هل سيشرع الفيتو الأميركي باب التسويات حول القدس؟
رامز مصطفى
الفيتو الأميركي في مجلس الأمن لم يشكل مفاجأة ضدّ مشروع القرار المصري القاضي بعدم الاعتراف بالتغيير الذي طرأ على الوضع الحالي للقدس نتيجة اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بها «عاصمة للكيان الإسرائيلي». والمشروع دعا جميع الدول إلى الامتناع عن فتح بعثات دبلوماسية في مدينة القدس وفقاً للقرار 478. وكان مجلس الأمن الدولي قد وافق على قرار في كانون الأول من العام 2016، يؤكد أنه لن يعترف بأيّ تعديلات في خطوط الرابع من حزيران 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس، باستثناء ما تتفق عليه الأطراف من خلال المفاوضات.
المشروع المصري الذي أسقطته مندوبة الأميركية نيكي هايلي بضربة الفيتو، أولاً لم يأت على ذكر اسم الولايات المتحدة أو رئيسها ترامب في نصه، إنما جاء ليؤكد على قرارات اتخذتها الأمم المتحدة، وثانياً من المؤكد أنّ مصر قد أطلعت العديد من أعضاء مجلس الأمن عليه قبل طرحه، ورئاسة السلطة الفلسطينية قد أعطت الضوء الأخضر على هذه الصياغة، التي لم تتعمّد أن يكون تحت الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة، في الفقرة الثالثة من المادة السابعة والعشرين، التي تتحدث أنّ «قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة تصدر بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت». بمعنى أنّ المشروع لم يتقصّد أن يأخذ الصفة الإلزامية التي تجبر طرف النزاع وهو الولايات المتحدة الأميركية على عدم تمكّنه من استخدام حق النقض الفيتو وفق ما ذكر آنفاً.
وهناك أسئلة تطرح نفسها، أولاً لماذا مصر تفرّدت في تقديم هذا المشروع؟ وهل صياغته بهذه الطريقة تشي بأنّ مباحثات تجري خلف الكواليس السياسية أو داخل أقبية دهاليزها بهدف التوصل إلى تسوية ما حول القدس؟ في الأول بتقديري أنّ الجانب المصري عمل على قطع الطريق على أية دولة أو مجموعة بما فيها تركيا التي استضافت القمة الإسلامية قبل أيام، وهي التي شاركت فيها بوزير خارجيتها. أما في الثاني، وهو متصل بعدم إغلاق الأبواب أمام التسويات لموضوع القدس، وهنا علينا ملاحظة أنه كثر ترداد كلمة القدس الشرقية على لسان العديد من الدول بما فيها روسيا والصين التي يُقال إنها ترعى مباحثات بين وفدين فلسطيني وآخر «إسرائيلي». وفي المقدّمة من كلّ هؤلاء رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، الذي أكد في كلمته بعد الاجتماع الأخير لـ»القيادة الفلسطينية» في رام الله أنّ القدس الشرقية التي ستكون عاصمتنا ستبقى مفتوحة أمام الجميع من مسلمين ومسيحيين ويهود». وبتقديري أنّ رئيس السلطة الذي بدأ زيارة رسمية إلى السعودية بدعوة من عاهلها الملك سلمان، لن تكون قضية القدس والاعتراف الأميركي المشؤوم موضوعاً ثانوياً بل في رأس جدول أعمال الزيارة، إن لم تكن الزيارة أتت في سياق طرح المخارج والتسويات حول القدس.
ما يؤكد أنّ تسوية ما يُعمل عليها هو ما ورد في «كتاب حقائق العالم» الذي تصدره وكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي أي آي»، حيث جاء في الكتاب «إنّ الاعتراف ينطبق فقط على الجزء الغربي من مدينة القدس». وأهمية ذلك أنّ وكالة المخابرات المركزية الأميركية وما تورده في كتابها يعتبر مرجعاً تعتمده الخارجية الأميركية في تعاملها مع الدول. والجدير ذكره أنّ تحديث «كتاب حقائق العالم» قد تمّ بعد اعتراف ترامب بالقدس «عاصمة للكيان الإسرائيلي». وبالتالي هي أيّ «سي أي آي» تعترف بأنّ القدس الشرقية محتلة في العام 1967، وليست جزءاً من القدس الموحدة…!
كاتب وباحث سياسي