تأجيل زيارة بنس بعد الفيتو الأميركي… تفادياً للتصعيد في فلسطين ودول المنطقة الحريري… خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء… في التحالفات والخصومات

كتب المحرّر السياسي

نجحت حملة المقاطعة والتصعيد التي رتّبت لزيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى المنطقة بفرض تأجيلها، وهو أوّل تراجع يفرض على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعترافاً بأنّ قراره حول القدس جعل نائبه غير مرغوب به في المنطقة التي يعنيها القرار أولاً وأخيراً، والتي يدّعي ترامب أنها المنطقة التي رحّب به فيها أكثر من خمسين زعيم دولة عربية وإسلامية من «أصدقائه» الذين يشاركونه رؤيته الاستراتيجية، لم يجد منهم واحداً يقول لنائبه نحن معك وشعبنا يرحب بك ضيفاً وصديقاً وحليفاً، فيما لم تنجح المطالعة المكتوبة للرئيس الأميركي تحت عنوان «الاستراتيجية الوطنية الجديدة للأمن القومي» في وضع النقاط على حروف السياسات اليومية التي يعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بـ «المفرق» عبر تغريداته على حسابه على تويتر أو في مناسبات العشاء والاستقبالات، لتضعها في إطار «الجملة»، أو تجعل منها «جملة مفيدة». فالاستراتيجية المفترضة لم تجب عن الأسئلة الاستراتيجية حول العلاقة بأوروبا التي خسرت أميركا دعمها بوضوح في سياساتها الشرق أوسطية، وتباينت بين الحليفين التقليديين التاريخيين الأولويات، حيث الإرهاب والنازحون أولوية أوروبا تدفعانها لتفاهمات مع روسيا وتعاون مع إيران، وتحفّظ تجاه مغامرات ترامب في القضية الفلسطينية، بينما أولوية ترامب تائهة في كسب النقاط، تبحث عن استراتيجية تلملمها، لأنّ النصر على داعش الذي صنع في سورية والعراق، يمكن لترامب الاعتداد به كشريك إذا اعترف بشراكته مع إيران وروسيا، وقراره حول القدس أكسبه ربحاً إعلامياً لدى مؤيّدي «إسرائيل»، لكنه أخرجه من عملية التفاوض حول التسوية الفلسطينية «الإسرائيلية»، وربما أخرج التفاوض كله عن المسرح، فبدت واشنطن لمرتين متتاليتين خلال عشرة أيام وحيدة في مجلس الأمن تستخدم الفيتو لمنع قرار يندّد بخياراتها، وهو وضع لم يسبق أن عرفته واشنطن، ولا حتى أن مرّت به روسيا التي كانت تجد دائماً مَن يشاركها التصويت عندما تستخدم الفيتو لإسقاط مشروع قرار في مجلس الأمن. وكان لافتاً أن تكون الكلمة التي أدلى بها ممثل بريطانيا تعليقاً على الموقف الأميركي، أقرب للانتماء إلى مواقف خصوم أميركا التقليديين، وتكاد صورة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في زيارته المقرّرة غداً للمنطقة استعادة لزيارات المسؤولين الأميركيين أيام النهوض القومي في الخمسينيات، حيث تداعت القوى والشخصيات والأحزاب في فلسطين وخارجها لتنظيم استقبال احتجاجي حاشد بوجه بنس الذي تقاطعه الكثير من القيادات في المنطقة، قبل أن يعلن البيت البيض تأجيل الزيارة فجر اليوم، بينما بدأت تظهر في الصحافة «الإسرائيلية» علامات التعب من الأفق المسدود الذي تبشّر به المواجهات التي فجّرها قرار الرئيس الأميركي حول قطاع غزة خصوصاً، حيث يقول نوعام أمير لـ «القناة عشرين»، «استنادًا الى مجريات الأسبوع الماضي، من الممكن قول أمرين: الأوّل: انتهت فترة الردع في قطاع غزّة، والثاني: ليس لدى «إسرائيل» استراتيجية منظّمة مع قطاع غزة فهي تهاجم أهدافًا لحماس في حين أنّ تنظيمات تطلق الصواريخ على مستوطنات الجنوب، ويختم لا يمكن لحماس أن توقف النيران و«إسرائيل» لا تعرف كيف تقوم بذلك لا في الشمال ولا في الجنوب».

في هذا المناخ الإقليمي الذاهب للمزيد من التصعيد، بانتظار الوقت اللازم لاختبار قدرة التعاون السعودي «الإسرائيلي» الأميركي على احتواء المواجهة التي أثارها القرار الأميركي بإعلان القدس عاصمة لـ»إسرائيل»، والرهان على إعادة إطلاق مفاوضات فلسطينية «إسرائيلية» بدون القدس، تواصل سورية وروسيا ومعهما إيران وقوى المقاومة سياسياً وعسكرياً ترصيد المزيد من النقاط، كما يقول مسار سوتشي السياسي للمحادثات وتقول الانتصارات العسكرية المتلاحقة للجيش السوري وحلفائه في أرياف حلب وإدلب وحماة، وكما قال كلام الرئيس السوري بشار الأسد بعد لقائه وفداً حكومياً روسياً، عن الحرب المستمرّة على الإرهاب، حيث النصرة لا تقلّ خطورة عن داعش، بينما التركيز على داعش يُخفي الرهان على النصرة، وحيث الذين يعملون تحت الراية الأميركية أو أيّ راية أجنبية أخرى، ليسوا إلا خونة وعملاء، فيما بدت رسائل شديدة اللهجة لتركيا وأميركا في ملفّي التعامل مع النصرة والانتشار غير الشرعي لقواتهما في سورية.

في هذا المناخ الإقليمي نفسه عاد رئيس الحكومة سعد الحريري ليشكّل بيضة القبان في رسم التحالفات والتوازنات والخصومات، بينما الارتباك يحكم موقفه، حيث لا قدرة على ممارسة سياسة تغضب السعودية، كما حال «بقّ البحصة»، أو غيرها من البحصات وفي المقابل لا قدرة على الانضواء تحت مظلة السياسة السعودية التي تذهب إلى اللعب في المناطق الأشدّ خطراً بدعم سياسة الرئيس الأميركي في الشأن الفلسطيني فيصعب تسويقها والتساوق معها، فيختار الحريري خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء، يبشّر بـ «بق البحصة» ويتراجع، يمدّ اليد لحلف مع التيار الوطني الحرّ بدون القوات اللبنانية، ثم يفتح طريق اللقاء بقائد القوات سمير جعجع، يدخل على خط العلاقة بين الرئاستين الأولى والثانية ويتراجع، ويبدو الزمن يمرّ ببطء شديد على الحريري منذ أزمة الاستقالة، وتبدو الأمور الغامضة بحاجة لوقت طويل حتى تتضح مساراته ويرتاح إلى ثباتها ووضوحها، آملا أن يتمّ كلّ ذلك قبل رسم ملامح خططه الانتخابية في التحالفات والخصومات.

لقاء «الشيخ» و«الحكيم» يؤجّل «الانفجار»

يبدو أن العام السياسي الحالي سيختم أحداثه في لبنان بتثبيت حالة الاستقرار وتعويم التسوية الرئاسية وتأجيل «بحصة» رئيس الحكومة سعد الحريري الى العام المقبل التي كانت ستُحدث هزة سياسية تنسف جدران تحالف تيار المستقبل وحزب «القوات اللبنانية» من جهة، وأعمدة تفاهم الأخيرة والتيار الوطني الحر من جهة ثانية، وتُحَوّل بناء فريق 14 آذار ركاماً.

ووفق المطلعين على العلاقة بين «المستقبل» و«القوات» فإن بحصة الحريري لم تُفَجَّر بـ «اللايزر» السياسي عن بُعد، كما يظن البعض، بل عُطِلَت مفاعيلها مؤقتاً نتيجة تمنيات جهات سياسية داخلية وضغوط خارجية لم تكن تسوية عودة الحريري الى لبنان بعيدة عنها، وما تسرب حينها عن أن استهداف حلفاء السعودية خطّ أحمرـ كان أحد شروط المملكة لفك أسر الحريري، بضمانة فرنسية. وتضيف المصادر لـ «البناء» أنّه حتى لو صمدت التحالفات شكلياً حتى موعد الانتخابات النيابية لاعتبارات عدّة، لكن بالتأكيد ما بعد الانتخابات لن يكون كما قبلها.

وقد نفى وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس، علمه بفحوى «البحصة»، مشيراً الى أن الحريري أعلم بها.

وقد أوحى رسيتال ميلادي سنوي أحيته «القوات اللبنانية» في معراب بمناسبة الأعياد أمس، بعودة الحياة الى ورقة النيات «العونية» ـ «القواتية»، حيث سجلت مشاركة عضو تكتل التغيير والإصلاح وعراب «ورقة النيات» النائب إبراهيم كنعان الى جانب رئيس «القوات» ووزرائها الذين تجنّبوا ارسال إي إشارة سياسية رافضين الحديث بالسياسة، لكن مشاركين في الحفل نقلوا لــ «البناء» أجواءً إيجابية على صعيد تأجيل الانفجار بين «القوات» وكل من «التيار الحر» و«المستقبل».

وأوضح كنعان في تصريح أن «السياسة سياسة ظروف، ولكن المصالحة المسيحية دائمة وحضوري وتمثيلي رئيس التيار الوطني الحر في ريسيتال معراب أمر طبيعي».

وغمز وزير الطاقة سيزار أبي خليل، بعد اجتماع لجنة الطاقة برئاسة رئيس الحكومة، من قناة «القوات» بالقول «نحن اليوم كمجموعة قوى سياسية لديها مصلحة اللبنانيين فوق كل اعتبار، وهي في مجلس الوزراء تسعى إلى تأمين الكهرباء للبنانيين. إن استمرار الوضع السائد في ما خصّ مسألة الكهرباء في ضوء مناكفات ومماحكات سياسية، أمر غير مقبول».

وأشار مصدر قيادي في تيار المستقبل لـ «البناء» إلى أن لا أسباب جوهرية تحول دون اللقاء بين «الشيخ» و«الحكيم» والوضع غير معقّد إلى الدرجة التي يتحدّث عنها الإعلام، وما قيل عن بحصة الحريري، وحده من يملك الإفصاح عن مضمونها»، لافتة الى أن «موعد اللقاء لم يُحدّد بعد، لكن هناك مساعي خير تعمل على خط معراب بيت الوسط، ربما تتكلل بالنجاح قبل نهاية العام المقبل».

وشدّد المصدر على أن العلاقة بين الرئيسين عون والحريري ممتازة وستستمر بعد الانتخابات النيابية وباتت الآن تتقدّم على العلاقة مع «القوات» بعد الأزمة الأخيرة، مشيرة الى أن «اللقاء بين الحريري وجعجع ضروري لمعالجة المسائل الخلافية في السياسة وعلى صعيد مقاربة الملفات داخل الحكومة».

حركة دولية ناشطة باتجاه لبنان

وقد رصدت حركة دولية ناشطة باتجاه لبنان في الآونة الأخيرة تؤشر الى تثبيت مظلة الاستقرار فوق لبنان، حيث تصل اليوم الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فديريكا موغريني، بينما أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال استقباله الممثلة الخاصة الجديدة للأمين العام للامم المتحدة في لبنان برنيل دالر كارديل، في بعبدا أمس، تمسّك «لبنان بقرارات الامم المتحدة وتشديده باستمرار على تطبيقها، وفي مقدمها القرار الرقم 1701، في وقت تواصل فيه «اسرائيل» اعتداءاتها المتكررة على لبنان، وتم حتى الآن تسجيل أكثر من 11 الف خرق لهذا القرار». وشدّد على أن «لبنان كان دائماً في موقع الدفاع عن النفس في مواجهة إسرائيل، وذلك عملاً بميثاق الامم المتحدة»، لافتاً إلى أن «لجوءها مؤخراً الى تحضير البنى التحتية من أجل بناء جدار فاصل في القطاعين الشرقي والغربي على الخط الأزرق، علماً أن لبنان يعتبر أن هذا الخط لا يتطابق مع خط الحدود الدولية».

وأبدت الدبلوماسية الأممية «الاستعداد للتعاون في معالجة المشاكل التي يواجهها لبنان على مختلف الصعد».

وأكد السفير القطري في لبنان في كلمة له خلال «اليوم الوطني» لبلاده على «عمق العلاقات الثنائية والشراكة الأخوية بين البلدين الشقيقين»، مشدّداً على «الدعم القطري الدبلوماسي والسياسي المستمر للبنان وشعبه بمواجهة التحديات كافة التي تحيط به».

الملفات المعيشية والمالية إلى الواجهة

وقبل أن تدخل البلاد عطلة الأعياد، عادت الملفات «المتفجّرة» المتراكمة منذ أزمة إقالة الحريري لتفرض نفسها على المشهد الداخلي. وإن كان إنعاش التسوية التي أرست استقراراً سياسياً وإقلاعاً نفطياً وإدارياً آمناً ومنتجاً للحكومة في جلستها الخميس الماضي، فإن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لا يزال حُلماً يراود اللبنانيين في ظل الأزمات المعيشية المستحكمة المزمنة والمتوارثة عبر العهود والحكومات المتعاقبة، ما يجعل الحكومة الحالية في سباقٍ محموم مع الزمن لمعالجة القدر الأكبر من هذه المشاكل خلال المدة المتبقية من عمرها قبيل الانتخابات النيابية التي حُدّدت في 6 أيار المقبل.

في سياق ذلك، نفذت جميع المؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل إضراباً مفتوحاً أمس، رفضاً لمضمون التعميم الذي أصدره رئيس الحكومة، فأقفلت مراكزها الرئيسية وفروعها كافة، وبالتالي توقفت الأعمال فيها وتقديم الخدمات، وألغيت اللقاءات والنشاطات كافة.

من جهته، أعلن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر «الاستمرار في الإضراب المفتوح في كل المؤسسات العامة والمصالح المستقلة، بما فيها المستشفيات الحكومية، وصولاً إلى إعلان الإقفال التام». كذلك أكدت نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان التزامها الكامل الإضراب المفتوح.

جلسة أخيرة لمجلس الوزراء اليوم

وعلى وقع الاضرابات والتحركات في الشارع، يعقد مجلس الوزراء اليوم جلسته الأخيرة في هذا العام في السراي الحكومي، برئاسة الرئيس الحريري وعلى جدول أعمالها 67 بنداً، منها 23 موضوعاً من الجلسة الماضية، أبرز ما فيه ملف النفايات الذي سيكون محل خلاف بين القوى الوزارية، في ظل الحلول المعروضة للأزمة، لجهة الخيارات التي يطرحها مجلس الإنماء والإعمار لتوسعة مطمري الكوستا برافا وبرج حمود.

كما سيطرح من خارج جدول الأعمال ملف عدم قبول أوراق اعتماد السفير السعودي الجديد في لبنان وليد اليعقوبي حتى الآن. وبحسب مصادر السفارة السعودية فإن السفارة الى لا تزال تنتظر موعداً لتقديم أوراق اعتماد سفيرها في بيروت. كذلك يتضمّن جدول الأعمال تعيين الأعضاء الخمسة في المجلس الدستوري ومشروع سكة الحديد بين طرابلس والحدود السورية.

وفي ما خصّ الموازنة، لفت وزير المال علي حسن خليل ، إلى «أنّنا في سياق التحضير للموازنة ويجري البحث في سبل تخفيض نسبة العجز المرتفعة في موازنة 2018 وإيجاد حلول مع البنك المركزي ».

وأشار خليل، بعد لقائه رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في السراي الحكومي، إلى أنّ «الموازنة ستُطرح على جدول الأعمال في أول جلسة لمجلس الوزراء مباشرةً بعد رأس السنة».

انطلاق قطار الانتخابات

في غضون ذلك، وبعيداً عن الإصلاحات الانتخابية كالبطاقة الممغنطة والهوية البيومترية والتسجيل المسبق للناخبين خارج مكان القيد، انطلق قطار الانتخابات النيابية، فبعد توقيع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، أعلنت هيئة الإشراف على الانتخابات مباشرتها أعمالها التحضيرية.

وقالت مصادر مطلعة على ملف الانتخابات لـ «البناء» إن «إقرار المراسيم الأربعة المتعلقة بالعملية الانتخابية وآخرها مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وإعلان هيئة الإشراف على الانتخابات بدء أعمالها، يؤشر الى استعداد الحكومة ووزارة الداخلية لإنجاز الاستحقاق النيابي في 6 أيار المقبل من دون أي تأخير، وبالتالي لا تأجيل ولا تمديد حتى يوم واحد»، مشيرة إلى أن «الحجج التقنية لتأجيل الانتخابات سقطت باستثناء حدوث عمل أمني خطير يؤثر على حركة تنقّل المقترعين». وأوضحت المصادر أن «المهل القانونية الضاغطة لإنجاز الاستحقاق الانتخابي هو السبب الأساسي الذي حال دون اعتماد الإصلاحات وليس الخلاف السياسي بين القوى التي أجمعت على اعتماد الإصلاحات، لكن ضيق الوقت والمهل منع وزارة الداخلية دون تطبيقها»، مشيرة الى أن الانتخابات ستجرى بلا بطاقة بيومترية وعلى الآلية التقليدية ومن دون أي تعديلات».

وأكد وزير الداخلية في حديث تلفزيوني أن «الانتخابات النيابية في موعدها، لا خيار آخر».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى