من دينا باول إلى أبو مازن
رامز مصطفى
دينا باول تلك المرأة الأميركية من أصول عربية مصرية، ما أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف المشؤوم بأنّ القدس عاصمة دولة الكيان «الإسرائيلي»، وأعطى أوامره بنقل السفارة الأميركية من مغتصبة تل أبيب إلى مدينة القدس، حتى انتفضت السيدة دينا باول مقدّمة استقالتها من منصبها الذي تشغله كنائب لمستشار الأمن القومي الأميركي، وعضو الطاقم الأميركي الذي عيّنه ترامب في ما أسموه حلّ الصراع بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين». وهي بذلك أيّ السيدة باول أولاً قد رفعت الكارت الأحمر للرئيس ترامب وإدارته بأنكم ارتكبتم خطيئة القرن الواحد والعشرين بذلك الاعتراف الأسود، وعلى ذلك لم تتردّد لحظة واحدة في تقديم استقالتها رغم المحاولات الحثيثة من أجل ثنيها عن الاستقالة ودفعها للتراجع عنها. وثانياً تقدّم لنا الدرس في كيفية الردود الواجب اتخاذها في مواجهة التحدّي الترامبي كعقاب على فعلته الشنيعة بحق ليس الشعب الفلسطيني وحسب بل بحق المسلمين والمسيحيين جميعاً أينما تواجدوا، ليتعداه إلى كلّ أحرار العالم الذين يجدون أنّ الامبريالية الأميركية هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن كلّ الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.
درس دينا باول من المؤكد أنه موجه إلى السلطة الفلسطينية ورئيسها السيد محمود عباس بأنّ عليكم مسؤولية وطنية كبيرة اتجاه قضيتكم التي تشحذ السكاكين في البيت الأبيض و«إسرائيل» وعواصم إقليمية بعينها من أجل ذبحها من الوريد إلى الوريد في طقوس صفقة القرن التي لن تبقي شيئاً لكم أنتم الفلسطينيين من أمل أو تطلع أو حقوق فوق أرض فلسطين.
وتسأل السيدة باول أبو مازن ماذا أنت فاعل؟ وما هي خطواتك من أجل إسقاط اعتراف ترامب المشؤوم؟ خصوصاً أنّ تلك الخطيئة الترامبية على فداحتها قدّمت لك وللسلطة ما لم تكن تحلم به إذا كنتم تنوون إثبات أنّ اتفاقات «أوسلو»، كانت مجرد الخطوة الأساس على طريق الأميال التي قطعتها «إسرائيل» من أجل تصفية القضية وبكلّ عناوينها الوطنية، وأنتم الذين ارضيتم أن تكون تلك العناوين من القدس إلى اللاجئين والاستيطان إلى الدولة الفلسطينية وحدودها، مؤجّلة إلى مفاوضات الحلّ النهائي التي مضى عليها حتى الآن 17 عاماً، أيّ منذ العام 1998. وفرصة إلغائها متاحة ولا تندمون على ذلك بما سحب الاعتراف.
وتكمل السيدة باول، ماذا تنتظرون، وبالأمس في مجلس الأمن، العالم بأسره وقف معكم، وأدان ترامب على اعترافه بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»؟ ألم تشاهدوا أغلب العواصم كيف خرج أبناؤها ينتصرون للقدس وفلسطين؟ لأنّ المعتوه ترامب قد أعاد البوصلة من جديد نحو فلسطين. ألم تسمعوا صرخات من يهتفون لتحيا القدس وتحيا فلسطين، والموت لأميركا و«إسرائيل»؟ ما شاهدت عيونكم كيف الجماهير الغاضبة تحرق صور ترامب ونتنياهو وأعلامهما؟ ألم تقرأوا أنّ شيخ الأزهر أحمد الطيب والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قد رفضا طلباً من نائب الرئيس الأميركي مايك بينس بلقائهما خلال زيارته المقبلة لمصر؟ هل وقفتم على شرفة المقاطعة في رام الله وشاهدتم بأمّ أعينكم الحشود الضخمة من الأطفال والشباب والرجال والنساء من أبناء جلدتكم في مواجهة قوات الاحتلال وحواجزه ومواقعه العسكرية؟ ألم تصلكم تقارير العسس والمخابرات عن مواجهات المقدسيّين مع الصهاينة؟ وتالياً ألم تخبركم وزارات التمكين الحكومي في قطاع غزة عن الغارات الوحشية؟ وعن المشتبكين مع الجنود الصهاينة على تخوم القطاع المقاوم؟
بعد كلّ ما تقدّم على ماذا تراهنون، على تسوية بائسة جاءت على حساب أبناء شعبكم وعناوين قضيته، علَّ وزير خارجيتكم رياض المالكي يهديه الله واياكم إلى راعٍ جديد لتسوية ما جلبت إليكم إلاّ المزيد من الغرق في وحولها ما دون ضائل. ولكن لا تنسوا هذه المرة أن تضعوا مواصفات الراعي الجديد، إذا كان هناك من فرصة جديدة، على وقع خبطة أقدام أبناء شعبنا وأمتنا الهدارة.
كاتب وباحث سياسي