البحار الخمسة
في سابقة غير معهودة ابتكر السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد مصطلح تشبيك البحار الخمسة ، وذلك قبل بدء الأحداث في سورية ليسجل أول مصطلح سياسي يُطلقه رئيس جمهورية في التاريخ المعاصر. فقد اعتاد العالم أن تصنع المصطلحات وتطلق من قبل الأساتذة الجامعيين والمكنات الإعلامية الضخمة، أما أن يخرج رئيس على رأس عمله ويبتكر مصطلحاً سياسياً جديداً فهذه سابقة، ربما لم تحدث على الأقل في المئة العام الماضية.
هذه المنظومة الجغرافية التي يحدّها كل من بحر قزوين والبحر الأسود والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي تضمّ أكثر من 90 من الطاقة في العالم فضلاً عن المناخ الأكثر اعتدالاً والحضارة التاريخية الأرسخ جذوراً، إضافة لكونها ممراً حالياً ومستقبلياً لأهم أنابيب الغاز فضلاً عن كونها خط التماس بين الشرق والغرب في وسط العالم، وهي مرتبطة ببعضها ارتباطاً عضوياً يجعلها مؤهلة لتشكيل اتحاد اقتصادي جيوسياسي متين يواجه الإمبريالية الغربية والصهيونية العالمية.
المصطلح الذي أطلقه الرئيس الأسد قبل اندلاع الأحداث في سورية هو مصطلح حيّ وينمّ عن مفكر استراتيجي خبير ويرسم خطوطاً تمكننا من فهم العقلية التي تمّ بها احتلال فلسطين وغزو العراق ووضع اليد الأميركية على ثروات الخليج والهجمة الكونية على سورية وليس انتهاء بمشاكل القرم وأوكرانيا ومحاولة محاصرة إيران وروسيا داخل حدودهما.
ولنا أن نتخيّل ما الذي يمكن أن يحدث فيما لو تم فعلاً تشبيك منطقة البحار الخمسة ووضع إمكانياتها كلها في مواجهة الهيمنة الغربية، ما الذي ستستطيع أوروبا ـ المتعطشة للغاز ـ فعله في حال التهديد بقطع الغاز عنها لأيام أو أسابيع أو أشهر، ألن يرتاح العالم من الغطرسة الغربية عندما تُمسَك أوروبا من عنقها وتصبح خادمة للقضايا المحقة في وجه التغوّل الأميركي بعد أن أنهكتنا بسيرها ضمن الركب الأميركي وذوبانها معه في السعي لتقسيم منطقتنا وإشعال الحروب فيها ونهب ثرواتها؟ ولنا أيضاً أن نعيد للذاكرة كيف جاء وزير الخارجية الأميركي ذليلاً ليطلب من العرب ملء طيارته بالوقود بعد أن استخدم العرب سلاح النفط فقط!
نوح الديار