عشق الصباح
عشق الصباح
لست زاهداً أنكفأ لشظف العيش، بل أتعشّق الحياة كأني أعيشها أبداً، مطر بحري وأيّ مطر؟ كأنّ السماء فتحت أبوابها للماء لينهمر على الأرض، والأمكنة تُحاصرك في زمن غربة الروح، يا للزمن المرّ! ألف دن من النبيذ المعتّق لا يُدفّئ البرد المتغلغل في نقي العظام؟ وحيدٌ أنت، ليس لك إلّا الصمت الناشف كصقيع الهواء الشرقيّ، تسمع شجي غناء قديم لصوت يسكنه الحزن العميق، النقي، يأخذك الخيال بعيداً، متعب هذا الولع المسكوت عنه، ثمة نافذة وضوء شحيح والريح قابعة في شرفة الحبق، وكانت امرأة يغسلها المطر في الشرفة ترقص بثوبها البنفسجي الشفّاف، شهيّة كالبحر في مساء صيفي! مرّة أخرى تجد نفسك مشلوحاً خلف ذاكرة النسيان، كأوراق تكوّمت من حول طاولتك وأنت تكتب قصة حب فاشلة.
كنت تبحث عمن تلجأ إليه كلّما أوجعتك الأيام «لتحكي».
لا أحد يريد أنّ يفهم ما تريد قوله، أنّ الحبّ عطاء حتى ثمالات الروح وأنّك تحتاج لمن يسمع أنين روحك.
في هدأة الليل ينبت على نزيف الجرح موال حزين، ترتل: «دعيني يا دار أقبّل ترابك، كرامة عين هالساكن ترابك، تنام الناس وعيوني ترابك، اتهنّى يا قبر فيك الحباب».
أفتح النافذة على رغم الريح الباردة، البحر يشعرني بحالة من العشق، أترك الأوراق مبعثرة من حول فناجين القهوة وألجأ إلى الذاكرة، ترانيم قديمة: «ولي فؤاد أوجعه الحنين على جمر الشوق مصطبر، اشتقتك».
حسن إبراهيم الناصر