هزيمة أميركا في الأمم المتحدة لا تكفي يجب توسيع دائرة الاشتباك معها

د. عصام نعمان

انتصرت فلسطين وأنصارها والملتزمون قضيتها العادلة في العالم باتفاق أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة على وجوب سحب قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمةً لـِ «إسرائيل». نعم، إنه انتصار معنوي وقانوني وسياسي لفلسطين وأنصارها، وهزيمة مدوّية لأميركا و«إسرائيل» وأتباعهما. مع ذلك، لا تكفي هذه الهزيمة لردعهما وإكراههما على وقف مخططات التوسع الاستعماري والاستيطان والتهجير المنهجي للفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين من بيوتهم وأملاكهم وديارهم.

القرار الأممي تاريخ 2017/12/21 ليس، إذاً، كافياً ولن يشكّل نهاية مقبولة لكفاح تاريخيّ موصول من أجل التحرير والعودة وبناء دولة مستقلة للفلسطينيين على كامل ترابهم الوطني. ما العمل؟

لا بدّ من مواصلة الكفاح على الصعيدين الرسمي والشعبي من أجل بلوغ الأهداف المرتجاة، مع ملاحظة الواقعات والتطورات والتحديات وممارسة المهمات الآتية:

أولاً: تراجعُ الولايات المتحدة، حاضنة «إسرائيل» وراعيتها وحليفتها، على جميع المستويات في عالمنا المعاصر وعجزها، تالياً، عن فرض إرادتها ومخططاتها ومشاريعها ومصالحها على غيرها من الدول، كما كان الأمر عندما كانت، ولمدة طويلة، القطب الدولي الأول والأقوى والأكثر نفوذاً. وعليه، يقتضي مبادرة أصحاب القضية وحلفائهم إلى استثمار هذه الواقعة، بل هذه الفرصة، في إطار الاستراتيجيات والمخططات الرامية إلى ردع العدوان الصهيوأميركي وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.

ثانياً: صعودُ قوى إقليمية وازنة، أبرزها إيران وتركيا، تتصادم أهدافها ومصالحها مع الولايات المتحدة و«إسرائيل». الأمر الذي يصبّ في مصلحة الفلسطينيين وحلفائهم ويدعم السياسات والخطط الهادفة الى دعم المصالح المشتركة فيما بينهم في وجه أعدائهم ومنافسيهم.

ثالثاً: ضرورةُ تطوير وترفيع فعالية تنظيمات المقاومة العربية، من فلسطينية ولبنانية وسورية وعراقية ويمنية، والعمل على تأطيرها في جبهة واحدة وتنسيق أنشطتها السياسية والميدانية داخل مؤسسات محور المقاومة وأطرافه الفاعلة.

رابعاً: توسيعُ دائرة الاشتباك تدريجاً مع الكيان الصهيوني على مستويات وفي ميادين عدّة، ومن ثم ضدّ الحضور الإقليمي للولايات المتحدة، وذلك في إطار مستلزمات الصراع واغتنام الظروف الملائمة لاستخدام القدرات المتوافرة.

خامساً: ضرورةُ توظيف جهود واسعة وجادّة في مهمة تاريخية استراتيجية بالغة الأهمية هي تحقيق المشروع النهضوي العربي بأهدافه الخمسة: تجاوز حال الانحطاط بالتزام القيم العليا ومباشرة التجدّد الحضاري وتكامل الأمة في وحدة أو اتحاد واستكمال الاستقلال الوطني والقومي وإرساء الديمقراطية في نُظم ومؤسسات وتوأمة التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة.

من مجمل هذه الأهداف الخمسة، يقتضي التركيز في هذه المرحلة العصيبة وإعطاء أولوية راجحة للهدفين الأول والثاني، أيّ للتجدّد الحضاري وتكامل الأمة في وحدة أو اتحاد. ذلك أنّ التحديات التي تُحيق بالعرب عامةً وبفلسطين والفلسطينيين خاصةً تستوجب تعميق الوعي بها، وتركيز الفكر والجهد في مواجهتها، وبالتالي ترفيع كفاية آليات المواجهة ومضاعفة فعاليتها وصولاً الى بناء دولة اتحادية فدرالية بين الأقطار التي تتيح قدراتها وظروفها السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية ولوج هذه العملية الاستراتيجية الملحّة والبالغة الأهمية. فالدولة الاتحادية المدنية الديمقراطية هي بمثابة رافعة ضرورية للوفاء بمتطلّبات وأعباء الأهداف النهضوية الثلاثة الباقية.

إذا كانت المقاومة، في الوقت الحاضر، خيار العرب الأحياء ونهجهم في المواجهة الميدانية للعدو الصهيوني ورديفه الأميركي فإنّ الالتزام بالعمل المباشر، الصادق والدؤوب، يجب أن يكون خيار المثقفين الوطنيين، ولا سيما نُخَبهم الملتزمة والناهضة بالمواجهة المدنية للعدو وحلفائه المحليين. فبالنخبة، أو بالأحرى بتوليد النُخَب وتطويرها، يتحقق التجدّد الحضاري، وهو في جوهره تجديد لثقافتنا الوطنية بما هي عملية شاملة ومتكاملة تنطوي على نقد مزدوج للتراث وللغرب في آن وإعادة بناءٍ للتراث من الداخل وذلك من موقع الاستقلال والموضوعية والنزاهة وإيثار الخير العام.

يرتقي الالتزام الوطني لدى أهل المقاومة غالباً الى مستوى الشهادة، أي التضحية بحياتهم من أجل المبادئ والقيم التي يلتزمونها والأهداف التي يناضلون من أجل تحقيقها. هذه هي حال المقاومين الميدانيين في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن، فهل هي حال المثقفين المدنيين المقاومين في هذه الأقطار وغيرها؟

من أسف، أنها ليست كذلك. من هنا تنبع الحاجة الوجودية الملّحة الى استنهاض المثقفين المدنيين الملتزمين للارتقاء بفعاليتهم الى مستوى المقاومين الميدانيين وحثهم على العمل الدؤوب والمتواصل، وعلى المواجهة المستدامة حتى لو اقتضى الأمر التضحية بالذات، ناهيك عن التضحية بالأموال والمطامع والمصالح.

المقاومة المدنية والميدانية في زماننا حق وواجب والتزام وجودي. أن تقاوم شرط لأن تكون موجوداً. نعم، المقاومة باتت شرط وجود.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى