عام على انتصار حلب.. وعودة الفينيق

نظام مارديني

ها هو عام يمضي على استعادتكِ إلى الدولة يا حلب.. عام مضى على فرح عودتكِ بعدما كانت جحافل الجراد الوهابي وفرعه «العثملي» قد عاث نحراً في أهلكِ ودماراً في تاريخكِ.

وها أنا أعبُر المسافات الضوئية إليكِ من جديد، بعدما كان يُربكني حزنكِ، ألمكِ.. ويترنّح صوتي أمام عتبة قلعتكِ كأنني عابر سبيل يختصر طُرُقاً للوصول إلى بواباتكِ بلهفة عاشق.. لأفتح للقلبِ أبوابه الموصدة قبل أن أحار فيكِ.. تسكنينني أو أسكن أحلامك؟

ما يميّز حلب الشاهدة عن غيرها من المدن السورية، أن التاريخ فيها مقيم على الدوام في الحاضر مثلما تجد خطوطه المميّزة في تقاطيع المستقبل، لأن المدن التي بلا تاريخ تذوي وتموت، ولكن حلب التي كان يُراد لها أن تُستَشْهَد أبت إلا أن تحيا الحاضر بروح المستقبل.

إن التاريخ عند مَن يحملون الفكر الوهابي ـ العثملي، توقّف في أزمنة تاريخية معينة حافلة بالمشاكل والأزمات وتكالب المصالح والنيات المريضة وأُخذ هذا التاريخ في مسار، حسب ما رُسِم له من قبل آل سعود الذين قاموا بتفخيخه بالدسائس والأكاذيب والأباطيل، منتفخاً بالأوهام الدينية والخرافات والقداسات الكاذبة حتى أن الفيلسوف الألماني هيغل حين درس تاريخ الشرق ذكر بأن روحه التاريخية قد تعطّلت عند العصر العباسي!؟

ستبقى حلب الشاهدة على جرائم الوهابية، وكادت أن تسجّل شهيدة في سجلات التاريخ، غير أنّها كما الفينيق عادت من جديد لتكون مخرزاً يفقأ عيون زنادقة العصر من «دواعش» و»نصرة» و»أحرار الشام» الذين لم يتوانوا عن قصف المدينة بغاز الكلور وبفتوى من شيوخ الظلام.

إلى متى يا حلب؟

هائمة تظلّ روحي أبداً، تتنقل بين جزر لا أعرفها، أو تمرق فوق غيمات حزن جفّف دمعي من حساباته! اعذريني يا حلب إن تبعثرت روحي مع دماء شهدائك وعدت إلى بدء التكوين.. فجحافل الحنين إلى الشيخ مقصود، وحيّ السريان، وحيّ الأشرفية وساحة سعد الله الجابري، تُرهبني عندما تجتاح قلاع صبري في صفنة حزن لا يروي أرضاً ولا يُشفي جرحاً.

وحدَها دماؤكِ يا جريحة سورية الشمالية المضرّجة سحبت خيوط الشمس نحو هذا الصباح الجديد، لتطوي نهاراتكِ محطّات الأحزان والآلام..

هل هي صدفة أن تكون سنوية استعادتك تأتي عشية ميلاد طفل المغارة، والمعلم يسوع الناصري؟

يا عاصمة الشمال، يا حلب.. تعرفين أن القتلة، يهود العصر، الذين باعوا سورية بفضّة من يهود خيبر إلى الرياض وأنقرة، تعبوا وسقطوا لأنهم حرثوا في أرض بور، بل أرهقهُم هذا الحبل السريّ الذي يربط بين خطين متوازيين لا يلتقيان.. خط الحق الذي قاده أهل حلب نحو شمس الحقيقة، رغم أنها صُلَبت على مذبح انتمائها إلى الدولة السورية الواحدة. وخط القتلة الجبناء الذين تلقوا وبشوق رمحاً في خاصرتهم التي نزتّ قيحاً وسماً مذهبياً مقيتاً، وهو الخط المزيّن بثقافة الموتى، وبقلاداته التاريخية الزائفة وقيمه ومقدساته الكاذبة بهدف استيطان الحاضر، وتشييع الخراب فيه كي تبعث إلى الحياة من جديد العادات والقيم والممارسات التي لا تدلّ إلا على التوحّش والهمجية.

لقد عرف مجانين الوهابية وتجار الدين أسرار اللعبة، فهم كادوا يهدمون الحاضر في سورية والعراق ويُشيعون الفوضى فيهما، كي يدور المجتمع «السوراقي» في فلك الماضي، ولكن تكفي همسة إيمان بكِ من «سرياني» أو «كردي» أو «أرمني» أو «عربي» أو «شركسي» لتكوني الشاهدة لعز سورية وكرامتها.

أعرف يا حلب أن كلّ ما فيك أخضر.. والطرق إليك كانت وستبقى معبّدة بالحياة.. أنتِ لستِ وهماً.. ولكنّك حلمٌ سـ «يسرق» غفوة الحزن في سهرة فرح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى