً، متألّبين علينا، فيجوز ان تكون لهم الغلبة، لكن قوّتنا، ولا خطر علينا من هذا، لأنهم هم في نزاع في ما بينهم، وجذور النزاع عميقة جداً الى حدّ يمنع اجتماعهم علينا يداً واحدة، اضف الى هذا اننا قد فتنا بعضهم ببعض بالأمور الشخصية والشؤون القومية لكلّ منهم. وهذا ما عنينا بديمومته عليهم وتنميته مع الأيام خلال العشرين قرناً الاخيرة. وهذا السبب الذي من أجله لا ترى دولة واحدة تستطيع ان تجد لها عوناً اذا قامت في وجهنا بالسلاح. اذ انّ كلّ واحدة من هذه الدول تعلم انّ الاصطفاف ضدّنا يجرّها الى الخسارة، اننا جدّ اقوياء ولا يتجاهلنا احد، ولا تستطيع الأمم ان تبرم ايّ اتفاق مهما يكن غير ذي بال الا إذا كان لنا فيه يد خفية.

انّ الوطن القومي للعرب يوجد في دمشق وبغداد بينما توجد الأماكن المقدسة في مكة والمدينة المنورة وليس في القدس.

انني أتساءل هل الأقصى وقبة الصخرة للعرب وحدهم هل هو رمز قومي أم ديني… أين باكستان وافغانستان وأندونيسيا ووو… ممن ترتفع أصواتهم ويعلو صراخهم احتجاجاً على نشر صورة أو إنزال راية أو صدور تصريح… اين الملايين…؟ أين السطوة والنخوة أين الأموال؟ أين داعش ومن تطوّعوا لقتل أبناء دينهم وقوميتهم؟ أين الأموال والرجال؟ انّ ما صرف من مال ورجال ومعدات من أجل تفتيت العراق وسورية واليمن كاف لمسح «إسرائيل» من الوجود ومن الحدود إلى الحدود… ولكن كيف يتغيّر التكوين فتجعل العبد سيداً… «لا تشتر العبد إلا والعصا معه».

أقول بكلّ صراحة لأهل النفاق والوقاحة انّ إسرائيل ستزيل الأقصى وقبة الصخرة، فالسكوت هو علامة القبول، وما يقابل تحركات «إسرائيل» من سكوت وصمت يشجعها ويقوّيها وهي تتحرك بشكل روتيني يومياً لكي يصبح الأمر اعتيادياً عندها تحدث اللطمة… وبعد ان يتمّ هضم ما أخذ تبدأ المرحلة الثانية بإزالة المعالم المسيحية «كنيسة المهد» و»كنيسة القيامة»… لا وجود في «إسرائيل» لأيّ رمز أو إشارة يخالف «إسرائيل دولة يهودية».

ايّ أمة هذه الأمة التي تستباح أوطانها وتستعيد شعوبها وتمزق أوصالها فلا ترفّ لحاكم من حكامها شعرة جفن ولا تدمع عين ولا يقشعرّ جسد ولا تثور كرامة وكان الذي يجري هو قصة تاريخية نقرأها في كتاب هذا الذي يجري اليوم في العراق وسورية واليمن وفلسطين، ألا يستحق تحركاً يزلزل الأرض ومن عليها.. يسحق شعبنا سحقاً يقتل بالآلاف تهدم البيوت والقرى والزرع والضرع فلا يتحرك منا مسؤول ولا نسمع الا كلمات استنكار بتصريح كلامي.

أقولها بكلّ وضوح وصراحة مؤلمة..

جاؤونا شذاذ آفاق فاحتلوا أرضنا وطردوا شعبنا هم حفنة ونحن جحافل.. هم حكومة مزعومة ونحن حكومة حقيقية.

هكذا جاؤوا وها هم اليوم، حكومة فعلية قائمة حازمة وقبضات مهدّدة.. ونحن حكومات عائمة على بحر الأوهام مهدّدون في أرضنا وكرامتنا وحياتنا..

لا يُلام الذئب في عدوانه ان يكُ الراعي عدو الغنم!

تذكروا انّ من تقاعس عن الجهاد فقد آخّر في سير الجهاد.. وانه ليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا الا اليهود. ومن يهن يسهل الهوان عليه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى