في الأبعاد والتساؤلات حول نتائج التعداد السكاني للفلسطينيّين في لبنان

رامز مصطفى

النتائج التي أعلنت عنها الحكومة اللبنانية ممثلة بلجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، والمتعلقة بالعداد السكاني للفلسطينيين المقيمين في لبنان، وإنْ هي قد مثلت أكثر من مفاجأة وصلت حدّ الصدمة للدولة اللبنانية كما للأحزاب والقوى والمرجعيات على اختلافها، خصوصاً تلك التي كانت على الدوام تشهر في وجوهنا نحن الفلسطينيين قبل غيرنا سيف الحرمان من أبسط حقوق الإنسان، في العيش الحرّ الكريم، عبر التهرّب الدائم من منحنا الحقوق المدنية والاجتماعية وحق التملك، تحت حجة التوطين التي أسقطها الشعب الفلسطيني بفصائله وقواه ونخبه قبل غيره سواء في لبنان وغيره. إلاّ أننا لم نفاجأ بتلك النتائج وإنْ كنا نرى وفي أحسن الأحوال أنّ العدد لن يتجاوز الـ 200 ألف فلسطيني، لأنّ المتتبع لسياق الأحداث وتطوّراتها خلال العقود الماضية يدرك بوضوح أنّ أعداد الفلسطينيين قد تناقص بشكل لافت.

تلك النتائج الصادمة على حدّ تعبير الكثير من المرجعيات اللبنانية الرسمية والحزبية، قد دفعت رئيس الحكومة اللبنانية سعد حريري إلى القول في كلمته بعد إعلان تلك النتائج التي حضر شخصياً حفل الإعلان عنها في السراي الكبير: «مع إنجاز هذا التعداد أصبح عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان واضحاً اليوم. وكان البعض يتحدث عن رقم 500 ألف أو 600 ألف أو 400 ألف، كان هناك كلام يهوِّل فيه بعضنا على بعض، وكنا نسمع أرقاماً تستخدم في التجاذبات، ولكن الأمور وضعت في نصابها. وواجباتنا تجاه إخواننا الفلسطينيين المقيمين على أراضينا مسألة يجب أن تتحرّر من التجاذبات». وبالتالي دفعت بالوزير وليد جنبلاط للتغريد على موقع «توتير» معلقاً على هذه نتائج بالقول: «أخيراً وجدوا أنّ عدد الفلسطينيين في لبنان لا يتجاوز المئة وأربعة وسبعين ألفاً»، ومتسائلاً: «لماذا اليوم سمح بالتعداد كي تسقط أسطورة التوطين وما رافقها من تحريض وحقد وإذلال للاجئ الفلسطيني على مدار عقود»، وتابع جنبلاط قوله: «أياً كان الأمر رحلوا أو رُحّلوا كي يسقط حق العودة ومعهم ترحل القدس». وما قاله مستشار لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني زياد الصايغ من على شاشة «أم تي في» اللبنانية، في تعليقه على نتائج التعداد السكاني، غاية في الأهمية لجهة تسليطه الضوء على أنّ تلك النتائج بالمعنى السياسي، والمتعلقة مباشرة بقضية اللاجئين وحق العودة. وهو القائل وبالحرف: «هو أحد الأرقام التي تمّ الاتفاق عليها في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية الثنائية، والتي تمّ القول فيها بضرورة عودة 175 ألف لاجئ فلسطيني من لبنان إلى دولة فلسطين، وإلى داخل الأراضي المحتلة من ضمن اتفاقيات لمّ الشمل».

من الضروري التوقف عند ما قاله الوزير جنبلاط معرباً عن دهشته من نتائج التعداد السكاني، ومطلقاً علامات استفهام وتساؤلات على توقيت إطلاقه، غامزاً من قناة إسقاط أسطورة التوطين، وبالتالي إسقاط حق العودة. وبالتالي عند تعليق الأستاذ الصايغ وهو المستشار لدى لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، والذي مثلّ العلامة الفارقة والأخطر بين ما قيل عن أنّ نتائج التعداد السكاني بالرقم 174422 للفلسطينيين في لبنان، والتي جاءت منسجمة بل ومتطابقة مع حصيلة المفاوضات الثنائية الفلسطينية «الإسرائيلية»، والتي خلصت إلى إعادة 175 ألف فلسطيني إلى دولة فلسطين، أو إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948 مشروطة باتفاقيات لمّ الشمل، على حدّ قوله لتلفزيون «أم تي في».

النتائج التي خلص إليها التعداد السكاني لا أودّ التعليق عليها، ولكن ألاّ يطرح كلام الوزير جنبلاط، وتعليق الأستاذ زياد الصايغ علامات الاستفهام الكبيرة، ونحن في مقالة سابقة في النصف الأول من شباط من هذا العام بعنوان التعداد السكاني للفلسطينيين والأسئلة المشروعة ، وقد سجلنا فيها عدد من التساؤلات نعيد طرحها للأهمية:

ـ يأتي التعداد في توقيتٍ ملتبس، حيث تشهد المنطقة حرائق تلتهم العديد من دولها. وبالتالي الحديث عن حلول سياسية يُعمل عليها لمجمل الملفات الساخنة، حيث القضية الفلسطينية في صلبها.

ـ الخشية من التوظيف السياسي للمعلومات والتحليلات التي سيخلُص إليها المشروع، من قبل جهات تقف «إسرائيل» في طليعتها، على اعتبار أنّ قضية الأرقام ذات أبعاد سياسية.

ـ استبعاد الاونروا التي أجرت في العام 2010 مسحاً اقتصادياً واجتماعياً للفلسطينيين في لبنان، لـ 2600 أسرة. شمل على معلومات ديموغرافية – معدلات الفقر – العمل – التعليم – الأمن الغذائي – الصحة – السكن وظروف العيش .

ـ هل سيشمل المشروع الفلسطينيين المغادرين لبنان، وخاصة من يحملون جنسيات دول أخرى؟ وهل سيقود ذلك إلى إجبار الاونروا على شطب أسمائهم من قيودها؟

اليوم ومع الحديث القوي عما يُحضر للقضية الفلسطينية من تصفية عبر ما تسمّى بـ «صفقة القرن»، والتي بدأت طلائعها تمدّ برأسها متمثلة بالقرار الخطيئة والجريمة، الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنّ القدس عاصمة الكيان «الإسرائيلي»، هل هناك من ضمانة أو مناعة كافية للتصدي للقرار الأميركي من قبل النظام الرسمي العربي المنغمس حتى أذنيه في الشراكة للترويج لتلك الصفقة المشبوهة؟ وهل سيبقى لبنان الرسمي والحزبي متمسكاً بمقدّمة دستوره التي تنصّ صراحة على رفض التوطين؟ والتي نطالبها وبقوة أن يتلازم الرفض مع رفض التهجير، وإقرار الحقوق المدنية والاجتماعية وحق التملك للفلسطينيين ال 174422 المتبقين في لبنان من أصل 460 ألف فلسطيني كانت العقود الماضية بأحداثها وحروبها العسكرية والاجتماعية والإنسانية كفيلة بوصول الوجود الفلسطيني في لبنان إلى النتائج التي خلص إليها التعداد السكاني.

كاتب وباحث سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى