صاروخ يمني على الرياض… والحوثي للعين بالعين… متوعّداً السعودية والإمارات بالمزيد مسعى جنبلاطي لتسوية «الترقيات» وتساؤلات عن أولوية توافق الرئاسات على «الحرتقات»

كتب المحرّر السياسي

ثلاثة مسارات متوازية ترسم مشهد المنطقة خلال عطلة الأعياد، أوّلها في فلسطين تخطّه المواجهات التي لا تهدأ مع جيش الاحتلال، والتي تَعِد بالمزيد، كمّاً ونوعاً، وثانيها مسار الوضع في كردستان العراق نحو إمساك حكومة بغداد بزمام المبادرة في الشأن الكردي الداخلي بعد اندلاع ما يشبه الانتفاضة الشعبية بفعل تداعيات خيار الانفصال الانتحاري، ولجوء حكومة الإقليم لقمع المتظاهرين، وإعلان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي استعداده للتدخّل منعاً للانتهاكات لحقوق مواطنين عراقيين، أكراداً كانوا أم عرباً، فهم من مسؤولية الحكومة المركزية عندما تفشل الحكومة المحلية في صيانة هذه الحقوق. أما المسار الثالث فهو ما سجله سقوط صاروخ يمني بالستي على العاصمة السعودية الرياض، أكد سقوطه البيان الأميركي الذي تحدّث عن القلق من عدم فعالية منظومة الدفاع الصاروخي، رغم الإعلان السعودي عن النجاح في اعتراض الصاروخ، بعدما تناقلت وكالات الأنباء العالمية ما قاله شهود عيان عن سماع دويّ انفجار كبير ومشاهدة أعمدة من النيران والدخان في قلب المدينة. قائد أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، قال في إطلالة تلفزيونية إنّ الصاروخ رسالة ردّ تحت عنوان العين بالعين، وإنّ الصمت على حرب التدمير والإبادة التي يتعرّض لها اليمن لم يعد ممكناً، وإنّ استهداف المَرافق الحيوية والمنشآت الاستراتيجية والحساسة في السعودية والإمارات سيشكل بنك أهداف للصواريخ اليمنية مع كلّ تصاعد في العدوان على اليمن.

على خلفية هذه المسارات تقدّم الوضع في سورية بمؤشرات موازية، حيث المشهد العسكري مزيد من الانتصارات للجيش والحلفاء على جبهات أرياف حلب وإدلب وحماة، وحسم قريب في جبهة الجولان وجبل الشيخ، بينما المبعوث الأممي دي ميستورا يكتشف عقم التلاعب الذي حاول تمريره في جولة جنيف الأخيرة، بينما جماعة الرياض التي حاول مساندتها تتجه لمشاركة فاعلة في مسار أستانة وهي تدرك أنه مسارٌ موازٍ، وربما بديل لمسار جنيف، ومثله يبدو مسار سوتشي يستعدّ لوراثة جنيف، كلما أمعن دي ميستورا في تضييع البوصلة، ما دفع دي ميستورا لتجاهل الفشل ومسؤوليته عنه في جولة جنيف والاكتفاء بالدعوة لتخطي الفشل والبحث عن مبادرة يُكتب لها النجاح واعداً بالذهاب للجولة الجديدة بعنوان الاستعداد للانتخابات كإطار لحسم أمر الرئاسة، الذي لا يشكّل موضوع تفاوض، وهذا ما ما كان إنكاره السبب في الجولة السابقة لجنيف، إلا أنّ دي ميستورا كان يحتاج لرؤية العين الحمراء السورية حتى يرتدع.

لبنانياً، طغى الإشكال الذي نشأ عن توقيع مرسوم لترقيات ضباط من دورة العام 1994 من رئيسَيْ الجمهورية والحكومة من دون توقيع وزير المالية، على مشهد التوافق الرئاسي الذي ترسّخ مع أزمة استقالة رئيس الحكومة وما تلاها، وسط انزعاج رئيس المجلس النيابي من هذا السلوك «المستغرَب» في زمن التوافق، وبعد نقاش تحوّل سجالاً فمشادة في اجتماع الحكومة، تقدّم النائب وليد جنبلاط على خط الوساطة لإنضاج تسوية، فأرسل النائب وائل أبو فاعور للقاء رئيس المجلس النيابي، قبيل استقباله وزير الخارجية جبران باسيل إلى عشاء عائلي، وسط تساؤلات عن الحكمة من البحث عن تسوية كانت ممكنة أصلاً بالتشاور بدلاً من «الحرتقات» التي غالباً ما يتمّ توريط الرئاسات بها، تحت باب الصلاحيات، أو التشجيع على الثنائيات، بينما لبنان بلد التسويات والتوافق، فكيف عندما تفرض الأصول الدستورية توافقاً يترجم بتواقيع تحركها في النهاية اعتبارات سياسية لا تقنية، سواءٌ أكان المعني رئيساً أم وزيراً، فلماذا تجوز السياسة هنا وتصير تقنية هناك، بينما البلاد التي ذاقت طعم التوافق والاستقرار والقوة بنتيجته لا تحتمل نكسات ومشاحنات، ولا توجد قضية بحجم يبرّرها أمام ما يستدعي الحفاظ على مناخات الوحدة والتوافق والتضامن، بعيداً عن التفاصيل التي تصغر أمام حجم مسؤولية الرؤساء عن صيانة الاستقرار؟

جهود لتطويق أزمة «دورة عون»؟

عاد الانقسام التقليدي بين القوى السياسية حيال الملفات الخلافية ليطغى على جلسات مجلس الوزراء بعد شهر العسل السياسي بين أركان الحكم عقب أزمة إقالة رئيس الحكومة سعد الحريري.

وعلى الرغم من تمرير توافقي آمن لملف النفط في الجلسة الحكومية الأخيرة في بعبدا، غير أن جملة من الملفات لا تزال محلّ خلافٍ بين مكوّنات الحكومة كخطة الكهرباء وقبول أوراق اعتماد السفير السعودي الجديد في لبنان وأزمة النفايات وغيرها من الأزمات المتفجّرة والمؤجلة كأزمة النازحين السوريين والعلاقة مع سورية، إلا أن موضوع توقيع رئيسَيْ الجمهورية والحكومة مرسوم منح سنة أقدمية لضباط ما سُمّي بـ «دورة عون» عام 1994 من دون توقيع وزير المال تصدّرت المشهد مع بروز بوادر أزمة سياسية وميثاقية إذا فشلت الجهود الحثيثة التي تقودها بعض الجهات على خطوط الرئاسات الثلاث لإيجاد حلٍ قانوني لها وتطويق الأزمة قبل تفاقمها.

وقد علمت «البناء» أن «الرسائل التي نقلت من عين التينة الى بعبدا وبيت الوسط دفعت الرئيس سعد الحريري الى «الطلب من الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل تجميد نشر المرسوم في الجريدة الرسمية حتى يتشاور مع رئيس الجمهورية للبحث عن مخرج للأزمة». ونقلت مصادر سياسية عن رئيس المجلس النيابي لـ«البناء» امتعاضه إزاء التصرف في هذا الملف، وأنه لا يجوز الوقوع في مثل هذه المغالطة والمخالفة القانونية والميثاقية»، مبدية استغرابها لإثارة الأمر في هذا التوقيت بعد أجواء التضامن السائدة في البلد منذ أزمة الرئيس الحريري مروراً بالإجماع على قضية القدس وفلسطين»، مستغربة «توقيع المرسوم من دون التوافق الذي شكّل قاعدة وآلية تحكم العمل واتخاذ القرارات في مجلس الوزراء».

.. وانقسام وزاري

وقد فرض الخلاف حيال الملف نفسه على جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في هذا العام، حيث أثار وزير المال علي حسن خليل من خارج جدول الأعمال الأمر وسجل اعتراضه على توقيع المرسوم، معتبراً أنه «مخالفة قانونية وميثاقية»، لكن رئيس الحكومة لم يرد على المداخلة بل تدخل وزير الدفاع يعقوب الصراف لتوضيح ذلك، معتبراً أن «ليس كل مرسوم بإنفاق مالي يحتاج الى توقيع وزير المال»، حيث تطوّر الأمر الى سجال بين الوزيرين خليل والصراف انتهى إلى سحب الأخير كلامه عن الأمر الذي اعتبره خليل انقلاباً على الدستور»، وذلك بعد تدخّل وزير الخارجية جبران باسيل.

وأكد خليل في تصريح بعد الجلسة أنّ «ما بُني على باطل فهو باطل، ولا يبرّر وجود خطأ في السابق استمرار هذا الخطأ»، مشيراً إلى أنّ «هناك أصولاً دستورية بوجوب توقيع وزير المال على أي مرسوم يؤثّر على الإنفاق المالي ، وهذا المرسوم له تداعياته المالية لناحية الشكل. أمّا لناحية المضمون فهنا لدينا حديث آخر». وأكّد خليل، أنّ «موضوع مرسوم ترقيات ضباط لم ينتهِ، ومفتوح على التصعيد إذا لم يتمّ التراجع عنه».

وانقسمت وجهات النظر بين الوزراء بين من أيّد توقيع المرسوم وهم وزراء رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل وعارضه وزراء حركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي.

وقالت مصادر وزارية في الحزب الاشتراكي لـ «البناء» إن «المرسوم مخالف للقانون ويجب أن يقرن بتوقيع وزير المال، لأنه يرتّب أعباء مالية»، وحذرت المصادر من انعكاس ذلك على معنويات الضباط ومواقعهم ومناصبهم لجهة الضباط المسيحيين، كما المسلمين»، مشيرة الى ضرورة تراجع الرئيسين عون والحريري عن هذا القرار.

غير أن بعبدا تقدّم رواية قانونية ودستورية مختلفة، حيث تعتبر أن المرسوم لا يرتب أي أمور مالية وقد حصلت سابقة في هذا المجال خلال منح أقدمية للضباط الذين شاركوا في عملية فجر الجرود في عرسال الصيف الماضي من دون اعتراض من أحد.

وقد برز تناقض في موقف وزراء «القوات اللبنانية» حيال الملف، وفي حين عبر أحد الوزراء «القواتيين» البارزين قبيل الجلسة بأن المرسوم يحتاج الى توقيع وزير المال، قالت مصادر وزارية «قواتية» أخرى لـ«البناء» بعد انتهاء الجلسة إن «المرسوم لا يرتب أعباءً مالية فورية، بل مفاعيل لاحقة تتعلق بالترقيات وأخرى مالية فور إحالتهم الى التقاعد وحينها تحتاج الى توقيع وزير المال على اعتمادات الضباط، وبالتالي لا يحتاج المرسوم الآن الى توقيع وزير المال ويكفي توقيعا رئيسَيْ الجمهوري والحكومة والوزير المختص وفق قانون الدفاع».

موقف «القوات» يعكس السياسة الجديدة التي تتبعها إزاء الملفات الحكومية بعد أزمة الحريري، حيث تحوّلت «البحصة» الى العصا الغليظة الذي يلوّح بها رئيس الحكومة لتطويع «القوات» حكومياً، وما يؤكد ذلك، تمرير وزراء «القوات» بعض الملفات التي كانت من أشدّ المعترضين عليها، كموضوع تراخيص النفط والغاز، لتجنب مواجهة سياسية مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر و»المستقبل»، ووفق معلومات «البناء» فإن خطة وزير الطاقة الكهربائية ستمرّ أيضاً في أول جلسة للحكومة في العام المقبل من دون كهرباء سياسية.

جنبلاط على الخط…

وقد دخل رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط على خط الأزمة، حيث أوفد النائب وائل أبو فاعور إلى عين التينة للقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأشار أبو فاعور بعد اللقاء إلى «توافق وتفاهم بين الرئيس بري وجنبلاط حول ضرورة مراعاة الأصول الدستورية والقانونية واصول التوازن والكفاءة والجدارة في كل القرارات التي تتخذ، خصوصاً اذا كانت تُعنى بها مؤسسات أساسية ضامنة للسلم الأهلي وتلعب أدواراً كبرى في أستقرار ومستقبل لبنان كمؤسسة الجيش اللبناني»، موضحاً أن «للرئيس الحريري الموقف نفسه ويراعي هذه الاعتبارات، وأيضاً قناعتنا كاملة بأن رئيس الجمهورية، بما له من تجربة في الجيش وبما له من طموح لأجل المؤسسات اللبنانية أيضاً، يقدّر هذا الأمر ويُراعيه».

ومساء استقبل جنبلاط في دارته في كليمنصو وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وزوجته شانتال ميشال عون، بحضور نجله تيمور والسيدة نورا جنبلاط. وتناول البحث التطورات السياسية الراهنة.

أزمة دبلوماسية بين الرياض وبيروت؟

ومدّد مجلس الوزراء في الجلسة التي عُقدت في السراي الحكومي برئاسة الحريري، عقود إدارة شبكتي الخلوي سنة، على أن تتم خلالها اعادة النظر في خطة وطنية للخلويّ، بعدما وزّع دفتر الشروط، ويتم بتها السنة المقبلة لنخرج من موضوع التمديد وندخل في خطة وطنية شاملة للهاتف الخلوي.

وأرجأ المجلس البتّ في مسألة توسيع مطمري الكوستابرافا وبرج حمود، وأحيلت الى لجنة وزارية مختصة لدرسه واتخاذ القرار الأنسب في شأنها، بعد اعتراض عدد من الوزراء على توسيع المطمرين.

وأثار وزير التربية مروان حمادة موضوع عدم قبول رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية أوراق اعتماد السفير السعودي في لبنان وليد اليعقوبي، فوعده رئيس الحكومة بأخذ الملف على عاتقه ومعالجة الملف خلال الأيام القليلة المقبلة. غير أن مصادر ربطت بين تريّث بعبدا والخارجية بقبول أوراق اعتماد اليعقوبي بتأخير المملكة اعتماد السفير اللبناني الجديد في الرياض فوزي كبارة، رغم انتهاء مهلة الثلاثة أشهر، ما ينذر بأزمة دبلوماسية بين الرياض وبيروت.

وشدّد رئيس الحكومة في مستهل الجلسة على «النأي بالنفس عن مشاكل المنطقة». وتمنّى أن «يشكل التضامن الحكومي قاعدة أساسية لحماية الاستقرار ومواصلة الإنتاج»، وأضاف «بالنسبة للإضرابات لن نزيد ليرة واحدة على السلسلة ، ولقد وضعناها لنزيد الرواتب، نحسّن مستوى عيش الموظفين ولا إمكانية لأي زيادة وأتمنى على الحكومة اتخاذ موقف موحد من هذا الموضوع».

خروق بالجملة لـ «النأي بالنفس»

في غضون ذلك، سجلت الساحة السياسية أيضاً خروقاً بالجملة للبيان الحكومي الأخير حول النأي بالنفس، فبعد استباحة وزير خارجية النظام السعودي عادل الجبير السيادة اللبنانية بتصريحاته المهينة بحق رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي وحزب الله وصمت رئيس الحكومة عن إدانتها، سجل رئيس الحكومة وكتلته النيابية أول خرق للنأي بالنفس حيال الأزمات والصراعات الإقليمية من خلال التدخل في الحرب اليمنية وإدانتهما إطلاق صاروخ باليستي من الاراضي اليمنية باتجاه الرياض ووصفه مطلقيه بـ»الميليشيات الحوثية».

وقد لوحظت عودة الرئيس فؤاد السنيورة للجلوس على يمين رئيس الحكومة خلال اجتماع كتلة المستقبل أمس، بعد أن جلس وسط الطاولة في الاجتماعات الماضية التي تلت عودة الحريري من الرياض، ربطته مصادر بتراجع رئيس المستقبل عن «بق «البحصة»، ما يؤشر الى ضغوط سعودية كبيرة على الحريري للجم اندفاعته اتجاه الرئيس عون وحزب الله وثنيه عن تصفية الحسابات مع حلفاء السعودية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى